الذهاب للعراف لمعرفة المسروق
صديقة لي ضاع منها إسورة ذهب وقالت لها صديقة أنها قد تكون سُرقت منها وأن هناك حرامي قد أخذها بدون إدراكها وقد مر وقت على ذلك الحدث ولكن صديقتها اقترحت عليها الذهاب لشيخ وبالفعل ذهبت لشيخ وقال لها أن احد ما سرقها منك وإذا اردت معرفة التفاصيل عن ضياعها وكيف سرقت منك سأرسلك لشخص يعرفك بهذه التفاصيل وأنا أريد أن أنقذها ولا تذهب لهذا الشخص الذي يدعي معرفته بالغيب فأريد من فضيلتكم تخبرني بالفتوى في هذا الحدث لكي تعرف وأخبره بها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن إدعاء عِلْمِ الغَيْبِ كُفْرٌ ورِدَّةٌ عن الإسلام، وهو العرافة التي حذر من الشارع الحكيم، وورد فيه الوعيدُ الشديدُ؛ فقال - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ أَتَى كاهِنًا أوْ عرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بما أَنْزِلَ على مُحَمَّدٍ"؛ رواه أحمد بإسناد صحيح.
ولا شك أن العرافة التي هي ادِّعاءُ عِلْمِ الغَيْبِ مُنَازَعَةٌ لله -سبحانه وتعالى- في أُلُوهِيَّتِهِ؛ قال تعالى: {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} [النمل: 65]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]، وقال تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59].
وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ التَّصدِيق والرُّكون لِهذه الوسائل الكاذِبة فقال: "من اقْتَبَسَ عِلْمًا من النُّجوم اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِن السِّحْرِ، زَادَ ما زَادَ"؛ رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - فِي قَوْمٍ يَكْتُبُونَ أَبَا جَادٍّ، وَيَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ - يعني يسْتَدِلُّون به على دعوى عِلْمِ الغَيْبِ والخِفِيِّ- قال: ((وَمَا أَرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلاقٍ))؛ رواه عبد الرزاق في المُصَنَّف.
قال الحافظ : " والمَنْهِيُّ عنه من عِلْمِ النُّجُومِ هو ما يَدَّعِيهِ أهلها، من مَعْرِفَة الْحَوَادِثِ الآتية فِي مستقبل الزَّمَانِ؛ كَمَجِيءِ المطر، ووقوع الثَّلْجِ، وَهُبُوبِ الرياح، وَتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ ونحو ذَلِكَ، ويزعمون أنهم يدركون ذلك بِسَيْرِ الْكَوَاكِبِ، واقترانها، وَافْتِرَاقِهَا، وَظُهُورِهَا في بعض الأَزْمانِ، وهذا عِلْمٌ اسْتَأثَرَ الله بِه، لا يعلمه أحدٌ غيره".
وصْدُقُ العراف أحيانًا لا يجعل المسلم يذهب إليه، ويكون صدقه حينئذٍ فِتْنَةً وامتحانًا، وليس دليلاً على صِدْقِهم؛ فإن الدَّجَّال الأكبر يقول للسَّمَاءِ: أمطِري؛ فَتُمطِر، وللأرض: أنْبِتي؛ فَتُنبِت، وللخَرِبَةِ: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ؛ فَتُخْرِج كنوزها تتبعه، ويَقْتُل رجلاً ثم يمشي بين شِقَّيهِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُمْ فيقوم، ومع هذا فهو دَجَّال مَلعُون، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: "يكون لأحدهم القرينُ من الشياطين، يخبره بكثير من المغيبات بما يستَرِقُه من السَّمْعِ، وكانوا يَخْلِطُون الصِّدقَ بالكَذِب".
وعليه؛ فلا يجوز لتلك المرأة الذهاب للعراف ويُخْشَى عليها إن صَدِّقته أن تقع في الكفر؛ لظنها أنه بِمَقْدُور أحدٍ عِلْم الغيب، والواجب على المسلمن عدم التعلُّقِ بقول هؤلاء، فَمَنْ تَعَلَّقَ بأقوالهم وَكَلَه الله إليهم، وحَرَمَهُ من توفيقه وهدايته،، والله أعلم.
- المصدر: