فَصْل: الرد على الرازي في قصة الخليل إبراهيم
منذ 2006-12-01
السؤال: فَصْل: الرد على الرازي في قصة الخليل إبراهيم وقوله: {لا أحب
الآفلين}
الإجابة: قال الرازي: الحجة الثالثة: قصة الخليل عليه الصلاة والسلاـ:
{لا أُحِبُّ الآفِلِينَ}
[الأنعام:76] والأفول عبارة عن التغير.
وهذا يدل على أن المتغير لا يكون إلها أصلا.
والجواب من وجوه:
أحدها: أنا لا نسلم أن الأفول هو التغير، ولم يذكر على ذلك حجة، بل لم يذكر إلا مجرد الدعوى.
الثاني: أن هذا خلاف إجماع أهل اللغة والتفسير، بل هو خلاف ما علم بالاضطرار من الدين، والنقل المتواتر للغة والتفسير، فإن الأفول هو المغيب.
يقال: أفلت الشمس تأفُل وتأفِل أفولاً إذا غابت، ولم يقل أحد قط: إنه هو التغير، ولا أن الشمس إذا تغير لونها يقال: إنها أفلت، ولا إذا كانت متحركة في السماء يقال: إنها أفلت، ولا أن الريح إذا هبت يقال: إنها أفلت، ولا أن الماء إذا جرى يقال: إنه أفل، ولا أن الشجر إذا تحرك يقال: إنه أفل، ولا أن الآدميين إذا تكلموا أو مشوا وعملوا أعمالهم يقال: إنهم أفلوا، بل ولا قال أحد قط: إن من مرض أو اصفر وجهه أو احمر يقال: إنه أفل.
فهذا القول من أعظم الأقوال افتراء على الله، وعلى خليل الله، وعلى كلام الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله، وعلى أمة محمد جميعًا، وعلى جميع أهل اللغة، وعلى جميع من يعرف معاني القرآن.
الثالث: أن قصة الخليل عليه السلام حجة عليكم، فإنه لما رأى كوكبًا وتحرك إلى الغروب فقد تحرك، ولم يجعله آفلاً، ولما رأى القمر بازغًا رآه متحركًا، ولم يجعله آفلاً، فلما رأى الشمس بازغة علم أنها متحركة، ولم يجعلها آفلة، ولما تحركت إلى أن غابت والقمر إلى أن غاب لم يجعله آفلاً.
الرابع: قوله: إن الأفول عبارة عن التغير، إن أراد بالتغير الاستحالة، فالشمس، والقمر، والكواكب لم تستحل بالمغيب، وإن أراد به التحرك، فهو لا يزال متحركًا، وقوله:{فَلَمَّا أَفَلَ} دل على أنه يأفل تارة ولا يأفل أخرى.
فإن {لما} ظرف يقيد هذا الفعل بزمان هذا الفعل، والمعنى: أنه حين أفل {قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام:76]، فإنما قال ذلك حين أفوله.
وقوله:{فَلَمَّا أَفَلَ} دل على حدوث الأفول وتجدده، والحركة لازمة له، فليس الأفول هو الحركة، ولفظ التغير والتحرك مجمل. إن أريد به التحرك أو حلول الحوادث، فليس هو معنى التغير في اللغة، وليس الأفول هو التحرك ولا التحرك هو التغير، بل الأفول أخص من التحرك، والتغير أخص من التحرك.
وبين التغير والأفول عموم وخصوص، فقد يكون الشيء متغيرًا غير آفل، وقد يكون آفلاً غير متغير، وقد يكون متحركًا غير متغير، ومتحركًا غير آفل.
وإن كان التغير أخص من التحرك على أحد الاصطلاحين، فإن لفظ الحركة قد يراد بها الحركة المكانية، وهذه لا تستلزم التغير.
وقد يراد به أعم من ذلك، فالحركة في الكيف والكم، مثل حركة النبات بالنمو، وحركة نفس الإنسان بالمحبة، والرضا، والغضب، والذكر.
فهذه الحركة قد يعبر عنها بالتغير، وقد يراد بالتغير في بعض المواضع الاستحالة.
ففي الجملة الاحتجاج بلفظ التغير إن كان سمعياً فالأفول ليس هو التغير، وإن كان عقليا، فإن أريد بالتغير الذي يمتنع على الرب محل النزاع، لم يحتج به.
وإن أريد به مواقع الإجماع فلا منازعة فيه.
وأفسد من هذا قول من يقول: الأفول هو الإمكان، كما قاله ابن سينا: إن الهوى في حضيرة الإمكان أفول بوجه ما، فإنه يلزم على هذا أن يكون كل ما سوى الله آفلاً، ولا يزال آفلاً، فإن كل ما سواه ممكن، ولا يزال ممكنا، ويكون الأفول وصفًا لازمًا لكل ما سوى الله، كما أن كونه ممكنًا وفقيرًا [في المطبوعة ممكن و فقير والصواب ما أثبتناه] إلى الله وصف لازم له.
وحينئذ، فتكون الشمس، والقمر،والكواكب، لم تزل ولا تزال آفلة وجميع ما في السموات والأرض، لا يزال آفلاً.
فكيف يصح قوله مع ذلك:{فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام:76].
وعلى كلام هؤلاء المحرفين لكلام الله تعالى وكلام خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم عن مواضعه، هو آفل قبل أن يبزغ، ومن حين بزغ، وإلى أن غاب.
وكذلك جميع ما يرى وما لا يرى في العالم آفل، والقرآن بين أنه لما رآها بازغة قال: {هّذّا رّبٌَي} فلما أفلت بعد ذلك.
قال: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد السادس (العقيدة)
وهذا يدل على أن المتغير لا يكون إلها أصلا.
والجواب من وجوه:
أحدها: أنا لا نسلم أن الأفول هو التغير، ولم يذكر على ذلك حجة، بل لم يذكر إلا مجرد الدعوى.
الثاني: أن هذا خلاف إجماع أهل اللغة والتفسير، بل هو خلاف ما علم بالاضطرار من الدين، والنقل المتواتر للغة والتفسير، فإن الأفول هو المغيب.
يقال: أفلت الشمس تأفُل وتأفِل أفولاً إذا غابت، ولم يقل أحد قط: إنه هو التغير، ولا أن الشمس إذا تغير لونها يقال: إنها أفلت، ولا إذا كانت متحركة في السماء يقال: إنها أفلت، ولا أن الريح إذا هبت يقال: إنها أفلت، ولا أن الماء إذا جرى يقال: إنه أفل، ولا أن الشجر إذا تحرك يقال: إنه أفل، ولا أن الآدميين إذا تكلموا أو مشوا وعملوا أعمالهم يقال: إنهم أفلوا، بل ولا قال أحد قط: إن من مرض أو اصفر وجهه أو احمر يقال: إنه أفل.
فهذا القول من أعظم الأقوال افتراء على الله، وعلى خليل الله، وعلى كلام الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله، وعلى أمة محمد جميعًا، وعلى جميع أهل اللغة، وعلى جميع من يعرف معاني القرآن.
الثالث: أن قصة الخليل عليه السلام حجة عليكم، فإنه لما رأى كوكبًا وتحرك إلى الغروب فقد تحرك، ولم يجعله آفلاً، ولما رأى القمر بازغًا رآه متحركًا، ولم يجعله آفلاً، فلما رأى الشمس بازغة علم أنها متحركة، ولم يجعلها آفلة، ولما تحركت إلى أن غابت والقمر إلى أن غاب لم يجعله آفلاً.
الرابع: قوله: إن الأفول عبارة عن التغير، إن أراد بالتغير الاستحالة، فالشمس، والقمر، والكواكب لم تستحل بالمغيب، وإن أراد به التحرك، فهو لا يزال متحركًا، وقوله:{فَلَمَّا أَفَلَ} دل على أنه يأفل تارة ولا يأفل أخرى.
فإن {لما} ظرف يقيد هذا الفعل بزمان هذا الفعل، والمعنى: أنه حين أفل {قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام:76]، فإنما قال ذلك حين أفوله.
وقوله:{فَلَمَّا أَفَلَ} دل على حدوث الأفول وتجدده، والحركة لازمة له، فليس الأفول هو الحركة، ولفظ التغير والتحرك مجمل. إن أريد به التحرك أو حلول الحوادث، فليس هو معنى التغير في اللغة، وليس الأفول هو التحرك ولا التحرك هو التغير، بل الأفول أخص من التحرك، والتغير أخص من التحرك.
وبين التغير والأفول عموم وخصوص، فقد يكون الشيء متغيرًا غير آفل، وقد يكون آفلاً غير متغير، وقد يكون متحركًا غير متغير، ومتحركًا غير آفل.
وإن كان التغير أخص من التحرك على أحد الاصطلاحين، فإن لفظ الحركة قد يراد بها الحركة المكانية، وهذه لا تستلزم التغير.
وقد يراد به أعم من ذلك، فالحركة في الكيف والكم، مثل حركة النبات بالنمو، وحركة نفس الإنسان بالمحبة، والرضا، والغضب، والذكر.
فهذه الحركة قد يعبر عنها بالتغير، وقد يراد بالتغير في بعض المواضع الاستحالة.
ففي الجملة الاحتجاج بلفظ التغير إن كان سمعياً فالأفول ليس هو التغير، وإن كان عقليا، فإن أريد بالتغير الذي يمتنع على الرب محل النزاع، لم يحتج به.
وإن أريد به مواقع الإجماع فلا منازعة فيه.
وأفسد من هذا قول من يقول: الأفول هو الإمكان، كما قاله ابن سينا: إن الهوى في حضيرة الإمكان أفول بوجه ما، فإنه يلزم على هذا أن يكون كل ما سوى الله آفلاً، ولا يزال آفلاً، فإن كل ما سواه ممكن، ولا يزال ممكنا، ويكون الأفول وصفًا لازمًا لكل ما سوى الله، كما أن كونه ممكنًا وفقيرًا [في المطبوعة ممكن و فقير والصواب ما أثبتناه] إلى الله وصف لازم له.
وحينئذ، فتكون الشمس، والقمر،والكواكب، لم تزل ولا تزال آفلة وجميع ما في السموات والأرض، لا يزال آفلاً.
فكيف يصح قوله مع ذلك:{فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام:76].
وعلى كلام هؤلاء المحرفين لكلام الله تعالى وكلام خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم عن مواضعه، هو آفل قبل أن يبزغ، ومن حين بزغ، وإلى أن غاب.
وكذلك جميع ما يرى وما لا يرى في العالم آفل، والقرآن بين أنه لما رآها بازغة قال: {هّذّا رّبٌَي} فلما أفلت بعد ذلك.
قال: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد السادس (العقيدة)
- التصنيف: