حكم غرقى السيول الليبية، والصلاة عليهم
حدث في هذه الأيام سيول قوية في دولة ليبيا حفظها الله، ويتوقع أن يكون عدد الغرقى في الحادث نحو آلاف، فهل هؤلاء يعتبرون شهداء؟ وكيف نصلي على من لم يوجد منهم؟.
الحمد لله.
لا شك أن الأمور كلها بيد الله عز وجل يصرفها كيف يشاء ولنا أمام هذا الحدث ما يلي:
أولاً:
قد يختار الله من عباده المؤمنين أصنافا من الناس أفراداً أو جماعات فيبتليهم ليرفع بالابتلاء درجتهم أو يكفر به ذنوبهم، فالمصائب سبب لتكفير الذنوب، ورفعة الدرجات، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة، أو حطّت عنه بها خطيئة» (رواه مسلم (2572).
ثانياً:
المشروع للمسلم إذا أصابته مصيبة أن يصبر، ويقول ما أمرنا به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا» (رواه مسلم ( 918).
ثالثاً:
من مات غريقاً فهو شهيد، له ثواب الشهداء عند الله تعالى، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (رواه البخاري (2829) ومسلم ( 1914) وفي لفظ عند مسلم ( 1915): «والغريق شهيد».
قال ابن التين رحمه الله: هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل اللّه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبَلِّغهم بها مراتب الشهداء . (فتح الباري (8/ 438).
رابعاً:
من أنجاه الله تعالى من هذا الحادث وخرج سليماً، فليحمد ربه تعالى على العافية، وليحسن فيما بقي من عمره فإن الموت يأتي الإنسان بغتة، والله تعالى أمهله ونجاه، ولو شاء لكان الأمر بخلاف ذلك.
خامساً:
من خرج من الغرق ميتاً، فإنه يجب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه. أما من لم يتم العثور عليه منهم، فهذا يجب أن يصلى عليه صلاة الغائب؛ لأن صلاة الجنازة فرض كفاية يجب القيام بها. فتصف الصفوف ويتقدم الإمام للصلاة عليه كأن الجنازة حاضرة بين أيديهم.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
إذا وُجِدَ الغريقُ فإنَّه يغسَّل ويكفَّن، ويصلى عليه كأي ميت آخر، وإذا لم يعثر عليه فيصلى عليه صلاة الغائب عند الشافعية والحنابلة انتهى.
ولكن الشافعية يشترطون - في المعتمد عندهم - أن يتقدم غسله لتصح الصلاة عليه، وذهب جماعة من متأخريهم إلى صحة الصلاة عليه إذا تعذر غسله.
وينظر: مغنى المحتاج (2/49)، أسنى المطالب (1/321).
وقد روى البخاري (1318) ومسلم (951) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا.
قال النووي رحمه الله: فيه دليل للشافعي وموافقيه في الصلاة على الميت الغائب انتهى.
ونسأل الله تعالى أن يتقبلهم شهداء، وأن يرزق أهلهم الصبر والسلوان.
والله أعلم.
- التصنيف: