عندما توقف قلب ابي سقط قلبي أنا
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم ورحمه الله انا شاب في السابعه والعشرين من عمري توفي ابي منذ ايام قليله وعندما مات ابي احسست اني هذه الدنيا ظلام وكل شئ توقف امامي كل شي حتي العمل لم اذهب اليه منذ وفات ابي لما استطيع وكل يوم اذهب الي قبر ابي ابكي واقرء القران وأدعو له هناك وفي قيام الليل انتي غير قادر علي التعايش طبيعي في هذا الوضع اشعر بخيبه امل وقهر وكسره وقلبي يؤلمني كثيرا مع العلم اني دخلت علي ابي في مرضه بالمستشفي وقلت له يا ابي هل انت راضي عني هل أنت راض عني فهز لي راسه مرتين الحمد لله لدى امي واختين البيت اصبح!
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب، ونسأل الله أن يفرَّج همَّك، وينفَث كربك.
ولا شك أن فَقْد الوالد من أقدار الله المؤلمة التي يَمتحن به صبرنا، ويَرى تضرُّعنا إليه، وابتهالنا له، ولنطَّرح ببابه لائذين بجنابه، وتَنكسر قلوبُنا بين يديه، ونبثَّ شكوانا إليه، قال تعالى {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، وكلَّ من مات فقد انقَضَى أجلُهُ المُسَمَّى، فمحالٌ تَقَدُّمُهُ، أو تَأَخُّرُهُ عنه.
قال الشيخ عبدالقادر: "يا بنيَّ، إنَّ المصيبة ما جاءت لتُهلكك، وإنما جاءت لتَمتحن صبرك وإيمانك، يا بُنيَّ القدَر سَبُع، والسبع لا يأكل الميتة؛ كما في الآداب الشرعية لابن مُفلح.
والحزنُ شيءٌ فِطريٌّ يَنتَابُ كلَّ البشر عندما تقابِلُهُم المصائبُ التي لا حيلة لنا في دفْعِها،فيجب علينا أن نُقابلها بالصبر والتسليم، فهذا أعظم ما يُعين على الصبر والرضا بأقدار الله المؤلمة قال الله تعالى:
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157]، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]؛ قال بعض السلف: هو الرجل تُصيبه المصيبة فيَعلم أنها مِن عند الله فيَرضى ويُسلِّم.
روى الترمذي عن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن عِظَم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمَن رضيَ فله الرضا، ومَن سخط فله السخط))؛
هذا؛ وقد عقد الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد (4 / 173 - 178) بابًا في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حرِّ المصيبة وحزنها، وفيه إن شاء الله الشفاءٌ التام لمن تأمله، قال: "قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157]، وفي "المسند" عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما مِن أحد تُصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهمَّ أجرني في مصيبتي، وأخلِفْ لي خيرًا منها، إلا أجاره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها)).
وهذه الكلمة مِن أبلغ علاج المُصاب، وأنفعه له في عاجلته وآجلتِه، فإنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقَّق العبد بمعرفتهما تسلَّى عن مصيبتِه:
أحدهما: أنَّ العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة، وقد جعله عند العبد عارية، فإذا أخذه منه فهو كالمُعير يأخذ متاعه من المستعير، وأيضًا فإنه محفوف بعدمَين: عدمٍ قبله، وعدم بعده، وملك العبد له مُتعة مُعارة في زمن يَسير، وأيضًا فإنه ليس الذي أوجده عن عدمه، حتى يكون ملكه حقيقةً، ولا هو الذي يحفظه من الآفات بعد وجوده، ولا يُبقي عليه وجوده، فليس له فيه تأثير، ولا ملك حقيقيٌّ، وأيضًا فإنه متصرِّف فيه بالأمر تصرُّف العبد المأمور المنهيِّ لا تصرف الملاك، ولهذا لا يُباح له من التصرفات فيه إلا ما وافَقَ أمرَ مالكِه الحقيقي.
والثاني: أن مَصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، ولا بد أن يُخلِّف الدنيا وراء ظهره، ويَجيء ربه فردًا كما خلقه أول مرة؛ بلا أهل، ولا مال، ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات، فإذا كانت هذه بداية العبد وما خوَّله ونهايته، فكيف يفرح بموجود أو يأسى على مفقود؟ ففكره في مبدئه ومعاده مِن أعظم علاج هذا الداء، ومِن علاجه أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليُصيبه؛ قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور} [الحديد: 22، 23].
ومن علاجه أن ينظر إلى ما أصيب به، فيجد ربه قد أبقى عليه مثله أو أفضل منه، وادَّخر له - إن صبر ورضيَ - ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مُضاعَفة، وأنه لو شاء لجعلَهَا أعظم مما هي.
ومِن علاجه أن يُطفئ نار مصيبته ببرد التأسِّي بأهل المصائب، وليعلم أنه في كل وادٍ بنو سعد، ولينظر يمنةً فهل يرى إلا محنة؟ ثم ليَعطف يسرة فهل يرى إلا حسرةً؟ وأنه لو فتَّش العالم لم يرَ فيهم إلا مُبتلى؛ إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وأنَّ شرور الدنيا أحلام نوم، أو كظلٍّ زائل، إن أضحكتْ قليلًا أبكتْ كثيرًا، وإن سرَّت يومًا ساءتْ دهرًا، وإن متَّعت قليلًا منعت طويلًا، وما ملأت دارًا خيرة إلا ملأتها عبرة، ولا سرَّته بيوم سرورٍ إلا خبأتْ له يومَ شرورٍ؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: "لكل فرحة ترحة، وما مُلئ بيت فرحًا إلا مُلئ ترحًا"، وقال ابن سيرين: "ما كان ضحكٌ قط إلا كان مِن بعده بكاءٌ".
ومِن علاجها أن يعلم أنَّ الجزَع لا يردُّها، بل يُضاعفها، وهو في الحقيقة مِن تزايد المرض.
ومِن علاجها أن يعلم أن فَوْتَ ثواب الصبر والتسليم - وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع - أعظم مِن المصيبة في الحقيقة.
ومن علاجها أن يعلم أن الجزع يُشمِّت عدوه، ويَسوء صديقه، ويُغضب ربه، ويسرُّ شيطانه، ويحبط أجره، ويُضعف نفسه، وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه وردَّه خاسئًا، وأرضى ربه، وسرَّ صديقه، وساء عدوَّه، وحمل عن إخوانه، وعزاهم هو قبل أن يُعزُّوه، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، لا لطم الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بالويل والثبور والسخط على المقدور.
ومن علاجها: أن يَعلم أن ما يَعقبه الصبر والاحتساب من اللذَّة والمسرَّة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقيَ عليه، ويَكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يُبنى له في الجنة على حمده لربِّه، واسترجاعه، فلينظر: أي المصيبتَين أعظم؟ مُصيبة العاجلة، أو مُصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد؟ وفي الترمذي مرفوعًا: ((يودُّ ناس يوم القيامة أنَّ جلودهم كانت تُقرض بالمقاريض في الدنيا لما يَرون مِن ثواب أهل البلاء)).
وقال: بعض السلف لولا مصائب الدنيا لورَدنا القيامة مفاليس.
ومن علاجها: أن يروِّح قلبه بروح رجاء الخلف من الله، فإنه من كل شيء عوض إلا الله، فما منه عِوَض كما قيل:
مِن كل شيء إذا ضيَّعته عِوَض = وما من الله إن ضيعته عِوضُ
ومن علاجها: أن يعلم أن حظَّه من المصيبة ما تُحدثه له، فمن رضي فله الرِّضى، ومَن سخط فله السخط، فحظك منها ما أحدثته لك فاختر خير الحظوظ أو شرَّها، فإن أحدثت له سخطًا وكفرًا كُتب في ديوان الهالِكين، وإن أحدثت له جزعًا وتفريطًا في ترك واجب أو فعل محرَّم كُتب في ديوان المفرِّطين، وإن أحدثت له شكاية وعدم صبر كتب في ديوان المغبونين، وإن أحدثت له اعتراضًا على الله وقدحًا في حِكمته فقد قرع باب الزندقة أو ولَجه، وإن أحدثت له صبرًا وثباتًا لله كتب في ديوان الصابِرين، وإن أحدثت له الرضا عن الله كتب في ديوان الراضين، وإن أحدثت له الحمد والشكر كتب في ديوان الشاكرين، وكان تحت لواء الحمد مع الحمَّادين، وإن أحدثت له محبة واشتياقًا إلى لقاء ربه كتب في ديوان المحبين المخلصين.
ومن علاجها: أن يعلم أنه وإن بلغ في الجزع غايته، فآخر أمره إلى صبر الاضطرار، وهو غير محمود ولا مُثاب، قال بعض الحكماء: العاقل يفعل في أول يوم مِن المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام، ومن لم يَصبر صبر الكرام سَلا سلوَّ البهائم.
ومن علاجها: أن يعلم أن أنفع الأدوية له مُوافَقة ربِّه وإلهه فيما أحبه ورضيَه له، وأن خاصية المحبة وسرَّها مُوافَقة المحبوب، فمَن ادَّعى محبة محبوب ثم سخط ما يحبه وأحب ما يُسخطه فقد شهد على نفسه بكذبه، وتمقَّت إلى محبوبه.
ومن علاجها: أن يوازن بين أعظم اللذتين والمُتعتَين وأدومهما؛ لذة تمتُّعه بما أصيب به، ولذة تمتُّعه بثواب الله له، فإن ظهَرَ له الرجحان فآثر الراجح فليَحمد الله على توفيقه، وإن آثر المرجوح من كل وجه فليعلم أن مصيبتَه في عقله وقلبه، ودينه أعظم من مصيبته التي أصيب بها في دنياه". ا هـ مختصرًا.
فاستعن بالله ولا تعجز، واصبر وتَصَبَّرْ، وَاحْتَسَب أباكَ، حتى يمَنَّ اللهُ عليكَ بالصبرِ الجميلِ، وَيَجزِيك الجزاءَ الأوفى، وهو الجنةُ التي أعدَّها الله لعباده المتقين؛ وفِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ، إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إِلَّا الجَنَّةُ))؛ رواه البخاري.
والصفيُّ: الذي تحبُّه وتصطفيهِ من الناس، فيدخُلُ فيه الوالدُ، وغيرُهُ، وأكْثِرْ من قول: "إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ"، "وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ".
وأَقْبِلْ على حياتك؛ فأنت لست وَحْدَكَ مَنْ أُصِيبَ بتلك المصائب؛ فالنبي سيدُ الخلق ماتَ أبوهُ وهو جنينٌ، ثم ماتت أمُّهُ وهو لم يَزَلْ طفلًا صغيرًا، ثم مات جدُّه الذي يرعاه، ثم لما نزلت عليه الرسالةُ، وأذي في الله، قَيَّضَ الله له أُمَّنَا خديجةَ، وعمَّه أبا طالبٍ، يدافعان عنه، فمات الِاثنانِ عنه، وَحَزِنَ عليهما حزنًا شديدًا، ولم يمنعه هذا من مواصلة الدعوة والعمل لدين اللهَ؛ لأن هذه سنةُ الحياة.
ثمّ لما لَحِقَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى، أَظْلَمَ مِنَ الْمَدِينَةِ كُلُّ شَيْءٍ، كَمَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قال: "وَمَا فَرَغْنَا مِنْ دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا".
وعلى الرغم من عِظَمِ المُصِيبَةِ واصلوا الحياة ونشروا دين الله في كل مكان وصلوا إليه،، والله أعلم.