حكم صوم يوم النصف من شعبان
حكم صيام يوم النصف من شعبان ؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقدْ وردتْ أحاديثُ كثيرةٌ في الصحيحَيْنِ وغيْرِهما، تدلُّ على جوازِ صَّوم شهر شعبان؛ ففي الصحيحَين من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلَّم - استكمل صيامَ شهرٍ قطُّ إلا رمضان، وما رأيتُه في شهرٍ أكثر صيامًا منه في شعبان"، زاد البخاري في روايةٍ: "كان يصومُ شعبان كلَّه"، ولمسلمٍ في رواية: "كان يصومُ شعبان إلا قليلاً"، وفي روايةٍ للنَّسائي: "كان أحبَّ الشهور إليْه أن يصومه شعبانُ، كان يصِله برمضان".
وعن أم سلمة - رضي الله عنهما - قالتا: "كان رسولُ الله - صلى الله عليْه وسلَّم - يصومُ شعبان إلا قليلاً، بل كان يصومه كله"؛ رواه الترمذي، وعنها أيضًا قالت: "ما رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليْه وسلَّم - يصومُ شهريْن مُتتابعَين إلا شعبانَ ورمضان"؛ رواهُ أبو داود، والنَّسائي، والتِّرمذي وحسَّنه.
أما تخصيص صيام يوم النصف من شهر شعبان ظنًا أن له فضل خاص، فليس له أصل صحيح من الكتاب أو السنة؛ والأصل في العبادات ألا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والعبادات المحدثة إنما نهي عنها لما أحدث فيها من الدين الذي يتقرب به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (29/ 16): " فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها، لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لا بد أن تكون مأمورا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه عبادة، وما لم يثبت من العبادات أنه منهي عنه كيف يحكم على أنه محظور؛ ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى، وإلا دخلنا في معنى قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه؛ وإلا دخلنا في معنى قوله: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} [يونس: 59]؛ ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه في سورة الأنعام من قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 136، 137]، فذكر ما ابتدعوه من العبادات ومن التحريمات". اهـ.
وعليه، فلا يستحب تخصيص يوم النصف من شعبان بالصوم، كما لا يستحب تخصيص قيام ليلة النصف لعدم ثبوت الأحاديث،، والله أعلم.
- المصدر: