معنى قوله تعالى: فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم ورحمة الله اشتريت منزلا عن طريق البنك ولا تزال الأقساط قيد التسديد اردت توقيف المعاملة مع البنك فهل يحق لي وضع سعرا لهذا البيت من أجل البيع مع العلم ان الثمن سيكون اكثر من ثمن الشراء؟ من فضلك شرح الآية فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم. كيف يقدر رأس المال في هذه الحالة بارك الله فيكم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثم أمَّا بعد:
فشراء المنزل عن طريق البنك الربوي هو من ربا الديون المجمع على تحريمه؛ والربا مِن أكبر الكبائر؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279]، وروى مسلم في صحيحه أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: ((لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا ومُوكِلَه)).
فالواجب عليك الآن التوبة النَّصُوح، مع الندم والعزم على عدم العود في المستقبل، ومِن شرط التوبة سَداد باقي القرْض.
أما بيع المنزل والربح فيه، فهو مباح؛ لأن القَرْض بعد قَبْضِه يَدخُل في ذمة المُقترِض، ويصير دَيْنًا عليه، وسواءٌ في ذلك القَرْضُ الرِّبَوِيُّ وغيرُه؛ إلاَّ أنَّه في القَرْض الربوي يَأثَم المقترِض؛ لتَعَامُلِه بالرِّبَا، ولكن لا يخرج شيئًا من المال ولا يتنزه عنه؛ لأنك لم تأخذه الربا، وإنما أعطيته البنك؛ فصرت مغبونًا بدفع الزيادة الربوية على أصل المال.
أما قوله تعالى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}[البقرة: 279]، فقال شيخ الاسلام ابن تيميه في كتاب "تفسير آيات أشكلت"(2/574 ): "أي مما قبضه من الربا، جعله له، {وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}، قيل الضمير يعود إلى الشخص، وقيل إلى (ما)، وبكل حال فالآية تقتضي أن أمره إلى الله لا إلى الغريم الذي عليه الدين، بخلاف الباقي فإن للغريم أن يطلب إسقاطه.
كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279]: أي ذروا ما بقي من الزياده في ذمم الغرماء، وإن تبتم فلكم راس المال من غير زياده، فقد أمرهم بترك الزيادة، وهي الربا فيسقط عن ذمة الغريم ولا يطالب بها.
وأما ما كان قبضه، فقد قال: {فَلَهُ مَا سَلَفَ}، فاقتضى أن السالف له للقابض، وأن امره الى الله وحده لا شريك له؛ وذلك انه لما جاءه موعظه من ربه فانتهى كان مغفرة ذلك الذنب والعقوبه عليه الى الله، وهذا قد انتهى في الظاهر، {فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}.
ثم قال: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}، فامر بترك الباقي ولم يامر برد المقبوض.
والى أن قال: (2/586): "وهذا عام في كل من جاءه موعظه من ربه، فقد جعل الله له ما سلف؛ ويدل على أن ذلك في حق المسلم ما بعد هذا؛ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، فامرهم بترك ما بقي ولم يأمرهم برد ما قبضوه؛ فدل على أنه لهم مع قوله: {فَلَهُ مَا سَلَفَ}، الله يقبل التوبه على عباده... فان الله يغفر لمن تاب بتوبته، فيكون ما مضى من الفعل وجودك كعدمه والآيه تتناوله، وهذا وإن كان ملعونًا على ما أكله وأوكله فإن تاب غفر له". اهـ. مخنصرًا.
إذا تقرر هذا؛ فالواجب عليك هو التوبة إلى الله عز وجل فقط، ولا يجب الخروج من شيء من المال؛ لأنك في الحقيقة مظلوم بدفع الفائدة الربوية، ولست من أكلت الربا بل مُوكل للربا، وموكل الربا ليس عليه إلا التوبة فقط، وإنما التنزه عن المال فهو في حق من دخل عليه الربا وأكله،، والله أعلم.