حكم الهدايا التي تمنح للإستشاريين من الشركات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المهندس الإستشاري يعمل بحيادة تامة لوضع دراسة فنية ومالية للمشروع يتحرى الحلال بعيدا عن الشبهات ويعمل بالأجر المتفق عليه مع المالك لوضع الدراسة الفنية والمالية بكل شفافية بين يدي مالك المشروع ولكنه يتفاجئ بعد زمن أو شهور بحصوله على هدية عينية أو مالية من هذه الشركات التي تمت تزكية منتجاتها لجودتها الفنية وليس لشيئ آخر هل يحق له أخذ الهدية أم يحولها للمالك (قد يساء الفهم) أو يعتبرها دفعة من حسابه ويخصم قيمتها ؟ جزاكم الله خيرا
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإن من القواعد العامة في الفقه الإسلامي، بل في الشريعة الإسلامية عمومًا قاعدة سد الذرائع المفضية إلى الحرام، فحرم الشارع كل فعل أفضى إلى المحرم، ومن هذا الباب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن هدايا العمال، فكل من كان يعملى في شركة أو كان استشاريًا لها، فلا يجوز له الانتفاع من الوظيفة إلا براتبه؛ وقد حذَّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- من ذلك غاية التحذير؛ ففي الصحيحَيْنِ عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ قال: استَعْمَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -رَجُلاً مِنْ بني أسد يقال له: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ على الصدقة، فلمَّا قَدِمَ قال: هذا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لي، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: ((مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هذا لكم وهذا أُهْدِيَ لي، أفلا قَعَدَ في بَيْتِ أَبيهِ أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ حتَّى يَنْظُرَ أيُهْدَى إِلَيْهِ أم لا!! والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْها شيئًا إلا جَاءَ به يومَ القِيامة يحْمِلُهُ على عُنُقِهِ، بعيرٌ له رُغاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لها خُوارٌ، أو شاةٌ تَيْعِرُ. ثم رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ ثم قال: اللهم هل بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ))، واللفظ لمسلم، فلما كان المعطون المهدون إنما أعطوه وأهدوا إليه لأجل ولايته جعل ذلك من جملة المال المستحق لأهل الصدقات.
والحاصل أن الهدية إن كانت بسبب بسبب ألحقت به، ولذلك استثنى الأئمة من أهدى إليه على العادة الجارية بينهما قبل العمل في تلك الوظيفة، ولهذا كان المأثور عن الصحابة وجمهور الأئمة المتبعين: أن الهدية من المدين للدائن قبل الاستيفاء تحسب لصاحبها؛ وهو الثابت عن عدد من الصحابة كعبد الله بن مسعود وعبد الله بن سلام وعبد الله بن عباس وأنس وغيرهم، حيث أمروا المقرض الذي قَبِلَ الهدية أن يحسبها من قرضه؛ قياسًا على هدايا اعمال لعموم العلة، لأن الهدية من أجا أن ينظره.
جاء في "مجموع الفتاوى" (30/ 109): "فإن الهدية إذا كانت لأجل سبب من الأسباب كانت مقبوضة بحكم ذلك السبب كسائر المقبوض به؛ فإن العقد العرفي كالعقد اللفظي، ومن أهدي له لأجل قرض أو إقراض كانت الهدية كالمال المقبوض بعقد القرض والقراض إذا لم يحصل عنها مكافأة؛ وهذا أصل عظيم يدخل بسبب إهماله من الظلم والفساد شيء عظيم". اهـ.
والعاقل لا يعطي من لا يعرفه مالا بغير عوض، ولذلك ألحق العلماء تلك الهدايا بالرشوة، وعلى فرض أنه ربما كان الأمر في بدايتِه يتمُّ بسلامة صدر فإنه بعد ذلك تَستشرِف النفس وتتطلَّع للحرام، ولذلك أخذ الله تعالى الطريق على الناس، وأغلَقَ عليهم أبواب الشر.
وعليه فلا يحلُّ لك أخذ الهدية إلا بِعِلم وإذن المالك الذي تعمل معه،، والله أعلم.
- المصدر: