هل من حق لزوجة السكن المستقل في هذه الحالة؟
انا رجل متزوج و ابي متوفي، و اسكن مع والدتي و اختي في قرية، و لي اخ اكبر متزوج يسكن في منزل منفصل في مدينة، و اخ اعذب يعمل بالعاصمة. و تريد زوجتي سكنا مستقلا في المدينة، و تعدني بانها لن تعمل على ابعادي عنهم، بل طلبت مني تحديد مبلغ شهري ثابت اقوم بتقديمه لوالدتي و تقول لي انه اذا كانت امي بصحة غير جيدة او غير قادرة على خدمة نفسها فانها ستسعد بخدمتها، و لكن تزيد القول بان والدتك لديها اختك تسكن معها و هي قادرة على خدمتها. و انا لا استطيع ايجار منزلين منفصلين في المدينة و التي تبع 14 كلم عن القرية
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد سبق إنَّ بينا أن من حقِّ الزَّوجة على زوجِها أن يوفِّر لها سكنًا مستقِلاًّ، ولا يُلْزِمها أن تسكُن مع أهلِه، وخاصَّة إذا ترتَّب على سُكناها معهُم أيُّ ضررٍ يَلحق بِها، في الفتويين: " السكن المستقل للزوجة!!"، " هل زوجتي لها الحق في سكن مستقل في حالتي الخاصة؟".
أما الانتقال إلى المدينة وترك والدتك بالقرية، فلا بأس به إن دعت الحاجة أو المصلحة الراجحة، ولكن بشرط أن تكون آمنًا على والدتك، وأن تتمكن من برها والتواصل معها، ولا يكون البعد عنها سببًا في التقصير؛ لأنه ليس من شرط البر الجلوس معها أو بجوارها، ومن ثمّ فخروجُ الِابن من بيت والديه، والسكن مع زوجته بعيدًا عنهما ليس من العقوق؛ فمن حقِّ الزَّوجة على زوجِها أن يوفِّر لها سكنًا مستقِلًّا، ولا يَلْزَمُها أن تسكُن مع أهلِه، وخاصَّة إذا ترتَّب على سُكناها ضَرَرٌ عليها.
هذا؛ ولتعلم أن الله سبحانه أمر بالإحسان إلى الوالدين، وبرهما وحفظهما، وصيانتهما، وامتثال أمرهما، وإدْخال السُّرور عليْهِما، وكفايتهما كفايةً تامَّة، بحيث لا يحتاجان إلى سؤالٍ، أو تطلعٍ إلى ما في أيْدي النَّاس، وهذا هو الحدّ الأدْنى من الواجب، ولا ينبغي للمسلم أن يفرِّط في هذا الحد، وما كان فوق ذلك من نفقاتٍ، فإنَّه برٌّ وصلة، وليس من الواجبات.
كما أن حق الوالدين من آكَدِ الحقوق التي عظمها الله، وجعلها تالية لحقه - سبحانه وتعالى - حيث قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23]، وقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء:36].
قال القرطبي - رحمه الله - في "تفسيره" (2 / 13) -:
"وقرن الله - عز وجل - في هذه الآية - حق الوالدين بالتوحيد؛ لأن النشأة الأولى من عند الله، والنشء الثاني - وهو التربية - من جهة الوالدين، ولهذا؛ قَرَنَ - تعالى - الشكر لهما بشكره، فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14].
والإحسان إلى الوالدين: معاشرتُهُمَا بالمعروف، والتواضع لهما، وامتثال أمرهما، والدعاء بالمغفرة بعد مماتهما، وصلة أهل ودهما". اهـ.
وَحَذَّرَ - سبحانه وتعالى - من عصيانهما، أو إيذائهما - ولو بأدنى الألفاظ - فقال - تعالى -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء:23].
وكذلك أمر الشارع بحسن معاملة الزوجة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحسان العشرة، ونبه على أن أعلى الناس رتبة في الخير، من كان خير الناس لأهله؛ كما روى أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم"، وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"؛ رواه الترمذي.
وعليه، فالواجب على العاقل أن يعطي كل ذي حق حقه، ولا يجور على طرف على حساب آخر.
ولمزيد فائدة، تراجع الفتويين: "وجوب بر الوالدين وإيثارهما على من سواهما"، "العدل بين الوالدين وبين الزوجة والأولاد"،، والله أعلم.
- المصدر: