لعنا نلحقه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حدثني احد الاصدقاء عن تعرضه لمشكلة كبري حيث انه وقع في العادة السرية نهار رمضان وكمان افطر وهو يعلم الحكم الشرعي فافطروقالي انه من اول يوم 19رمضان وهو مش مظبوط ويتفرج علي حاجات مش كويسة والعادة السرية وقالي الحقني انا تاية جدا وندمان اعمل ايه وقالي انا بحاول من زمان اني اسبها بتوب وبرجع ليها بتوب وبرجع لدرجة اني قربت اوصل لدرجة اليأس وادي رمضان ضاع عليا كمان بسببها وقالي انا في أول 18يوم كنت يجتهد قوي صلاة وصيام ودعاء وفي لحظة ضاع كل ده...اقوله ايهوايه الحل مع
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالاستِمناءُ في نهار رمضان من أقبح الكبائر وأفحشها؛ لانتهاك حرمة الشهر الفضيل؛ فالمعصية تزداد قبحًا وشناعة إذا وقعت في نهار رمضان؛ لأن تعمد إفساد الصوم من كبيرة من الكبائر؛ غير أن عفو الله تعالى ورحمته أعظم، فهو سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب، والذنب وإن عظم والكفر وإن غلظ يغفره سبحانه للتائبين؛ فهو سبحانه وتعالى وتقدست أسماؤه واسَع المغفرة، ورحمته سبقت غضبه.
والاستمناء في نهار رمضان مُبْطِلٌ للصوم في قول أكثر أهل العلم؛ لما في "الصحيحَيْنِ" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قال الله تعالى: (إلا الصومَ، فإنه لي وأنا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي" الحديث. والاستمناءُ شهوةٌ، والمسْتَمْنِي لم يَدَعْ شهوتَهُ؛ والدَّليلُ على أنَّ المنيَّ يُطلق عليه اسم (شَهْوَة) قولُ الرَّسول - صلّى الله عليه وسلّم -: ((وفي بُضْعِ أحدِكُم صَدَقَةٌ)) ثم قال: ((كذلك إذا وضعها في الحلال؛ كان لهُ أجْرٌ))؛ والذي يُوضَعُ هو المنيُّ".
. قال ابنُ قدامة في "المغني" : "وَلَوِ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا, وَلا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِهِ إلا أَنْ يُنْزِلَ, فَإِنْ أَنْزَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ".
وقال الرافعي: "المنِيُّ إن خرج بالاستمناء أَفْطَرَ؛ لأن الإيلاجَ من غيرإنزالٍ مُبْطِلٌ، فالإنزال بنوع شهوةٍ أوْلى أن يكون مُفطرًا".
وكفَّارَتُهُ هي التَّوبَةُ الصَّادِقَةُ، والإتيان بالحسنات اللاتي يُذْهِبْنَ السيئاتِ، وحيثُ وقعَ في نهار رمضان؛ فالذَّنبُ أكبرُ إثماً، فيُحتاج إلى توبةٍ نصوحٍ، وعملٍ صالحٍ، وإكثارٍ من القُرُبَاتِ والطاعات، وحظرٍ للنَّفس عن الشَّهوات المحرَّمة والمثيرات، واللهُ يقبل التوبة عنعباده ويعفو عن السيئات، ففتنةَ الشَّهَوَاتِ إنما تُدْفَعُ بالصَّبرِ على الفتن وبِكَمَالِ العَقْلِ والنظر في عواقب الأمور، والموازنة بين لذَّة المعصية وما يتولّد عنها من الخوف والوحشة، فمن باع أنسَ الطَّاعة وأمنَها وحلاوتَها، بوحشة المعصية وخوفها، فقد عظم غبنه.
كما يجب سدَّ كُلَّ المنافذ التي تؤدِّي إلى الحرام، وتعدي حدود الله، والفرار من مواضع الفتنة، والهرب من مظانها، والبعد عنها، فما استعين على التخلص من الفتن بمثل البعد عن أسبابها ومظانها، مع أخْذ النفس بالشِّدَّة وعدم التَّهاون معها، والعزم الأكيد على عدم العود، وتقطع النفس بالندم على ما فات، فمن وفق لهذا، غفر ذنبه لأن التوبة تهدم ما كان قبلها؛ والحسنات يذهبن السيئات؛ والاعتراف بالحق والرجوع إليه حسنة يمحو الله بها السيئات، وفي الصحيح عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقال يوم القيامة لآخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجًا منها: ((فإن لك مكان كل سيئة حسنة))، على ظاهر قوله: {{يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70]، فإذا كانت تلك التي تاب منها صارت حسنات، لم يبق في حقه بعد التوبة سيئة أصلاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "منهاج السنة" (6/ 210-216) - في معرض كلامه على مكفِّرات الذنوب -: "... فالمقصود كمال النهاية لا نقص البداية؛ فإنَّه - تعالى - يحب التوَّابين ويحب المتطهِّرين، وهو يبدل بالتَّوبة السيئات حسنات، والذَّنب مع التَّوبة يوجب لصاحبِه من العبوديَّة والخشوع، والتَّواضُع والدعاء وغير ذلك - ما لم يكن يَحصل قبل ذلك؛ ولهذا قال طائفة من السَّلف: إنَّ العبد ليفعل الذَّنب فيدخل به الجنَّة، ويفعل الحسنة فيدخل بها النار؛ يفعل الذنب فلا يزال نصْب عينيه، إذا ذكره تاب إلى الله ودعاه وخشع له، فيدخل به الجنة، ويفعل الحسنة، فيُعْجب بِها، فيدخل النَّار.
وفي الأثر: ((لَو لم تذنِبوا، لخِفْت عليْكم ما هو أعظم من الذَّنب، وهو العجْب))، وفي أثر آخر: ((لو لَم تكُن التَّوبة أحبَّ الأشياء إليه، لما ابتلى بالذَّنب أكرم الخلْق عليه))، وفي أثر آخر يقول الله - تعالى -: ((أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي؛ إن تابوا فأنا حبيبُهم، فإن الله يحب التَّوابين ويحب المتطهِّرين، وإن لَم يتوبوا فأنا طبيبُهم، أبتليهم بالمصائب لأُطهِّرَهم من المعايب))، والتَّائب حبيب الله، سواءٌ كان شابًّا أم شيخًا.
السَّبب الثَّاني: الاستِغْفار؛ فإنَّ الاستغفار هو طلب المغفِرة، وهو من جنس الدُّعاء والسؤال، وهو مقرونٌ بالتَّوبة في الغالب ومأمور به؛ لكن قد يتوب الإنسان ولا يدْعو، وقد يدْعو ولا يتوب، والتَّوبة تَمحو جَميع السيِّئات، وليس شيءٌ يَغفر جَميع الذُّنوب إلاَّ التَّوبة، فإنَّ الله لا يغفِر أن يُشْرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وأمَّا التَّوبة فإنَّه قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وهذه لِمن تاب؛ ولهذا قال: لا تقنطوا من رحمة الله بل توبوا إليْه، وقال بعدها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْوَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} [الزمر: 54]، وأمَّا الاستِغفار بدون التَّوبة فهذا لا يستلزم المغفِرة؛ ولكن هو سبب من الأسباب.
السَّبب الثالث: الأعمال الصَّالحة؛ فإنَّ الله - تعالى - يقول: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لمعاذ بن جبل يوصيه: ((يا معاذ، اتَّق الله حيثُما كنت، وأتْبِع السيِّئة الحسنة تَمْحُها، وخالقِ النَّاس بخلُق حسن)).
وفي الصَّحيح عنه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنَّه قال: ((الصَّلوات الخمْس، والجمُعة إلى الجمُعة، ورمضان إلى رمضان، كفَّارات لما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائِر))؛ أخرجاه في الصَّحيحين.
وفي الصَّحيح عن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه))، وقال: ((مَن حجَّ هذا البيت فلم يرفُثْ ولَم يفسق، خَرَج مِن ذُنوبه كيوم ولدتْه أمُّه))، وقال: ((أرأيتم لو أنَّ بباب أحدكم نهرًا غمرًا يغتسل فيه كلَّ يوم خَمس مرَّات، هل كان يبْقى من درنه شيء؟)) قالوا: لا، قال: ((كذلك الصَّلوات الخَمس، يَمحو الله بهنَّ الخطايا كما يَمحو الماءُ الدَّرن))، وهذا كلُّه في الصَّحيح، وقال: ((الصدقة تطفئُ الخطيئة كما يطفئُ الماءُ النَّار))؛ رواه الترمذي وصحَّحه.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِوَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [الصف: 10 - 12].
وفي الصَّحيح: ((يُغْفَر للشَّهيد كلُّ شيءٍ إلاَّ الدَّين))، وفي الصَّحيح: ((صوم يوم عرفة كفَّارة سنتين، وصوم يوم عاشوراء كفَّارة سنة))، ومثل هذه النصوص كثيرٌ، وشرح هذه الأحاديث يَحتاج إلى بسطٍ كثير.
فإنَّ الإنسان قد يقول إذا كفّر عني بالصَّلوات الخمْس، فأي شيء تكفِّر عني الجمعة أو رمضان؟ وكذلك صوم يوم عرفة وعاشوراء؟ وبعض النَّاس يجيب عن هذا بأنَّه يُكتب لهم درجات إذا لم تجد ما تكفِّره من السيئات، فيقال: أوَّلاً العمل الَّذي يمحو الله به الخطايا ويكفِّر به السيِّئات هو العمل المقبول، والله - تعالى - إنَّما يتقبَّل من المتَّقين، والسَّلف والأئمَّة يقولون: لا يتقبَّل إلاَّ ممَّن اتَّقاه في ذلك العمل، ففعله كما أُمر به خالصًا لوجْه الله تعالى". اهـ. مختصرًا.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: