أعاني من المازوخية والتخيلات الجنسية
خالد عبد المنعم الرفاعي
اعاني من مازوخية جنسية العمر 26ملتزمة والحمدلله لكن في العلاقة الزوجية لا أشعر بشيئ بدون تخيلات معينة عن هذا الأمر أشعر بغرابة في أمري هل أمر عادي ام عليي أن اصرف هذه التخيلات ارجو الرد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فالمازوخية هي إحدى اضطرابات التفضيل الجنسي Sexual Preference Disorder، وهي شذوذ جنسي يجعل صاحبه لا يصل إلى الإثارة الجنسية، إلا بالألم الجسدي والإهانة، وغيرها من ألوان التعذيب والإذلال والإهانة، كالصفع والسب والركل والخنق، وغيرها، فلا يمكن تشخيص المازوخية إلا إذا كان الأداء الجنسي الكامل مع الزوجته مستحيل من غير الإهانة والضرب والتعذيب، والتذلل للأنثى.
فإذا كان حالك كذلك فلابد من الذهاب لطبيب نفسي.
أما التخيلات الجنسية فتبدأ من ألقيات الشيطان بالخطرات المحرمة، وهي من تَمَنِّي القلب واشتهائه؛ ففي الصحيحين عن أبي هُريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كُتِبَ على ابن آدم نصيبُه من الزِّنا مُدرِكٌ ذلك لا محالة؛ فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجْل زِناها الخُطا، والقلب يَهوَى ويَتَمنَّى، ويُصَدِّق ذلك الفَرج ويُكَذِّبُهُ))؛ متفق عليه.
وعلاجها يتطلب أخذ النفس بالحزم، وقطع التخيُّلات، بقطع تلك الخطرات وعدم الاسترسال معها، والإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته والإنابة إليه في محل خواطر النفس وأمانيها، مع الاستمرار في الدعاء بيقين، وعدم الالتفات لتلك الخطرات، فالله سبحانه وتعالى جَوَادٌ، كَرِيمٌ، قريبٌ، مجيبٌ يَغْضَبُ عَلَى مَن لَا يَسْأَلُهُ؛ قال الله - سبحانه - { أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وهوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَهَّابٌ، كَرِيمٌ، بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ؛ قال الله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
هذا؛ ومن أعظم من فصّل أمر الخطرات وعلاجها الإمام ابن القيم، فقال في كتابه "الجواب الكافي"(ص: 154-157) فقال: "وأما الخطرات: فشأنها أصعب، فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهرًا إلى الهلكات، ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير منى باطلة... فالقلب لوح فارغ، والخواطر نقوش تنقش فيه، فكيف يليق بالعاقل أن يكون نقوش لوحه ما بين كذب وغرور وخدع، وأماني باطلة، وسراب لا حقيقة له؟ فأي حكمة وعلم وهدى ينتقش مع هذه النقوش؟ وإذا أراد أن ينتقش ذلك في لوح قلبه كان بمنزلة كتابة العلم النافع في محل مشغول بكتابة ما لا منفعة فيه، فإن لم يفرغ القلب من الخواطر الردية، لم تستقر فيه الخواطر النافعة، فإنها لا تستقر إلا في محل فارغ".
وقال أيضًا في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين" (ص: 175-176): "قاعدة: فى ذكر طريق يوصل إلى الاستقامة فى الأحوال والأقوال والأعمال، وهى شيئان:
أحدهما: حراسة الخواطر وحفظها، والحذر من إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء، لأنها هى بذر الشيطان، والنفس فى أَرض القلب، فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات، ثم يسقيها حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأَعمال ولا ريب أن دفع الخواطر أَيسر من دفع الإِرادات والعزائم، فيجد العبد نفسه عاجزاً أو كالعاجز عن دفعها بعد أن صارت إرادة جازمة، وهو المفرط إذا لم يدفعها وهى خاطر ضعيف، كمن تهاون بشرارة من نار وقعت فى حطب يابس، فلما تمكنت منه عجز عن إطفائها، فإن قلت: فما الطريق إلى حفظ الخواطر؟
قلت: أسباب عدة: أحدها: العلم الجازم باطلاع الرب تعالى ونظره إلى قلبك وعلمه بتفصيل خواطرك.
الثانى: حياؤك منه.
الثالث: إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر فى بيته الذى خلقه لمعرفته ومحبته.
الرابع: خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.
الخامس: إيثارك له أن تساكن قلبك غير محبته.
السادس: خشيتك أن تتولد تلك الخواطر يستعر شرارها فتأْكل ما فى القلب من الإيمان ومحبة الله فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.
السابع: أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحب الذى يلقى للطائر ليصاد به، فاعلم أن كل خاطر منها فهو حبة فى فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.
الثامن: أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هى وخواطر الإيمان ودواعى المحبة والإنابة أصلاً، بل هى ضدها من كل وجه، وما اجتمعا فى قلب إلا وغلب أحدهما صاحبه وأخرجه واستوطن مكانه فما الظن بقلب غلبت خواطر النفس والشيطان فيه خواطر الإيمان والمعرفة والمحبة فأَخرجتها واستوطنت مكانها، لكن لو كان للقلب حياة لشعر بألم ذلك وأحس بمصابه.
التاسع: أن يعلم أن تلك الخواطر بحر من بحور الخيال لا ساحل له، فإذا دخل القلب فى غمراته غرق فيه وتاه فى ظلماته فيطلب الخلاص منه فلا يجد إليه سبيلاً، فقلب تملكه الخواطر بعيد من الفلاح معذب مشغول بما لا يفيد.
العاشر: أن تلك الخواطر هى وادى الحمقى وأَمانى الجاهلين، فلا تثمر لصاحبها إلا الندامة
والخزى، وإذا غلبت على القلب أورثته الوساوس وعزلته عن سلطانها وأفسدت عليه رعيته وأَلقته فى الأسر الطويل كما أن هذا معلوم فى الخواطر النفسانية فهكذا الخواطر الإيمانية الرحمانية هى أصل الخير كله، فإن أرض القلب إذا بذر فيها خواطر الإيمان والخشية والمحبة والإنابة والتصديق بالوعد ورجاء الثواب، وسقيت مرة بعد مرة، وتعاهدها صاحبها بحفظها ومراعاتها والقيام عليها، أثمرت له كل فعل جميل، وملأت قلبه من الخيرات، واستعملت جوارحه فى الطاعات، واستقر بها الملك فى سلطانه واستقامت له رعيته، ولهذا لما تحققت طائفة من السالكين ذلك عملت على حفظ الخواطر، وكان ذلك هو سيرها وجل عملها وهذا نافع لصاحبه بشرطين: أحدهما: أن لا يترك به واجباً، ولا سنة، الثانى: أن لا يجعل مجرد حفظها هو المقصود بل لا يتم ذلك إلا بأن يجعل موضعها خواطر الإِيمان والمحبة والإِنابة والتوكل والخشية فيفرّغ قلبه من تلك الخواطر ويعمره بأضدادها، وإلا فمتى عمل على تفريغه منها معاً كان خاسراً، فلا بد من التفطن لهذا".
هذا؛ والله أعلم.