حكم قضاء الزكاة للجاهل
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لدي استفسار فيما يخص بزكاة الاموال ، كوني ولله الحمد موظفة وينزل لي راتب آخذ منه ما يسد حاجتي وادع الباقي بحسابي بالبنك وهكذا حتى تجمع لي في حسابي مبلغ لكن حسابي جاري كان يغلب على ظني أن الحساب الذي في البنك إذا كان متحرك لا يتوجب عليه زكاة؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فالذي يظهر من كلامك أنه لا يجب عليك قضاء الزكاة عن الأعوام السابقة التي كنت تجهلين فيها وجوب الزكاة على الحسابات الجارية في البنوك، فالحكم الشرعي لا يثبت في حق المكلفين إلا بعد البلاغ، وقد رجح هذا الأصل شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع كثيرة من مصنفاته نكتفي بذكر موضع منها فقال في مجموع الفتاوى (22/ 41-45):
والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك، ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ، لقوله تعالى {لأنذركم به ومن بلغ} وقوله: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} ولقوله: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} ومثل هذا في القرآن متعدد، بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول. ومن علم أن محمدا رسول الله فآمن بذلك، ولم يعلم كثيرا ممامجموع الفتاوى (22/ 42)
جاء به لم يعذبه الله على ما لم يبلغه، فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان بعد البلوغ، فإنه لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلاغ أولى وأحرى. وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المستفيضة عنه في أمثال ذلك. فإنه قد ثبت في الصحاح أن {طائفة من أصحابه ظنوا أن قوله تعالى {الخيط الأبيض من الخيط الأسود} هو الحبل الأبيض من الحبل الأسود، فكان أحدهم يربط في رجله حبلا، ثم يأكل حتى يتبين هذا من هذا فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بياض النهار، وسواد الليل، ولم يأمرهم بالإعادة} . وكذلك عمر بن الخطاب وعمار أجنبا، فلم يصل عمر حتى أدرك الماء، وظن عمار أن التراب يصل إلى حيث يصل الماء فتمرغ كما تمرغ الدابة ولم يأمر واحدا منهم بالقضاء، وكذلك أبو ذر بقي مدة جنبا لم يصل، ولم يأمره بالقضاء، بل أمره بالتيمم في المستقبل. وكذلك المستحاضة قالت: إني أستحاض حيضة شديدة تمنعني الصلاة والصوم، فأمرها بالصلاة زمن دم الاستحاضة، ولم يأمرها بالقضاء. ولما حرم الكلام في الصلاة تكلم معاوية بن الحكم السلمي فيالصلاة بعد التحريم جاهلا بالتحريم، فقال له: {إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين} ولم يأمره بإعادة الصلاة. ولما زيد في صلاة الحضر حين هاجر إلى المدينة، كان من كان بعيدا عنه: مثل من كان بمكة، وبأرض الحبشة يصلون ركعتين، ولم يأمرهم النبي بإعادة الصلاة. ولما فرض شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولم يبلغ الخبر إلى من كان بأرض الحبشة من المسلمين، حتى فات ذلك الشهر، لم يأمرهم بإعادة الصيام. {وكان بعض الأنصار - لما ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة قبل الهجرة - قد صلى إلى الكعبة معتقدا جواز ذلك قبل أن يؤمر باستقبال الكعبة، وكانوا حينئذ يستقبلون الشام، فلما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. أمره باستقبال الشام} ولم يأمره بإعادة ما كان صلى. وثبت عنه في الصحيحين أنه {سئل - وهو بالجعرانة: عن رجل أحرم بالعمرة، وعليه جبة، وهو متضمخ بالخلوق، فلما نزل عليه الوحي قال له: انزع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع فيعمرتك ما كنت صانعا في حجك} . وهذا قد فعل محظورا في الحج، وهو لبس الجبة، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بدم ولو فعل ذلك مع العلم للزمه دم. وثبت عنه في الصحيحين أنه {قال للأعرابي المسيء في صلاته: صل فإنك لم تصل - مرتين أو ثلاثا - فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا، فعلمني ما يجزيني في الصلاة، فعلمه الصلاة المجزية} ولم يأمره بإعادة ما صلى قبل ذلك. مع قوله ما أحسن غير هذا، وإنما أمره أن يعيد تلك الصلاة؛ لأن وقتها باق، فهو مخاطب بها، والتي صلاها لم تبرأ بها الذمة، ووقت الصلاة باق. ومعلوم أنه لو بلغ صبي أو أسلم كافر، أو طهرت حائض، أو أفاق مجنون " والوقت باق لزمتهم الصلاة أداء لا قضاء. وإذا كان بعد خروج الوقت فلا إثم عليهم. فهذا المسيء الجاهل إذا علم بوجوب الطمأنينة في أثناء الوقت فوجبت عليه الطمأنينة حينئذ، ولم تجب عليه قبل ذلك؛ فلهذا أمره بالطمأنينة في صلاة تلك الوقت، دون ما قبلها. وكذلك أمره لمن صلى خلف الصف أن يعيد، ولمن ترك لمعة من قدمه أن يعيد الوضوء والصلاة. وقوله أولا: {صل فإنك لم تصل}تبين أن ما فعله لم يكن صلاة، ولكن لم يعرف أنه كان جاهلا بوجوب الطمأنينة، فلهذا أمره بالإعادة ابتداء، ثم علمه إياها، لما قال: " والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا ". فهذه نصوصه - صلى الله عليه وسلم - في محظورات الصلاة والصيام والحج مع الجهل فيمن ترك واجباتها مع الجهل". اهـ.
إذا تقرر هذا فلا يجب عليك قضاء زكاة الأعوام السابقة للجهل بالحكم ولكن يجب عليك إخراج الزكاة لهذا العام،، والله أعلم.