هل يمكنني أن أختار من أرغب بالزواج به في الجنة

منذ 2022-08-17
السؤال:

هل ممكن أن أطلب الزواج في الجنة من شخص متزوج في الدنيا، أي أن أكون احدى زوجاته في الجنة، وان يرزقني الله منه ما رزقهن منه في الدنيا. وهل استطيع أدعو الله أن يرزقني مثل حظ ونصيب فلانة أو فلان؟ إذ أن ما اعجبت به ورأيته ليس عند غيرهم من البشر في الدنيا من شخصية وملك وجاه وحب وتوافق بينهم، فهل أستطيع أن أدعو الله أن يرزقني مثل ذلك حظ ونصيب واذا لم يحقق الله لي ما ارجوه في الدنيا فهل يمكن ان يحققه الله لي في الاخرة، كقوله تعالى: ما ننسخ من آية أن ننسها نأت بخير منها أو مثلها..اي ان الله قادر ان يرزقن

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإن تفاصيل ما يحدث يوم القيامة من دخول أهل الجنة الجنةَ هو من الإيمان بالغيب الذي نؤمن به، كما نؤمن أنه لا يمكن تصور نعيم الجنة تصورًا كاملًا؛ كما قال تعالى:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[السجدة : 17]، وروى أحمد والترمذي والدارمي عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله مم خلق الخلق؟ قال: "من الماء"، قلنا: الجنة ما بناؤها؟ قال: "لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، ولا يبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم".

والله تعالى وقد أخبرنا أن نعيم الجنة: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"؛ متفق عليه، وروى أبو نعيم في "صفة الجنة"(21 / 2) والبيهقي موقوفًا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/ 28): "فإن الله - سبحانه وتعالى - أخبرنا عما في الجنة من المخلوقات: من أصناف المطاعم والملابس والمناكح والمساكن؛ فأخبرنا أن فيها لبنًا وعسلاً وخمرًا وماءً ولحمًا وحريرًا، وذهبًا وفضة وفاكهة وحورًا وقصورًا؛ وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء"، وإذا كانت تلك الحقائق التي أخبر الله عنها هي موافقة في الأسماء للحقائق الموجودة في الدنيا، وليست مماثلة لها؛ بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله تعالى". اهـ.

أما ما ورد في السؤال فهو نوع من التوهُّم، والتخيل، ولكن المؤمن الحق يوقن أن من دخل الجنة ينعم بكل ما تشتهيه الأنفس، هو كل نعيم للروح والقلب والبدن، من المنازل الأنيقة، والرياض الناضرة، والأشجار المثمرة، والطيور المغردة المشجية، والمآكل اللذيذة، والمشارب الشهية، والنساء الحسان، والرجال المردان، والخدم، والولدان المخلدون، والأنهار السارحة، والمناظر الرائقة، والجمال الحسي والمعنوي، والنعمة الدائمة، وأعلى ذلك وأفضله وأجله، التنعم بالقرب من الرحمن، ونيل رضاه، الذي هو أكبر نعيم الجنان، والتمتع والتلذذ برؤية وجهه الكريم، وسماع كلام الرؤوف الرحيم، فلله تلك الضيافة، ما أجلها وأجملها، وأدومها وأكملها، وهي أعظم من أن يحيط بها وصف أحد من الخلائق، أو تخطر على القلوب، فلو علم العباد بعض ذلك النعيم، علمًا حقيقيًا، لطارت إليها قلوبهم بالأشواق، ولتقطعت أرواحهم من ألم الفراق، ولساروا إليها زرافات ووحدانا، ولم يؤثروا عليها دنيا فانية، ولذات منغصة متلاشية، ولم يفوتوا أوقاتًا تذهب ضائعة خاسرة؛ قال الله تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [الزخرف: 71].

فالمسلم الذي يدخل الجنة يُنعَّم فوق ما يَطلب، وكل ما يتمناه يدركه، فلا يَنقطِع ونعيمهم ولا يُريد عنها تحولًا ولا انتقالًا؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 107، 108]، وتأمل دقة التعبير وعمقه في قوله: {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}، فهي تحتاج منَّا إلى وقفة بإزاء ما فيها من عمق ودقة.

"إنهم خالدون في جنات الفردوس، ولكنَّ النفس البشرية حُوَّل قُلَّب، تملُّ الاطراد، وتسأم البقاء على حال واحدة أو مكان واحد، وإذا اطمأنَّت على النعيم من التغيُّر والنفاد فقدت حرصها عليه، وإذا مضى على وتيرة واحدة فقد تسأمه، بل قد تنتهي إلى الضيق به والرغبة في الفرار منه! هذه هي الفطرة التي فُطر عليها الإنسان لحكمة عُليا تناسب خلافته للأرض، ودوره في هذه الخلافة، فأما في الجنة وهي دار الكمال المُطلَق فإنَّ هذه الفطرة لا تُقابلها وظيفة، ولو بقيت النفس بفطرة الأرض، وعاشت في هذا النعيم المقيم الذي لا تَخشى عليه النفاد، ولا تتحوَّل هي عنه ولا يتحول هو عنها - لانقلَبَ النعيم جحيمًا لهذه النفس بعد فترة من الزمان، ولأصبَحت الجنة سجنًا لنُزلائها يودون لو يغادرونه فترة، ولو إلى الجحيم، ليُرضوا نزعة التغيير والتبديل، ولكن بارئ هذه النفس - وهو أعلم بها - يُحوِّل رغباتها، فلا تعود تبغي التحوُّل عن الجنة، وذلك في مقابل الخلود الذي لا تحوُّلَ له ولا نفاد"؛ قاله صاحب الظلال (4 / 2295 - 2296) مختصرًا.

هذا؛ والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 13
  • 0
  • 2,017

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً