حكم التخلف عن صلاة الجمعة في بلاد الكفر من أجل العمل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة اخوكم مقيم في الولايات المتحده الامريكيه والحمدلله اسكن في مدينه غالبية سكانها مسلمه ويوجد فيها المساجد لكن كما تعرفون المدينه تقع في ولايه كبيره انا اعمل في شركه امريكيه سائق شاحنه وكما تعرفون الدوام الرسمي في معظم الشركات من الاثنين الى الجمعة ومجال عملي يقتضي السواقه بعيداً عن مدينتي التي يوجد فيها المساجد وبذلك لااستطيع ان اصلي الجمعه لانه من المستحيل اترك الشاحنه ولدي مواعيد مع شركات اخرى كي اذهب اليها وبذلك اصليها ظهرا، هل اكون معذوراً وشكرا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فيشرع للمسلم الإقامة في بلاد الكفر إذا أمِن على دينه، وكان قادرًا على إقامة شعائر الإسلام، وكان عنده من العلم ما يدفع به الشبُهات التي قد ترِد عليه، ومن الصبر والتقوى ما يدفع به فتنة الشهوات.
أما مَن لَم يأمنْ على دينه، أو لا يستطيع أن يؤدِّي شعائر الإسلام، فلا يجوز له الإقامة في تلك البلاد؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97].
قال ابن رشد في "بداية المجتهد": "لقد وجب بالكتاب والسُّنَّة والإجماع على مَن أسلم ببلد الكفر أن يهجره، ويلحق بدار المسلمين، ولا يسكن بين المشركين، ويقيم بين أظهرهم، وذلك إذا كان لا يتمكَّن من إقامة شعائر دينه، أو يجبر على أحكام الكفر". اهـ.
قال في "مغني المحتاج": "وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إظْهَارُ دِينِهِ أَوْ خَافَ فِتْنَةً فِيهِ، وَجَبَتْ عَلَيهِ الْهِجْرَةُ؛ رَجُلاً كَانَ أَوْ امْرَأَةً". اهـ.
إذا تقرر هذا، فإن كان الحالا كما ذكرت أنك ، فلا يجوز لك الإقامة في بلاد الكفر؛ لأن صلاة الجمعة من أعظم شعائر الإسلام، ولا يجوز التخلف عنها بحال إلاَّ في لعُذرٍ شرعي معتبر، كالحِراسة أو الخوف أو المرض أو غير ذلك مما لاهو مدون في كتب الفقه، ولكن إن كنت مضرًا للإقامة في تلك البلاد أو محتاجًا للسفر، فلا بأس حينئذ وتعذر بترك الجمعة؛ وقد نصَّ أهل العلم على أن من أعْذار ترك الجمعة حفظ الأموال .
قال أبو محمد بن حزم "المحلى" - بعدما ذكر فرضية صلاة الجماعة -: "ومن العذر للرجال في التخلف عن الجماعة في المسجد: المرض، والخوف، والمطر، والبرد، وخوف ضياع المال، وحضور الأكل، وخوف ضياع المريض، أو الميت، وتطويل الإمام حتى يضر بمن خلفه، وأكل الثوم، أو البصل، أو الكراث ما دامت الرائحة باقية، ويمنع آكلوها من حضور المسجد، ويؤمر بإخراجهم منه ولا بد، ولا يجوز أن يمنع من المساجد أحد غير هؤلاء، لا مجذوم، ولا أبخر، ولا ذو عاهة، ولا امرأة بصغير معها، فأما المرض والخوف فلا خلاف في ذلك، لقول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا}". اهـ موضع الحجة منه.
وجاء في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: "... ولكن إذا وُجِد عذرٌ شرعي لدى مَن تجِب عليْه الجمُعة، كأن يَكون مسؤولاً مسؤوليَّة مباشرة عن عمَل يتَّصل بأمن الأمَّة، وحفْظ مصالحها، يتطلَّب قيامه عليْه وقْت صلاة جمعة، كحال رجال الأمْن والمرور، والمخابرات اللاَّسلكيَّة والهاتفيَّة ونحوهم، الَّذين عليهم النَّوبة وقت النِّداء الأخير لصلاةِ جمعة، أو إقامة الصَّلاة جماعة - فإنَّه وأمثاله يُعْذَر بذلِك في ترْك الجمُعة والجماعة؛ لعموم قول الله - سبحانه -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقول رسولِ الله - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((ما نهيتُكم عنْه فاجتنِبوه، وما أمرتُكم به فأْتوا منْه ما استطعْتُم))، ولأنَّه ليس بأقلَّ عذرًا ممَّن يعْذر بترك الجمعة والجماعة ما دام العذر قائمًا، غير أنَّ ذلك لا يسقط عنْه فرض الظُّهْر، بل عليه أن يصلِّيَها في وقتها، ومتى أمْكن فعلُها جماعة، وجَبَ ذلك كسائر الفروض الخمْسة". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: