هل استغفار النبي للأمة يغني عن استغفارهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بارك الله فيكم وجزاكم الله خير.. ما شرح حديث ".. أن النبي ﷺ دعا لعائشة فقال: اللَّهمَّ اغفِرْ لِعائشةَ ما تقدَّم مِن ذنبِها وما تأخَّر ما أسرَّتْ وما أعلَنَتْ، فضحِكَتْ عائشةُ حتَّى سقَط رأسُها في حِجْرِها مِن الضَّحِكِ، قال لها رسولُ اللهِ ﷺ: أيسُرُّكِ دعائي؟ فقالت : وما لي لا يسُرُّني دعاؤُكَ ؟ فقال ﷺ: واللهِ إنَّها لَدعائي لِأُمَّتي في كلِّ صلاةٍ" وهل يعني أننا لسنا بحاجة للإستغفار من الذنوب لأن دعاء النبي ﷺ مستجاب؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فالحديث المذكور رواه ابن حبان في صحيحه (16/ 48)، أخرجه البزار في " مسنده " (2658 - كشف الأستار) عن عائشة، أنها قالت: لما رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم طيب نفس، قلت: يا رسول الله، ادع الله لي، فقال: "اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، ما أسرت وما أعلنت"، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيسرك دعائي؟"، فقالت: وما لي لا يسرني دعاؤك فقال صلى الله عليه وسلم: "والله إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة"؛ حسنه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2254)، وفيه كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته ورحمه بهم، واعتناؤه بالنظر في مصالحهم، حيث لم يترك الدعاء لهم في أعظم الأوقات.
والذي يظهر أن استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لا يغني الاستغفار للنفس؛ وهو من مسلمات الشريعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم أصحابه الاستغفار ةالدعاء بالمغفرة في أحاديث لا تكاد تحصى كثرة، وهي أشهر من أن ينه عليها، كما أن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يستجاب على سبيل العموم وفي الجملة وليس لكل أحد، وقد لا يستجاب في حق كثيرين ممن دعا لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم من سيدخل النار من عصاة المؤمنين؛ كما في حديث ابن عباس في الصحيحين عن ابن عباس، قال: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: " إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } [الأنبياء: 104]، الآيةَ، وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ* إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 117، 118]، قال: فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم".
أيضًا فإن الدعوات الخاصة ـ بالنبي صلى الله عليه وسلم منها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب؛ كما في الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص قال صلى الله عليه وسلم: "سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي: أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها".
جاء في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (7/ 219): " ... أنه لا يستجاب من الدعاء إلا ما وافقه القضاء، وحينئذ يشكل بما قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء"، ويرتفع الإشكال بأن يقال: إن القضاء الذي لا يرده دعاء ولا غيره، هو الذي سبق علم الله بأنه لا بد من وقوعه، والقضاء الذي يرده الدعاء أو صلة الرحم، هو الذي أظهره الله بالكتابة في اللوح المحفوظ، الذي قال الله تعالى فيه: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39]". اهـ.
ولمزيد فائدة يراجع فتوى: " هل دعاء الأنبياء مستجاب بإطلاق"،، والله أعلم.
- المصدر: