كيف اتخلص من العادة السرية
كيف اتخلص من العادة السرية
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن التوبة من العادة السرية تقتضي الإقلاع عنها بالكلية في الوقت الحاضر، والعزم على عدم العود في المستقبل، والندم على فعلها في الماضي.
أما الإصرار على تلك العادة المحرمة فسببه الغفلة، الشهوة، ولكل واحدٍ منهما علاج ناجع يقطع مادتها.
فالغفلةُ، دواؤُها العلم والتذكُّر الدائم للوعيد الشديد الوارد في القرآن الكريم والسنة في حق المذنبين في الدنيا الآخرة، فقد يُعجِّل الله لأهل المعاصي ألوانًا من العقوبة في الدنيا؛ كما صحَّ عنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إنَّ العبدَ ليُحرم الرزق في الدنيا بالذنب يُصيبه"؛ رواه ابن ماجه.
وأمَّا الشهوة، فدواؤها الابتعاد عن الأسباب المهيجة والمغرية للمعصة، وتجنُّب مواطنها، واستحضار المخوفات الواردة فيها، والآثار الوخيمة المترتِّبة عليها، ولا شك أنَّ العبدَ إذا تَوَجَّه إلى ربِّه بنيَّة صحيحة وقلب مخلص، فإنه - تعالى بفَضْله وكرَمه - يُعينه على قصْده الحسَن، ويهديه إلى الطريق المستقيم، ويهَيئ له أسباب التوبة؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والمجاهِد مَن جاهَد نفسه في طاعة الله، والمهاجر مَن هجر الخطايا والذنوب)؛ رواه أحمد.
وأما التخلص من تلك العادة السيئة، فيتحقق بالاستقامة على شرع الله تعالى، والاستقامة تتحقق بأمور كثيرة منها:
المحافظة على فرائض الشريعة من الصلاة وغيرها، والإكثار من فعل الصالحات، فإنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئات، والإكثار من الذكر، وقراءة القرآن الكريم بتدبر، وكثرةُ الاستغفار، وغيرها.
- البُعْد عن دواعي المعصية وأسبابِها، وقطع الخطرات السيئة في بدايتها حتى لا تقوى فتكون إرادة جازمة، مع الإكثار من التضرع لله، والإكثار الصوم، وغض البصر، وعدم مشاهدة الأفلام المسلسلات، والبعد عن أماكن المعصية.
- البحث عن رفقة صالحة، والبعد عن قرناء السوء.
- تعلُّم العلم النافع والحرص على حضور مَجالس العلم، وشغل جميع الوقت بالأمور المباحة والطاعات، حتَّى لا يَجِدَ الشيطانُ لديْكَ فراغًا؛ ولأن النفس إن لم تشغلها بالطعة شغلتك بالمعصية.
التفكير في عواقب تلك العادة قبل الوقوع فيها؛ وهذه خاصة العقل، أعني: النظر فيما يعقب المعصية من الهم والغم، والخوف والحزن، وضيق الصدر وأمراض القلب، حتى إن بعضهم يفعلها بعد ذلك دفعًا لما يجده في صدره من الضِّيق والهم والغم، على ما في المعصية من الصد عن ذكر الله، ونسيان الآخرة..
قال الإمام ابن الجوزي في "صيد الخاطر (ص: 486):
"إنما فضل العقل بتأمل العواقب؛ فأما القليل العقل؛ فإنه يرى الحال الحاضرة، ولا ينظر إلى عاقبتها، فإن اللص يرى أخذ المال، وينسى قطع اليد! والبطال يرى لذة الراحة، وينسى ما تجني من فوات العلم وكسب المال، فإذا كبر فسئل عن علم؛ لم يدر، وإذا احتاج، سأل؛ فذل، فقد أربى ما حصل له من التأسف على لذة البطالة، ثم يفوته ثواب الآخرة بترك العمل في الدنيا. وكذلك شارب الخمر، يلتذ تلك الساعة، وينسى ما يجني من الآفات في الدنيا والآخرة! وكذلك الزنا؛ فإن الإنسان يرى قضاء الشهوة، وينسى ما يجني من فضيحة الدنيا والحد".
معرفة أن الذي يهجر السيئات، ويغض بصره، ويحفظ فرجه، ويفر مما حرمه الله- يجعل الله له من النور والعلم، والقوة والعزة، ومحبة الله ورسوله، والنجاة في الدنيا والآخرة - ما الله به عليم، والنقيض بالنقيض.
معرفة أنه يجب حسْم مادة المعصية، وسد ذريعتها، ودفْع ما يفضي إليها؛ لأن السيئات تهواها النفوس، ويزينها الشيطان، حتى تجتمع على االمء فتنة الشبهات والشهوات.
وأخيرًا الحذر من الاغترار بستر الله وحلم الله وكرمه، فقديكون استدرَجًا من عباده الغافلين،، والله أعلم.
- المصدر: