دية كسر الانف بسبب شرب المخدرات
السلام عليكم ورحمه الله وبركاتة شخص يبلغ ٣٣ عاما وغير متزوج ويسكن مع اخته ووالدته (الوالد متوفى) ، فى يوم تعاطى الحشيش، مما ادى انه ضرب والدته و اخته وهو تحت تاثير هذا المخدر، ونتج عن ذلك كسر فى انف اخته، احتاج لعمليه وانتهت باعوجاج خفيف فى الانف غير ملحوظ، الاخت والام تنازلو عن تدخل الشرطه حرصا على مستقبله، السؤال: ما هو جزائه او العقوبه المناسبه لما فعل؟ مثل مبلغ يدفع كدية لكسر انف اخته بالضافه لمغادرة السكن وتحمل تكاليف العلاج، وما هى المده القصوى التي يسمح لاخته وامه بمقاطعته؟
الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَن وَالَاهُ، أَمَّا بَعْدُ:
فقد أجمع أهل العلم على أن دية الأنف إذا قطع كاملاً أن في الدية كاملة، وهي مائة من الإبل، وأما إذا كان الحال كما ورد في السؤال فيرجع تقدير ذلك إلى أهل العلم والفقه، فيجب على الجاني دفع من ثمن العلاج، والتعويض المادي عما لحق من ضرر؛ كما نصّ عليه الإمام مالك والإمام الشافعي وغيرهما من أهل العلم.
أما هجر هذا الشخص في الله، فقد شرَع الله هجْر أصحاب المعاصي إن كان يترتَّب عليه مصلحة، واتفق أهل العلم على هجر من يلحقه ضرر من صحبته؛ وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (17 / 245): "قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث، إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه، أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك، جاز، وَرُبَّ هجرٍ جميلٍ خيرٌ من مخالطة مؤذية". اهـ.
فالهجرُ في الله لأهل الكبائر مثل شرب المخدرات، ولكل من في هجره مصلحة دينية من معصية أو بدعة، مشروع وهو من جنس الجهاد في سبيل الله؛ وإنما يُفعل لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، والمسلمُ يُوالي في الله، ويُعادي في الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (24/ 174 - 175): "صح عنه أنه هجر كعب بن مالكٍ وصاحبيه - رضي الله عنهم - لما تخلَّفوا عن غزوة تبوك، وظهرتْ مَعصيتهم، وخيف عليهم النفاق، فهجرهم، وأمر المسلمين بِهَجْرِهم؛ حتى أمرهم باعتزال أزواجهم مِن غير طلاقٍ خمسين ليلةً، إلى أن نزلتْ توبتُهم من السماء.
وكذلك أمر عمر - رضي الله عنه - المسلمين بهجر صبيغ بن عسلٍ التميمي؛ لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حَوْلٌ، وتبين صِدْقه في التوبة، فأمر المسلمين بمراجعته؛ فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا مَن ظهَرَتْ عليه علامات الزيغ مِن المظهرين للبِدَع الداعين إليها، والمظهرين للكبائر، فأما مَن كان مُستَتِرًا بمعصيةٍ، أو مُسرًّا لبدعةٍ غير مكفرةٍ، فإن هذا لا يُهْجَر، وإنما يُهجر الداعي إلى البِدْعة؛ إذ الهجرُ نوعٌ مِن العقوبة، وإنما يعاقب مَن أظهر المعصية؛ قولًا، أو عملًا، وأما مَن أظهر لنا خيرًا، فإنا نقْبَل علانيته، ونَكِل سريرته إلى الله تعالى".
وقال أيضًا (28/ 206): "الهجرُ يختلف باختلاف الهاجرين؛ في قوتِهم وضعفِهم، وقلتِهم وكثرتهم؛ فإن المقصودَ به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مِثْل حاله؛ فإن كانت المصلحةُ في ذلك راجحةً بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مَشروعًا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرْتَدِع بذلك، بل يَزيد الشرَّ، والهاجرُ ضعيفٌ؛ بحيث يكون مفسدةُ ذلك راجحةً على مصلحته، لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع مِن الهجر، والهجرُ لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتألَّف قومًا، ويهجر آخرين؛ كما أنَّ الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرًا مِن أكثر المؤلفة قلوبهم، لما كان أولئك كانوا سادةً مطاعين في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثيرٌ، فكان في هَجْرهم عز الدين، وتطهيرهم من ذنوبهم، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارةً، والمُهادَنة تارةً، وأخْذ الجِزْية تارةً، كلُّ ذلك بحسب الأحوال والمصالح". اهـ.
وعليه، فيشرع هجر ذلك الرجل حتى يرجع عن تصرفاته المحرمة ويتوب إلى الله تعالى، أما إن خفتم على أنفسكم من هجره، أو ترتب على الهجر مضرة أكبر، فلا يهجر، ويمكنكم إبلاغ الشرطة لأخذ تعهد عليه بعدم التعرض لكم، والأفضل والأكمل أن يطرد من البيت ويمنع من دخوله؛ لأن إدمان تلك المخدرات تجعل صاحبها بلا عقل ولا تؤمن أفعاله،، والله أعلم.
- المصدر: