مشكلتي مع غض البصر
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم مشكلتى لا استطيع غض بصرى عن نوع معين من السيدات التى تكون اطول واكبر منى حجما منذ صغرى اما السيدة التى تكون اقصر منى فلا تمثل لى اى وزن بالرغم من انى متوسط الحجم . عندما تزوجت لم تكون زوجتى كما كنت احلم فهى قصيرة ليست طويلة انا متزوج منذ عشرات السنوات وعلى علاقة طيبة بزوجتى وعندنا اولاد ولكن كل فترة اعانى نفسيا من هذا الموضوع لما اشوف واحدة طولها اكثر من ١٧٠ سم وارتكب معصية عدم غض البصر وللأسف نظرا لوجودى بمفردى ايام طويلة بسبب العمل وفى ظل وجود النت تحدث اشياء منى مؤسفة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعـد:
فالذي يظهر من رسالتك أن مصدر إثارتك واهتمامك، ولذتك الجنسية هو طول المرأة، حتى صار مصدرَ النشوة عندك.
وهذه حالة تُصيب بعضَ الرجل دون النساء؛ أعني: الإثارة الجنسية بجزءٍ ما من جسد المرأة، ومِن ثَمَّ فأنت بحاجة حقيقيَّة لاستشارة طبيب نفسي متخصصٍ، والكلام معه فيما يجب عليك فعلُه لتعديل ذلك السلوك.
وكذلك هناك علاجٌ إيمانيٌّ لتعديل السلوك بأدوية الشرع، فأنت تعلمُ أن أكثر الأخلاق والعادات والمهارات مُكتسبة، وقد نبه على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري: ((ومَن يستعف يُعفَّه الله، ومن يستغنِ يُغْنِه الله، ومن يتصبَّر يُصبِّرْه الله، وما أُعطِي أحدٌ عطاء هو خير وأوسع من الصبر))، وقد روى البيهقيُّ في "شعب الإيمان" عن أبي الدرداء قال: ((إنَّما العلم بالتعلُّم، والحلم بالتحلُّم، ومَن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومن يتوقَّ الشر يُوقَه)).
فبالمجاهَدة ومُكابَدة الصبر تتغيَّر الطباع ويتعدَّل السلوك، وليس هذا صعبًا ولا مستحيلاً، فتكلَّف الاهتمام بزوجتك ككلٍّ حتى يكون طبعًا وسجيَّة لك، وهذا يتطلب منك إدراك طبيعة لذَّات الدنيا ونعيمها، وأنه متاع منقطع وناقص بالذات، ولذاتها لا تصفو أبدًا من كَدَرٍ ولا تَدوم، بخلاف نعيم الآخرة ولذتها؛ فهي دائمة كاملة خالصة من كل كَدَرٍ وألم، ففيها ما تشتهيه الأنفس، وتَلذُّ الأعين مع الخلود أبدًا.
وما أحسن ما قال ابن الجوزي في صيد الخاطر (ص: 309): "أكثرُ الشهوات حسيًّا النساء، وقد يرى الإنسان امرأةً في ثيابها، فيُخيَّلُ له أنها أحسن مِن زوجته، أو يتصور بفكره المُسْتَحْسَنات، وفكره لا ينظر إلا إلى الحسن من المرأة، فيسعى في التزوُّج، فإذا حصل له مراده، لم يزل ينظر في العيوب الحاصلة التي ما كان يتفكَّرُ فيها فيمل ويطلب شيئًا آخر، ولا يدري أن حصول أغراضه في الظاهر ربما اشتمل على محنٍ، منها: أن تكون الثانية لا دين لها أو لا عقل، أو لا محبة لها أو لا تدبير، فيفوت أكثر مما حصل!
وهذا المعنى هو الذي أوقع الزُّناة في الفواحش؛ لأنهم يجالسون المرأة حالَ استتار عيوبها عنهم، وظهور محاسنها، فتلذُّهم تلك الساعة، ثم ينتقلون إلى أخرى!
فليعلَمِ العاقلُ أن لا سبيل إلى حصول مرادٍ تام كما يريد؛ {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267]، وما عيبُ نساء الدنيا بأحسنَ من قوله عز وجل: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25]". اهـ.
فتدبَّر أمرَ ما أنت فيه بصريح العقل، ووازِنْ بين صفات زوجتك، وما تراه أنت فيها من نقصٍ لا يسلم منه إنسان، وتكيَّف معه بالرضا بما قسمه الله لك، فهذه سياسةُ نفسك التي بين جنبَيْك، وأرشَدَ لهذا الصادق المصدوق الذي لا ينطقُ عن الهوى؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يَفْرَك مؤمن مؤمنةً، إن كره منها خُلُقًا رضي منها آخر))، أو قال: ((غيره))؛ رواه مسلم عن أبي هريرة.
الكمال عزيز، ونعيم الدنيا ناقصٌ دائمًا، والعاقل مَن وازن وقدَّم الأعلى فالأعلى، فماذا يصنع المؤمن بامرأةٍ رائعةِ الجمال، غير أنها خبيثة النفس؟ كما قال الشاعر:
جَمَالُ الوَجْهِ مَعْ قُبْحِ النُّفُوسِ = كَقِنْديلٍ عَلَى قَبْرِ المَجُوسِ
أيضًا فالواجب على العباد: الرضا بما قسمه الله تعالى وقدره؛ كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وارْضَ بما قسم الله لك، تكن أغنى الناس))؛ رواه أحمد والترمذي.
وأخرج مسلم عن عبد الله بن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((قد أفلح من هُدِيَ إلى الإسلام ورُزق الكفاف وقنع)).
ومما يُعِينُ على الرضا بقدر الله النظر لمن هو أقل حال منك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((انظروا إلى مَنْ أَسْفَلَ منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألَّا تَزْدَرُوا نعمة الله))؛ رواه مسلم وغيره، قال النووي: "قال ابن جرير وغيره: "هذا حديث جامع لأنواع من الخير؛ لأن الإنسان إذا رأى من فُضِّل عليه في الدنيا؛ طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه، هذا هو الموجود في غالب الناس، وأما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها؛ ظهرت له نعمة الله تعالى عليه؛ فشكرها، وتواضع، وفعل فيه الخير".اهـ.
واستعن بالله تعالى على غض البصر؛ فقد قال سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}[النور: 30]، فافترض الله عز وجل على المؤمن غض البصر، كما افترض حفظ الفرج.
قال الإمام ابن القيم في كتابه "الداء والدواء"(ص: 153) حيث قال: "والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فالنظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده".
وقال أيضًا في كتاب "الفوائد" (ص: 139): "الصَّبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة؛ فإنَّها إمَّا أن توجِبَ ألما وعقوبةً، وإمَّا أن تقطعَ لذَّة أكمل منها، وإما أن تضيِّع وقتًا إضاعته حَسرة وندَامة، وإمَّا أن تثلم عرضًا توفيره أنفع للعبد مِن ثلمه، وإمَّا أن تُذهب مالاً بقاؤه خيرٌ له مِن ذهابه، وإمَّا أن تضع قدرًا وجاهًا قيامُه خير من وَضْعه، وإمَّا أن تَسلب نعمةً بقاؤها ألذُّ وأطيب مِن قضاء الشَّهوة، وإمَّا أن تطرق لوضيع إليك طريقًا لم يكنْ يجدها قبل ذلك، وإمَّا أن تجلبَ همًّا وغمًّا وحزنًا وخوفًا لا يقارِب لذَّة الشَّهوة، وإمَّا أن تُنسِي علمًا ذِكرُه ألذُّ مِن نيل الشَّهوة، وإمَّا أن تشمتَ عدوًّا وتُحزن وليًّا، وإمَّا أن تقطعَ الطريقَ على نِعمة مقبِلة، وإمَّا أن تحدِث عيبًا يَبقى صفةً لا تزول؛ فإنَّ الأعمال تورِث الصِّفات والأخلاق". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.