مسؤولية الاخ عن ملابس اخته المتبرجة
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم اذا توفى الأب وترك ابنة متبرجة لاتلبس الحجاب هل يحق للأخ اجبارها عليه بالقوة او منعها من الخروج اذا اصرت على عدم لبسه؟ ام لا حق له في ذلك
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإن الله سبحانه وتعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعله قوام الدين وملاكه؛ فقال سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، وفي الصحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه أنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ"، ويزداد الوجوب في حق الأخ تجاه إخته؛ لأن الرحم توجب لها حرمة وحقًا، ومن حقها أن ينصحها ويهديها إلى مصالح آخرتها، وينقذها من مضارها ويسعى في عمارة آخرتها ودنياها، كمال أن الغيرة على الأخت من مظاهر الدين والرجولة والشهامة، وتركها على العكس من ذلك، بل هي دياثة مذمومة شرعاً وطبعاً، وهذا ما جعل الدفاع عن العرض مشروعاً، ومن مات في سبيل ذلك كان شهيدا؛ كما في روى أحمد وأصحاب السنن عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد"، وفي الصحيحين عن عبدالله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول؛ فالإمام راعٍ وهو مسؤول، والرجلُ راعٍ على أهله وهو مسؤول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول)).
فعليك أن تنصحها بالحجاب الشرعي وتنهاها عن التبرج، ومنعها من هذا المنكر بقدر استطاعتك.
قال ابن عبد البر: "التمهيد"(17/ 283): "فواجب على كل مسلم أن يعلم أهله ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم ويأمرهم به وواجب عليه أن ينهاهم عن كل ما لا يحل لهم ويوقفهم عليه ويمنعهم منه ويعلمهم ذلك كله لقول الله عز وجل : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]".
فإن أصرَّت على التبرج، فاجتهد في إقناعها بالحجاب، ولا سبيل للإكراه على الحجاب، مع الاستمرار في النصيحة برفق ولين؛ فبالكلمةُ الطيبة والموعِظة الحسنة تتحقَّق المَصلحةُ إن شاء الله، فالإسلام يُصحِّح عادات المسلم السيئة، ويَنقلها للأحسن؛ ولتعلمها أن المسلم ليس له الاختيار فيما فَرَضَه اللهُ عليه؛ قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، فما أمَرَ الله به لا يُترَك لهوى النفس، ولا لشهوات الدنيا الفانية، ولا لقول أحدٍ مِن البشر كائنًا مَن كان، ولا يَصِحُّ التعلُّل وخلق الأعذار في عدم الاستجابة لشرع الله تعالى، فكلُّ هذا خطرٌ على الدين ولا يَليق بمسلم أسلم وجهه لله واستسلم لأحكامه؛ وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، وقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
هذا؛ والمؤمن الحق هو من يعلم علم اليقين ما في المنهيات من المفاسد الغالبة، وما في المأمورات من المصالح الغالبة، بل يكفي المؤمن أن يعلم أن ما أمر الله به فهو لمصلحة محضة أو غالبة، وما نهى الله عنه فهو مفسدة محضة أو غالبة، وأن الله لا يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليهم، ولا نهاهم عما نهاهم بخلاً بة عليهم، بل أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عما فيه فسادهم؛ ولهذا وصف نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأنه {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40].
أما استعمال القوة فمداره على تحصيل المصلحة وتكميلها، ومنع المفسدة وتقليلها، فلو تمت المصلحة دون مفاسد كترك البيت أو زيادة الشر ونحو ذلك، فلا شك في جواز استعمال القوة، ولكن إن غلب على الظن زيادة الشر فلا يجوز التخشين، والتعويل حينئذ على الدعوة بالرفق واللين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى":(23/ 343): "فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين؛ فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، بحسب الإمكان؛ ومطلوبها ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعا، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعا". اهـ.
وقال أيضًا: (28/ 129): "فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد؛ فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنًا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به، بل يكون محرمًا إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة"،، والله أعلم.