هل الملائكة لا تدخل بيت فيه كلب؟
لقد اطلعت على هذا الحديث وهو عن عبد الله بن عمر قال: "كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا يرشّون شيئاً من ذلك"؟ وفى القبيل الاخر يوجد هذا الحديث عن أبي طلحة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة" والحديثين فى صحيح البخاري فكيف كانت تدخل الملائكه المسجد فالحديث الاول ولا تدخل المنزل الذى به كلب فالحديث الثانى ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فالحديث المذور رواه البخاري وأبو داود، ولا تعارض بينه وبين حديث أبي طلحة في الصحيحين، فالحديث الأول استدل به من قال بنجاسة الكلب، وأجيب بجوابين:
الأول: أن مجرد الإقبال والإدبار لا يدلان على الطهارة، وأنها تُرك الغسل لعدم تعيين موضع النجاسة، أو إنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها ثم تقبل وتدبر في المسجد.
والثاني: وهو الظاهر أن هذا الحيث كان في أول الأمر وقبل الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وصيانتها عن النجاسات والقاذورات؛ ومما يبين هذا أن النبي أمر بدفن التفل وهو أهون من بول الكلاب؛ ففي الصحيحين عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، فشق ذلك عليه حتى رئي في وجهه، فقام فحكه بيده، فقال: "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه، أو إن ربه بينه وبين القبلة، فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدميه، ثم أخذ طرف ردائه، فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض، فقال: أو يفعل هكذا"، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فلا يبصق أمامه، فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه، فإن عن يمينه ملكا، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه، فيدفنها".
وأيضًا فإن بول الكلاب مجمع على نجاسته، فلا يصلح حديث بول الكلاب في المسجد حجة يعارض بها الإجماع، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإهراق سجلاً من ماء على بوله.
وقد سلك الإمام أبو داود السجستاني صاحب السنن مسلكًا آخر في توجيه الحديث حيث بوب عليه، بابٌ: في طهور الأرض إذا يبست.
ومن المعلوم أن الناس في كل زمان ومكان لا يتركون الكلاب تمكث في المسجد، لكن يمكن أن تمر ذاهبة وآيبة إن لم تكن هناك أبواب للمسجد، ولا تعلم نجاسة حصلت للمسجد بسببها، وإذا علمت بقعة من الأرض وقع عليها بول من الكلاب أو غيرها في المسجد فيتعين غسلها.
قال الإمام الخطابي في "معالم السنن"(1/ 117): "يتأول على أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها، وتقبل وتدبر في المسجد عابرة؛ إذ لا يجوز أن تترك الكلاب وانتياب المسجد حتى تمتهنه وتبول فيه، وإنما كان إقبالها وإدبارها في أوقات نادرة، ولم يكن على المسجد أبواب فتمنع من عبورها فيه". اهـ.
وقال صاحب "عون المعبود": "إذا أصابت الأرض نجاسة فلها وجهان في التطهير: الوجه الأول: صب الماء عليها، والثاني: جفافها ويبسها بالشمس أو بالهواء، وكأن ظاهر اختيار أبي داود في الترجمة هو هذا، وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا بد من الماء وأنها لا تطهر، وأجابوا عن هذا الحديث أولاً: بأن النجاسة محتملة وليست ظاهرة، والأصل الطهارة، وكون الكلاب تقبل وتدبر في المسجد فهذا محتمل أن يكون فيه نجاسة وليست ظاهرة، ولو رأوها لما تركوها". اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 279): "... والأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها؛ ويشير إلى ذلك ما زاده الإسماعيلي في روايته من طريق بن وهب في هذا الحديث عن بن عمر، قال كان عمر يقول بأعلى صوته: "اجتنبوا اللغو في المسجد"، قال بن عمر: "وقد كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الكلاب... إلخ، فأشار إلى أن ذلك كان في الابتداء، ثم ورد الأمر بتكريم المسجد حتى من لغو الكلام، وبهذا يندفع الاستدلال به على طهارة الكلب". اهـ.
إذا تقرر هذا؛ علم أن حديث ابن عمر إنما ذكر في معرض الكلام عن طهارة آثار الكلاب، ولم يتعرض لمسألة عدم دخول الملائكة لمحال تواجد الكلاب، ومن ثمّ فلا يعارض حديث أبي طلحة الذي هو نصّ في منع دخول الملائكة لأماكن تواجد الكلاب،، والله أعلم.
- المصدر: