هل سيحكم المسيح بعد نزوله بالإسلام
هل عندما ينزل المسيح سيكون عالما بأحكام الدين الاسلامي؟ وهل سيوضح لنا الامور التي اختلف فيها العلماء والمذاهب ويوضح لنا الصحيح من الخطأ ؟ وهل سينزل عليه الوحي ؟ ام ان مهمته هي قتل الدجال فقط ؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بنزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وقتله الدجال، وقد جاء به كثير من الأحاديث الصحيحة بلغت حدّ التواتر؛ كما صرح به علماء الحديث كالحافظ ابن كثير في "تفسيره"، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، و"تلخيص الحبير".
ففي الصحيحين أبا هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها"، ثم يقول أبو هريرة: " واقرءوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159].
والحديث دليل على أن المسيح عيسى عليه السلام يحكِّم شرعنا، ويحيى من أمور الدين ما هجره الناس، ومما يبين هذا أن الإسلام هو دين جميع رسل الله وهو دين التوحيد، وإنما تعددت شرائعهم؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد".
هذا؛ وقد أجمع أهل العلم على أن المسيح عيسى بن مريم وإنما نزل مقررًا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ومجددًا لها؛ لأن الإسلام آخر الشرائع السماوية، فيقضي بالكتاب والسنّة وليس بغيرهما من الكتب السابقة
وأيضًا فعيسى ينزل تابعاً لرسولنا صلى الله عليه وسلم محكماً لشريعة القرآن، ولذلك فإنه يصلي خلف ذلك الرجل الصالح، وهذا فخر لهذه الأمة، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم"، وفي الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة "، وهذا الحديثان صريحا الدلالة في أن عيسى عليه السلام جاء لإقرار شريعة الإسلام، وأنه جاء تابعاً لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، حاكماً بالقرآن، لا بالإنجيل، فإن شريعة القرآن ناسخة للشرائع قبلها، وقد أخذ الله العهد والميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويتابعوه إذا بعث وهم أحياء: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81].
جاء في "شرح النووي على مسلم"(18/ 75): "قال القاضي رحمه الله تعالى نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته، وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهيمة ومن وافقهم، وزعموا أن هذه الأحاديث مردودة بقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نبي بعدى"، وبإجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة لا تنسخ: وهذا استدلال فاسد؛ لأنه ليس المراد بنزول عيسى عليه السلام أنه ينزل نبيًا بشرع ينسخ شرعنا، ولا في هذه الأحاديث ولا في غيرها شيء من هذا بل صحت هذه الأحاديث هنا وما سبق في كتاب الإيمان وغيرها أنه ينزل حكما مقسطا بحكم شرعنا ويحيي من أمور شرعنا ما هجره الناس". اهـ.
قال السفاريني في "لوامع الأنوار البهية" (2/ 95)"ويكون مقرِّرًا لشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رسول لهذه الأمة كما مر، ويكون قد علم أحكام هذه الشريعة بأمر الله تعالى وهو في السماء قبل أن ينزل". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: