عدم ارتداء الحجاب الكامل بسبب الأهل
خالد عبد المنعم الرفاعي
حجابي هو انني اغطي شعري و البس بلوزه مثلا ليست للركبه وبنطال واسع نوعا ما واظهر الوجه والكفين ، اذا كان هذا الحجاب ناقص ف هل هو من الكبائر ، وسؤال اخر وهو سبب عدم ارتدائي للحجاب الافضل هو ان اهلي سيرفضوا بل يمكن أن يؤذوني وستسوء نفسيتي وحياتي كلها اذا طرحت عليهم فكرة الحجاب الاكمل ، بل يمكن ان يجعلوني انزع الحجاب اي اظهر شعري ، وانا في نيتي انني اذا تزوجت سأرتدي الحجاب الافضل من عبايات ونقاب حتى ، هل هذه ضرورة مع العلم انها ستكون مشقة كبيرة علي ويمكن ان يامراني بالذهاب لاماكن مختلطه بحجاب ناقص
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد تقرر في الشريعة الإسلامية أن الوجوب معلق باستطاعة العبد؛ كما قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وأن المشروع لكل إنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير؛ قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، فكل واجب عجز عنه العبد سقط عنه، ومن قدر على بعض المأمور وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"؛ متفق عليه، فعلى الناس أن يأتوا منها بما في طوقهم بلا حرج ولا مشقة، فالأعمال الصالحات سواء الواجبة أو المستحبة، قد يكون بعضها غير مقدور للعبد، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأعراف: 42] أي: بمقدار ما تسعه طاقتها، ولا يعسر على قدرتها، فعليها حينئذ أن تتقي الله بحسب استطاعتها، ومن عجز عن بعض الواجبات التي يقدر عليها غيره سقطت عنه؛ كما قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } [الطلاق: 7].
فالدين الإسلامي كله بعباداته وشرائعه ملحوظ فيه فطرة الإنسان وطاقته؛ ذلك أن الله- سبحانه- لا يريد أن يعنت الناس، ويحملهم على الحرج والمشقة بالتكاليف، إنما يريد أن ينعم عليهم بهذه العبادات، وأن يقودهم إلى الشكر على النعمة، ليضاعفها لهم ويزيدهم منها، فالرفق والفضل والواقعية واليسير القويم من أهم خصائص في هذا المنهج، فلا تكلف الناس حرجا ولا مشقة، وسرى هذا اليسر في روحها كما سرى في تكاليفها؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقال: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].
فلا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة، ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (29/ 322): "فالله إذا أمرنا بأمر كان ذلك مشروطا بالقدرة عليه والتمكن من العمل به. فما عجزنا عن معرفته أو عن العمل به سقط عنا". اهـ.
إذا تقرر هذا؛ فإن كان الحال كما فهمناه من السؤال أنك تخشين الأذى من أهلكِ، سواء الأذية البدنية بالضرب، أو الإهانة، أو قطع النفقة، أو غير ذلك - فإن كان كذلك- وكنتِ تضعُفين عن التحمل والصبر؛ فيجوزُ لكِ في تلك الحال أن تلبسي من الحجاب الشرعي ما في استطاعتك مما يرفع عنك الأذى.
هذا؛ وتأملي ما قال صاحب الظلال - بلل الله ثراه، وجعل الجنة مثوانا ومثواه -: "إن الإيمان ليس كلمةً تُقَال، إنما هو حقيقة ذاتُ تكاليف، وأمانةٌ ذاتُ أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال، فلا يكفي أن يقول الناس: "آمنَّا"، وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرضوا للفتنة، فيثبتوا عليها، ويخرجوا منها صافيةً عناصرُهم، خالصةً قلوبُهم، كما تَفْتِنُ النارُ الذهبَ؛ لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقةِ به، وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب.
إن الإيمان أمانةُ الله في الأرض، لا يحملها إلا مَن هم لها أهلٌ، وفيهم على حملها قدرة، وفي قلوبهم تَجَرُّدٌ لها وإخلاص، وإلا الذين يُؤْثرونها على الراحة والدَّعة، وعلى الأمن والسلامة، وعلى المتاع والإغراء، وإنها لأمانةُ الخلافة في الأرض، وقيادةُ الناس إلى طريق الله، وتحقيق كلمته في عالم الحياة؛ فهي أمانةٌ كريمة، وهي أمانة ثقيلة، وهي من أمر الله يَضْطلع بها الناس؛ ومِن ثَمَّ تحتاج إلى طراز خاص، يصبر على الابتلاء". اهـ.
والله أعلم.