لماذا لا تحترق شجرة الزقوم بالنار
ورد في القران ان الجهنم فيها شجرة الزقوم لكن كيف لا تحترق الشجرة وهي من حطب والنار تأكل الحطب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فقد أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن شجرة الزقوم؛ فقال سبحانه:{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: 60]، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقزم.
وقوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ* إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ* إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ* فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الصافات: 62 - 66] وقال سبحانه: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة: 51-56 ].
وشجر الزقوم من أخبث شجر البادية، ولكن شتان بين شجر الدنيا وشجر النار، فليس في النار مما في الدنيا إلا الأسماء فقط، فالأسماء واحدة غير أن الحقائق والمسميات متفاوتة، فمثلاً قوله تعالى: {عَيْنٍ آَنِيَةٍ}، ومعناه مدرك في الذهن وهو الحرارة المتناهية، ولكن تلك العين الآنية في النار ليست كعين حارة في الدنيا، ومثله قوله تعال: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6]، والضريع الذي في الدنيا نبت يقال له: الشبرق، يسميه أهل الحجاز: الضريع إذا يبس، أما الضريع الذي في النار، فلا يسد جوع صاحبه ولا يزيل عنه ألمه، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة نسأل الله العافية، والمراد المعنى المشترك، وهو الأذى والمعاناة في تناوله، لأنه شوك تعافه البهائم.
الحاصل أن فائدة استعمال المشترك المعنوي - هو الاتفاق في المعنى العام أو المعنى الذهني، حيث يشتركان في الاسم ويختلفان في الحقيقة - وهو فهم الخطاب، ثم الدليل نفسه يدل على الفارق المميز بين المعنيين، كما أخبرنا الله تعالى عن نعيم الجنة بألفاظ مما تستعمل في الحياة الدنيا، ثمّ بيّن سبحانه الفارق بينهما؛ فقال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]، وقال في الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين في الجنة: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"؛ متفق عليه.
فهذا المعنى المشترك مفهوم من محسوسات الدنيا الدنيا، وأما حقيقته في الآخرة فهي من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
وقاعدة المعرفة في عالم الغيب عند أهل السنة (الله، والملائكة والجن والجنة والنار والمبدأ والميعاد)، كل هذا معقول من محسوس، وليس إثبات موجود في الخارج معقولاً لا يكون محسوسا بحال كما يزعم الفلاسفة وجميع المتكلمين وجميع القائلين بالفلسفة المثالية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "درء تعارض العقل والنقل"(5/172-173): "وهؤلاء – الفلاسفة - يجعلون ما يثبتونه من الأمور المعقولة حجة على إثبات موجود ليس بمحسوس، ثم يزعمون أن ما أخبرت به الرسل من الغيب، هو الوجود العقلي الذي يثبتونه، وهذا الموضع حارت فيه أحلام وضلت فيه أفهام، وهم مخطئون شرعاً وعقلاً:
أما الشرع فإن الرسل أخبرت عما لم نشهده ولم نحسه في الدنيا وسمت ذلك غيباً لمغيبه عن الشهادة، كقوله: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3]، ومنه قوله تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الرعد: 9] فالغيب ما غاب من شهود العباد والشهادة ما شهدوها، وهذا الفرق لا يوجب أن الغيب ليس مما يمكن إحساسه، بل من المعلوم بالاضطرار أن ما أخبرت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، من الثواب والعقاب كله مما يمكن إحساسه، بل وكذلك ما أخبرت به: الملائكة، والعرش والكرسي، والجنة والنار، وغير ذلك، لكن لا نشهده الآن، ولهذا أعظم ما أخبرت به من الغيب هو الله سبحانه وتعالى، مع إخبار الرسول لنا انا نراه كما نرى الشمس والقمر، فأي الإحساس أعظم من إحساسنا بالشمس والقمر؟
وما أخبرت به من الغيب كالجنة والنار والملائكة والعرش والكرسي وغير ذلك مما يمكن إحساسه فليس الفرق بين الغيب والشهادة هو الفرق بين المحسوس والمعقول". اهـ.
وقال أيضًا (9/14): "إن الغيب الذي أخبرت به الرسل هو مما يمكن الإحساس به في الجملة، ليس مما لا يمكن الإحساس به، لكن مشاهدته والإحساس به يكون بعد الموت وفي الدار الآخرة، وهناك الحياة وتوابعها من الإحساس والعمل أقوى وأكمل، فإن الدار الآخرة لهي الحيوان.
فالرسل لم تفرق بين الغيب والشهادة؛ لأن أحدهما معقول والآخر محسوس، كما ظن ذلك من ظنه من المتفلسفة والجهمية، ومن شركهم في بعض ذلك، وإنما فرقت بأن أحدهما مشهود الآن، والآخر غائب عنا لا نشهده الآن، ولهذا سماه الله تعالى غيباً". اهـ.
وأيضًا فإن بعض الناس يستعظم ذلك لجهلهم بعموم قدرة الله تعالى، وقياسا على أنفسهم، وقصرا لخواطرهم القاصرة عن منتهى العلوم، وجهل كلام أهل العلم في المعنى المشترك والمتواطئ، وفائدته فهم خطاب الشارع عن الأمور الغيبية؛ فإن الله تعالى لو خاطبنا بما لم نعهد له مثيلاً في الدنيا لما عقلنا مراده.
يبين هذا إن الله تعالى أخبرنا بما في الدار الآخرة من النعيم والعذاب، مما يؤكل ويشرب وينكح، ويفرش وغير ذلك، ولولا معرفتنا بهذا لم نفهم ما وعد الله ولا وعيده؛ فبين هذه الموجودات التي في الدنيا وتلك الموجودات في الدار الآخرة مشابهة موافقة واشتراك من بعض الوجوه وهو المعنى الذهني، وبه فهمنا المراد، فنحن نعلم معنى العسل واللحم واللبن والحرير والذهب والفضة، نفرق بين مسميات هذه الأسماء، وأما حقائقها على ما هي عليه، فلا يمكن أن نعلمها نحن، وكذلك الحال بما ورد من عذاب أهل النار.
وأعظم من هذا أن الله سبحانه وتعالى يوصف بأنه حي عليم قدير سميع بصير، والمخلوق يوصف بذلك أيضًا، ولم يوجب ذلك أن يشترك المخلوق والخالق سبحانه وتعالى فيما هو من خصائص أحدهما، بل ما أضيف إلى وأحد منهما فهو مختص به ويفسر بما يليق به؛ فالصفة تتبع الموصوف، ولكن اتفقا في المعنى العام، وهو القدر المشترك، أعني: أن مدلول الحي ضد الميت، والحياة ضد الموت، ومدلول العليم ضد الجاهل والعلم ضد الجهل، ومدلول القدير ضد العاجز، والقدرة ضد العجز، فقد اتفقا في مدلول الاسم ومدلول الصفة وذلك هو القدر المشترك.
ولمزيد فائدة راجع فتوى: "هل الحياة في الجنة كالحياة العصرية؟!"،، والله أعلم.
- المصدر: