هل العبور على الصراط يكون إختياري أو إجباري
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته سؤال لم أجد له جواب بارك الله فيكم هل العبور على الصراط يكون إختياري أو إجباري أعني من لم يرد أن يعبر الصراط كيف سيعامل نسأل الله الجنة
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الصراط جسر فوق جهنم ينصب لأتباع الرسل من المؤمنين الكمل وأهل المعاصي، والمرور على الصراط المنصوب على متن جهنم، كما دلّ عليه قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71، 72]، أي: كل الناس يمرون على الصراط.
أما المنافقون فيطفأ نورهم قبل بدء المرور على الصراط، ويحال بينهم وبين المؤمنين بسور، وتلقى عليهم الظلمة فيسقطون في الجحيم كما قال تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}[الحديد: 13].
أما الكفار يمرون فلا يمرون على الصراط وإنما يلقون في النار ابتداء،
ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبر أهل الكتاب، فيدعى اليهود، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا، فاسقنا، فيشار إليهم ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم، كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا، فاسقنا، قال: فيشار إليهم ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا، فيتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال: فما تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربنا، فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم، ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئًا مرتين أو ثلاثًا، حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رءوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة، فقال: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلم سلم، قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: دحض مزلة، فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم". الحديثَ.
إذا تقرر علم أن كل من أذن الله له في المرور على الصراط هم من المؤمنين سواء العصاة أو الطائعين، أما الكافر والمنافق فيلقى في النار ولا يمر على الصراط ابتداء، ومن تأمل ما بوب به البخاري في صحيحه، بابٌ الصراط جسر جهنم، علم هذا، وأيضًا قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71، 72]، وهي في مرور المؤمنين على الصراط، بارهم وفاجرهم.
ولذلك فالسؤال السائل: هل العبور على الصراط يكون إختياري أو إجباري، لا موضع له؛ فالكفار والمنافقون تهاووا في النار، والمؤمن لا سبيل له إلى الجنة أو السقوط من على الصراط في النار إلا باجتياز الصراط، والأمر أعظم مما يفكر فيه بتلك البساطة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (4/ 279): "وأما الورود المذكور في قوله تعالى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، رواه مسلم في صحيحه عن جابر: "بأنه المرور على الصراط"، والصراط هو الجسر؛ فلا بد من المرور عليه لكل من يدخل الجنة". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: