موت الواهب بعد القبض والحيازة
توفى رجل عن زوجة وبنتين بعد وفاته قام أخيه الوحيد (عم البنات) بإعطاء بنات أخيه وأمهم (منزل وجزء من قطعة أرض) فقامنّ بحيازتهما والتصرف فيهما تصرف الملاك، واستفاض عند الناس نسبتھا إليهن بلا منازع، وشھد الشهود بملكیتهن للمنزل وللأرض، ووقعوا على ذلك. مع العلم بأن بلغت مدة حيازة المعنيات وورثتهن للمنزل والأرض مدة طويلة تجاوزت 90 سنة. السؤال :هل يحق لورثة العم المطالبة بالمنزل والأرض وسماع دعواهم بعد هذه المدة بالرغم من إن الحيازة تمت في حياة العم (جدهم) وبعلمه وبرضاه.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
إن كان الحال كما ذكرت أن الهبة قد تمت، ووقعت حيازة الأرض والمنزل، فإن الملك يثبت للموهوب، وهو مذهب جمهور الفقهاء حيث اشترطوا في ثبوت الملك للموهوب له أن يقبض الشيء الموهوب، واعتبروه شرطًا لصحة الهبة وتمامها.
أما المالكية فقد قرروا ثبوت الملك بمجرد العقد ( الإيجاب والقبول ) وما القبض عندهم إلا أثرا من آثار العقد يلزم الواهب تنفيذه ، وذلك بتسهيل إقباض الموهوب له ، وما على الموهوب له إلا أن يسرع في حيازة الشيء الموهوب ولا يفرط فيه .
وقد دلّت السنة على عدم جواز رجوع الواهب في الهبة بعد قبض الموهوب، إلا لأب فيما وهب ولده، وهو مذهب المالكية والحنابلة في المذهب، ومقابل المشهور عند الشافعية
جاء في "المغني" لابن قدامة (6/ 42): "والواهب بالخيار قبل القبض، إن شاء أقبضها وأمضاها، وإن شاء رجع فيها ومنعها. ولا يصح قبضها إلا بإذنه.... وإن رجع بعد القبض، لم ينفع رجوعه؛ لأن الهبة تمت".
أما موت الواهب فلا يعطي لورثته الحق في استرداد ما وهو بعد القبض والحيازة.
وجاء في "الشرح الكبير على المقنع" (17/ / 26): "(فإن مات الواهب، قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع)، وجملة ذلك، أنه إذا مات الواهب أو المتهب قبل القبض، بطلت الهبة، سواء كان قبل الإذن في القبض أو بعده. ذكره القاضي في موت الواهب؛ لأنه عقد جائز، فبطل بموت أحد المتعاقدين، كالوكالة؛ قال أحمد، في رواية أبي طالب، وأبي الحارث، في رجل أهدى هدية، فلم تصل إلى المهدى إليه حتى مات: فإنها تعود إلى صاحبها ما لم يقبضها؛ وروى بإسناده عن أم كلثوم بنت أبي سلمة قالت: لما تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة، قال لها: "إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة علي، فإن ردت فهي لك"، فكان كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وردت عليه هديته، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من مسك، وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: