كيف اتعامل مع السحاقيات والشواذ جنسيا
صدمني اني في بلد اسلامي وفي جامعتني عرفت بوجود شواذ جنسيا يعترفون بشذوذهم وآخرهم كانوا فتاتان في تخصصي بنفس دفعتي وعندما ذهبت للمصلى في الجامعة كانت قد خلعت احداهن حجابها وشعرها مثل الذكور وكانت تتكلم مع قرينتها و تقترب منها بطريقة وقحه و تقوم بإماءات و بلا احترام للمكان فتسألت كيف يجب ان اتعامل معهم؟ في حال عندما يتمادون في مكان عام و في حالة اني مضطرة ان اراهم كل يوم و في حالة تعاملي معهم, و ايضا كيف يحاسبني الله على تصرفاتي؟ فانا لم اعرف ما التصرف الصحيح في هذا الموقف, وهل يجب ان اكرهم؟
الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَن وَالَاهُ، أَمَّا بَعْدُ:
فقد شرع الله سبحانه هجر أصحاب المعاصي والكبائر؛ الهجْر - حينئذٍ - لحق الله، وليس لحق النفس، إلا أن يترتَّب على الهجر مفسدة، أو يخَشى من شر صاحب المعصية، فالهجرُ في الله من جنس الجهاد في سبيل الله، وإنما يُفعل لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، والمسلمُ الحق يُوالي في الله، ويُعادي في الله.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (17 / 245): "قال ابن عبد البر: أجْمَعُوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث، إلا لمن خاف مِن مكالمته ما يفسد عليه دينه، أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مَضَرَّة، فإن كان كذلك جاز، وَرُبَّ هَجْرٍ جميلٍ خيرٌ من مُخالَطة مُؤذية". اهـ.
فإن كان باستطاعتك أن تنصحيهن أو رَجَوْتِ أن يؤثرَ فيهن النصح فافعلي، وإن لم يكن ذلك في استطاعتك، فالهجر أولى.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (24/ 174 - 175): "صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه هجر كعب بن مالكٍ وصاحبيه - رضي الله عنهم - لما تخلَّفوا عن غزوة تبوك، وظهرتْ مَعصيتهم، وخيف عليهم النفاق، فهجرهم، وأمر المسلمين بِهَجْرِهم؛ حتى أمرهم باعتزال أزواجهم مِن غير طلاقٍ خمسين ليلةً، إلى أن نزلتْ توبتُهم من السماء.
وكذلك أمر عمر - رضي الله عنه - المسلمين بهجر صبيغ بن عسلٍ التميمي؛ لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حَوْلٌ، وتبين صِدْقه في التوبة، فأمر المسلمين بمراجعته؛ فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا مَن ظهَرَتْ عليه علامات الزيغ مِن المظهرين للبِدَع الداعين إليها، والمظهرين للكبائر، فأما مَن كان مُستَتِرًا بمعصيةٍ، أو مُسرًّا لبدعةٍ غير مكفرةٍ، فإن هذا لا يُهْجَر، وإنما يُهجر الداعي إلى البِدْعة؛ إذ الهجرُ نوعٌ مِن العقوبة، وإنما يعاقب مَن أظهر المعصية؛ قولًا، أو عملًا، وأما مَن أظهر لنا خيرًا، فإنا نقْبَل علانيته، ونَكِل سريرته إلى الله تعالى". اهـ.
ثم بيَّن رحمه الله الأحوال التي يجوز فيها الهجر، وما يحرم؛ فقال في "مجموع الفتاوى" (28/ 206): "الهجرُ يختلف باختلاف الهاجرين؛ في قوتِهم وضعفِهم، وقلتِهم وكثرتهم؛ فإن المقصودَ به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مِثْل حاله؛ فإن كانت المصلحةُ في ذلك راجحةً بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مَشروعًا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرْتَدِع بذلك، بل يَزيد الشرَّ، والهاجرُ ضعيفٌ؛ بحيث يكون مفسدةُ ذلك راجحةً على مصلحته، لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع مِن الهجر، والهجرُ لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتألَّف قومًا، ويهجر آخرين؛ كما أنَّ الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرًا مِن أكثر المؤلفة قلوبهم، لما كان أولئك كانوا سادةً مطاعين في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثيرٌ، فكان في هَجْرهم عز الدين، وتطهيرهم من ذنوبهم، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارةً، والمُهادَنة تارةً، وأخْذ الجِزْية تارةً، كلُّ ذلك بحسب الأحوال والمصالح". اهـ.
أما كراهية أصحاب الكبائر ومنهن السحاقيات فهو من واجبات الشريعة؛ فنفس الإيمان الذي في القلب ينافي حب العصاة، كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده وهو موالاة العصاة؛ قال الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة/22]، وروى أحمد عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أوثق عري الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله))،، والله أعلم..
- المصدر: