هل يجوز إنشاء صوم التطوع من النهار
خالد عبد المنعم الرفاعي
أحيانا استيقظ من النوم ولا أجد عندي رغبة للأكل فهل يجوز أن أنوي الصيام في نهار ذلك اليوم؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:فقد دلت السنة النبوية المطهرة على جواز إنشاء صوم التطوع من النهار، وعلى جواز فطر الصائم نفلاً من غير عذر؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين، قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء؟"، فقلنا: لا، قال: "فإني إذن صائم"، ثم أتانا يومًا آخر فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس فقال: "أرينيه، فلقد أصبحت صائما"، فأكل.
قال النووي في "شرح على مسلم" (8/ 35): "وفيه دليل لمذهب الجمهور أن صوم النافلة يجوز بنية في النهار قبل زوال الشمس، ويتأوله الآخرون على أن سؤاله صلى الله عليه وسلم، هل عندكم شيء لكونه ضعف عن الصوم وكان نواه من الليل، فأراد الفطر للضعف، وهذا تأويل فاسد وتكلف بعيد. وفي الرواية الثانية التصريح بالدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه في أن صوم النافلة يجوز قطعه، والأكل في أثناء النهار ويبطل الصوم؛ لأنه نفل فهو إلى خيرة الإنسان في الابتداء، وكذا في الدوام.
وممن قال بهذا جماعة من الصحابة وأحمد وإسحاق وآخرون ولكنهم كلهم والشافعي معهم متفقون على استحباب إتمامه". اهـ.
وجاء في المغني: المغني لابن قدامة (3/ 113-114): "أن صوم التطوع يجوز بنية من النهار، عند إمامنا، وأبي حنيفة، والشافعي. وروي ذلك عن أبي الدرداء، وأبي طلحة وابن مسعود، وحذيفة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والنخعي، وأصحاب الرأي.
وقال مالك، وداود: لا يجوز إلا بنية من الليل؛ لقوله - عليه السلام – "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" .
ولأن الصلاة يتفق وقت النية لفرضها ونفلها، فكذلك الصوم. ولنا، ما روت عائشة - رضي الله عنها – (وذكر الحديث).
ويدل عليه أيضًا حديث عاشوراء، ولأن الصلاة يخفف نفلها عن فرضها؛ بدليل أنه لا يشترط القيام لنفلها، ويجوز في السفر على الراحلة إلى غير القبلة، فكذا الصيام.
والصلاة يتفق وقت النية لنفلها وفرضها؛ لأن اشتراط النية في أول الصلاة لا يفضي إلى تقليلها، بخلاف الصوم فإنه يعين له الصوم من النهار، فعفي عنه، كما لو جوزنا التنفل قاعدا وعلى الراحلة، لهذه العلة". اهـ. مختصرًا.
ورجح مذهب الجمهور أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية كما في كتابه "القواعد النورانية" (ص: 137) فقال في وهو يحكي مذاب أئمة الأمصار: " وأما القول الثالث: فالفرض لا يجزئ إلا بتبييت النية، كما دل عليه حديث حفصة وابن عمر؛ لأن جميع الزمان يجب فيه الصوم، والنية لا تنعطف على الماضي. وأما النفل فيجزئ بنية من النهار كما دل عليه قوله: " «إني إذا صائم» " كما أن الصلاة المكتوبة يجب فيها من الأركان - كالقيام والاستقرار على الأرض - ما لا يجب في التطوع، توسيعا من الله على عباده في طرق التطوع. فإن أنواع التطوعات دائما أوسع من أنواع المفروضات، وصومهم يوم عاشوراء إن كان واجبا: فإنما وجب عليهم من النهار؛ لأنهم لم يعلموا قبل ذلك. وما رواه بعض الخلافيين المتأخرين أن ذلك كان في رمضان: فباطل لا أصل له.
وهذا أوسط الأقوال: وهو قول الشافعي وأحمد. واختلف قولهما: هل يجزئ التطوع بنية بعد الزوال؟ والأظهر صحته، كما نقل عن الصحابة.
إذا تقرر هذا؛ فيجوز أن تنوي صيام النفل بالنهار،، والله أعلم.