لماذا يكون الابتلاء في الزوجة
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم و رحمة الله شكرا لحضراتكم للرد على سؤالى ستر الزوجة و لكنى فى حيرة من امرى انا قمت بالحج من خمس سنوات و لا اسلم باليد على النساء و زوجتى حافظة القران الكريم بالكامل لماذا يكون الابتلاء ان يحدث لها مرض نفسى يسبب لها الاندفاع حتى تقوم بالزنى مع شخص كلمها فى التلفون لمدة شهر استغفر الله و لكن مش الجزاء من جنس العمل احيانا الشيطان يضعنى فى حيرة لية حدث دة لى انا و زوجتى و عشان استر حاعيش بالاحاسيس المؤلمة دى طول العمر افيدونى حتى ارتاح ؟؟؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فمما لا شك فيه أن سبب هذا السؤال اعني لماذا هذا الابتلاء... سببه تلبيس الشيطان لشدة الوارد عليك! فالله سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23]، لكمال علمه وحكمته، ووضعه الأشياءَ مواضعها، وأنه ليس في أفعاله خلل ولا عبث ولا فساد يسأل عنه، كما يسأل المخلوق، وهو الفعال لما يريد، ولكن لا يريد أن يفعل إلا ما هو خير ومصلحة ورحمة وحكمة، فلا يفعل الشر ولا الفساد، ولا الجور ولا خلاف مقتضى حكمته؛ لكمال أسمائه وصفاته، فهو الغنى الحميد العليم الحكيم، لا يظلم العباد مثقال ذر، ويفعل ما يشاء بأسباب وحكم، ولغايات مطلوبة وعواقب حميدة.
فاستعن بالله تعالى، واستعذ به من شر الشيطان وشركه؛ فإن حكمة الله تعالى في ابتلاء عباده المؤمنين يدركها كل من طلبها، فأفعال الله تعالى كلها - ومنها الابتلاء بالشر - لا تَخرُج عن العدل والحكمة، والمصلحة والرحمة، فالله تعالى لا يَجُور في حُكمِه وفِعله ومنعه وعطائه، وعافيته وبلائه، وتوفيقه وخذلانه، ولا يخرج شيءٌ عن موجب ما تَقْتَضيه أسماؤُه وصفاته مِن العدل والحكمة، والرحمة والإحسان والفضل، ووضع والعطاء والمنع في مَوضِعه، ولا يَخُرج تصرُّفه في عبادِه عن العدل والفضل، إن أعطى وأكرَم وهدَى ووفَّق، فبفضله ورحمته، وإنْ منَع وأهانَ وأضلَّ وخذَلَ وأشقى، فبعدلِه وحكمته.
لا يخفى عليك أن ما وقع على أسرتك من ابتلاء هو أمرٌ قدَّره الله تعالى عليه قبل أن يخلقَ السماوات والأرض، وقدَرُ الله كله خير، فهو سبحانه لم يخلُقْ شرًّا خالصًا، ولا شرًّا راجحًا، وإنما خلق خيرًا محضًا، وخيرًا راجحًا، وشرًّا مرجوحًا والخير الذي فيه اعظم من الشر؛ مِن أجل هذا قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابتْه سراء شَكَر فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضراء صبر فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم عن صُهيب.
وهذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده من عقوبة أو ألم.
وتدبَّر كلام شيخ الإسلام ابن القيم في "الفوائد" (ص: 93): "... سبحانه تَوَلَّى تدبيرَ أمورِهم بموجب علمِه وحكمته ورحمته أَحَبُّوا أم كرهوا، فعرف ذلك الموقنونَ بأسمائه وصفاته، فلم يتَّهموه في شيءٍ مِن أحكامه، وخفي ذلك على الجهلة به وبأسمائه وصفاته، فنازعوه تدبيرَه، وقدحوا في حكمتِه، ولم يَنقادوا لحكمه، وعارضوا حكمَه بعقولهم الفاسدة، وآرائهم الباطلة، وسياساتهم الجائرة، فلا لربهم عرفوا، ولا لِمصالحهم حصلوا.
ومتى ظفر العبد بهذه المعرفة سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يشبه فيها إلا نعيم الآخرة فإنه لا يزال راضيا عن ربه والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفين فإنه طيب النفس بما يجري عليه من المقادير التي هي عين اختيار الله له وطمأنينتها إلى أحكامه الدينية وهذا هو الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وما ذاق طعم الإيمان من لم يحصل له ذلك وهذا الرضا هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسن اختياره فكلما كان بذلك أعرف كان به أرضى فقضاء الرب سبحانه في عبده دائر بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة لا يخرج عن ذلك البتة كما قال في الدعاء المشهور: ((ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك))، وهذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده من عقوبة أو ألم وسبب ذلك فهو الذي قضى بالسبب وقضى بالمسبب وهو عدل في هذا القضاء وهذا القضاء خير للمؤمن"
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مثلُ المؤمن كمثلِ الخامة من الزرعِ، من حيث أتَتْها الريح كَفَأَتْها، فإذا اعتدلَتْ تَكَفَّأُ بالبلاء، والفاجرُ كالأرزةِ، صمَّاء معتدلة، حتى يقصمَها الله إذا شاء))؛ وأعظم ما يعينك على الرضاء بقضاء الله تعالى قراءة كتابَ الله تعالى بتدبُّر، وستُدرك أن أولَ ما وجَّه الله تعالى إليه الأمةَ المسلمة هو الاستعانةُ بالصبر والصلاةِ؛ استعدادًا للتكاليفِ، ومُكابَدة الأهوالِ من النقص في الأموال والأنفسِ والثمرات، وذلك في مقابل جزاءٍ ضخمٍ لقلبِ المؤمن؛ وهو رضا الله ورحمتُه وهدايته؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ* وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 153- 157].
فاللهُ سبحانه يعلم ضخامةَ الابتلاء؛ ومِن ثَمَّ كرَّر سبحانه ذِكْر الصبر في القرآن كثيرًا؛ لحاجة المؤمن له دائمًا، لا سيما في الابتلاءات الكبيرة، وقد يضعف الصبر ويتفلَّت أو ينفد، إذا لم يكن هناك زادٌ ومدَد مِن الطاعات الكِبار؛ ولذلك يقرن سبحانه الصلاةَ إلى الصبر؛ لأنها المعينُ الذي لا ينضَبُ، والزَّاد الذي لا ينفدُ؛ فهي تجدِّدُ الطاقة، وتزوِّد القلب؛ فيمتدُّ حبلُ الصبر ولا ينقطع، فالإنسانُ ضعيفٌ بطَبعِه، قويٌّ بربه إذا الْتَجَأَ للقوة الكبرى، لاستمدادِ العون وطلب الاستقامة على طريق الحقِّ.
أما كون الجزاء من جنس العمل، فهذه قاعدة مضطرة، وهي لا تتعارض مع سنة الابتلاءُ بالمصائب للمؤمنين؛ قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2، 3]، وقال سبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35] وقال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة: 214]، وقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } [آل عمران: 142].
هذ؛ وقد ذكر الإمام ابن القيم بعض الحكم من ابتلاء الأنبياء والصالحين بالشر وتسليط الكفار على المؤمنين، فقال في "إغاثة اللهفان" (2/189-191):
" ... الأصل السابع : أن ما يصيب المؤمن في هذه الدار من إدالة عدوه عليه، وغلبته له، وأذاه له في بعض الأحيان: أمر لازم لا بد منه، وهو كالحر الشديد، والبرد الشديد، والأمراض، والهموم، والغموم، فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذه الدار، حتى للأطفال والبهائم؛ لما اقتضته حكمة أحكم الحاكمين، فلو تجرد الخير في هذا العالم عن الشر، والنفع عن الضر، واللذة عن الألم، لكان ذلك عالمًا غير هذا، ونشأة أخرى غير هذه النشأة، وكانت تفوت الحكمة التي مُزِجَ لأجلها بين الخير والشر، والألم واللذة، والنافع والضار، وإنما يكون تخليص هذا من هذا وتمييزه في دار أخرى غير هذه الدار؛ كما قال تعالى : {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[الأنفال : 37] .
إلى أن قال: ومنها : أنه سبحانه يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء، وفي حال العافية والبلاء، وفي حال إدالتهم والإدالة عليهم، فلله سبحانه على العباد في كلتا الحالين عبودية بمقتضى تلك الحال؛ لا تحصل إلا بها، ولا يستقيم القلب بدونها، كما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر، والبرد، والجوع، والعطش، والتعب، والنصب، وأضدادها، فتلك المحن والبلايا شرط في حصول الكمال الإنساني، والاستقامة المطلوبة منه، ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع". اهـ.
أما الستر على زوجتك فهو واجب شرعي، ولا يلزم منه الإمساك عليها وإبقاؤها على ذمتك، فإن كنت لا تستطيع العيش معها، فطلقها، فالطلاق وإن كان الأصل فيه الحظر وإنما أبيح منه قدر الحاجة؛ كما نصّ عليه وقرره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مذهب جمهور الفقهاء، إلا أن الله سبحانه أباحه عند الحاجة إليه،، والله أعلم.