حكم رد المسروق لمن سرق قبل البلوغ
السلام عليكم، ماحكم سرقة بعض من المال في سن صغيره حيث انا قمت بسرقة قليل من المال من احد اقربائي و قد كنت صغيرا واخاف ان لا اردها له لان المال الذي سرقته غير متوفر عندي فمذا افعل ؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإن كانت السرقة قد حصلتْ قبل بلوغ سن التكليف، فلا إثم عليك؛ لأنها وقعت قبل جَرَيان قلم المؤاخذة عليك والإثم كان مرتفعًا عنك؛ فقد ثبت عند أبي داود والنَّسائي عن عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رُفِع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المُبتلَى حتى يَبرَأ، وعن الصبيِّ حتى يكبر))، وفي رواية: ((يبلُغ)).
وقال علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وقد أُتِيَ بمجنونة قد زَنَتْ، وهي حُبلَى من الزِّنا، فأراد أن يَرجمها: "ألم تعلم أن القلم رُفِعَ عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يُدرِك، وعن النائم حتى يستيقظ؟"؛ عَلَّقه البخاري، ورواه أبو داود، وصحَّحه الألباني.
ولكن لا ارتباط في الشريعة الإسلامية المباركة بين عدم المؤاخذة ووجوب ردِّ المسروق إلى أصحابه، وضمان ما أُخذ بغير حقٍّ؛ فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((على اليد ما أخذَتْ حتى تُؤدِّيَه))؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح، وروى البخاريُّ في صحيحه عن أبي هريرة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كانتْ عنده مَظلمة لأخيه فليتحلَّلْه منها؛ فإنه ليس ثَم دينار ولا درهم، مِن قبل أن يُؤخَذ لأخيه مِن حسناته، فإنْ لم يكن له حسنات أُخِذ من سيئات أخيه، فطُرِحت عليه)).
ولكن يجب التستر على النفس، فلا يشرع إخبار أصحاب الحقوق بأمر تلك السرقة؛ بل يكفي رد القيمة إليهم بأي طريقة كانت.
فإن كنت لا تستطيع ردّ المسروق الآن، فيسقط عنك إلى حين اليسار؛ لأن المال قد استقرا في ذمتك، وليس في الشريعة ما يدل على سقوط الحقوق عن المعسر، بل فيه ما يدل على استقرارها عليه إلى حين اليسار؛ قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى"(18/ 187): "فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته، وإن لم يعوضه في الدنيا فلا بد له من العوض في الآخرة، فينبغي للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسا.
ومع هذا فإذا شاء الله أن يعوض المظلوم من عنده، فلا راد لفضله، كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء؛ ولهذا في حديث القصاص الذي ركب فيه جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس شهرًا حتى شافهه به؛ وقد رواه الإمام أحمد وغيره واستشهد به البخاري في صحيحه؛ قال فيه: "إذا كان يوم القيامة فإن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد؛ يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: ولا ينبغي لأحد من أهل النار، أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق، حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولأحد من أهل النار عنده حق، حتى أقصه منه، حتى اللطمة"، فبين في الحديث العدل والقصاص بين أهل الجنة وأهل النار.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد: " أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة"". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: