حكم عبادات الشيعي الذي تاب
السلام عليكم أنا كنت شيعي لكن مررت في فترة كنت فيها معتدل يعني لم ارتكب اي من ماهو مخرج من الملة لكن مع ذالك الحمدلله اهتديت بشكل كامل للحق فأريد أن اعرف حكم العبادات التي كانت في تلك الفترة هل هي مقبولة ام لا؟ واذا كانت لا هل عليّ أن أعيد شيء منها؟ ومع العلم تلك العبادات كانت على الطريقة الشيعية وبارك الله فيكم
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فالحمد لله الذي منّ عليك بالتوبة للإعتقاد الصحيح، نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الإسلام والسنة،،
ومن المقرر الثابت بالكتاب والسنة الصحيحة أن كل ذنب فيه وعيد، فإن لحوق الوعيد مشروط بعدم التوبة؛ كما قال الله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136]، وقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].
وقال تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 119]، وقوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا* وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 70، 71]، وقال: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، وقال تعالى:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْ} [مريم: 60]، وقال تعالى:{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
وقال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ}[النساء: 18]َ، قال أبو العالية: سألت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقالوا لي: "كل من عصى الله فهو جاهل، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب".
فعبادة التوبة من أعظيم العبادات، وهي محض فضل من الله تعالى، فالله سبحانه يقبل توبة كل من تاب إليه توبة نصوحًا، واجتمعت فيه شروط التوبة من الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم معاودته، والندم على فعله، فيقطع بقبول توبته، ومهما عظم الذنب وقبح الكفر وغلظ الشرك، فإن التوبة تمحو ذلك جميعًا، والله سبحانه وتعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب، تفضلاً من الله ورحمة؛ لأن المغفرة من وعد الله والله لا يخلف الميعاد؛ قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[الشورى:25]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له".
شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (18/185- 186): "فالمغفرة العامة لجميع الذنوب نوعان:
أحدهما: المغفرة لمن تاب كما في قوله تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، إلى قوله: {ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}، فهذا السياق مع سبب نزول الآية يبين أن المعنى لا ييأس مذنب من مغفرة الله، ولو كانت ذنوبه ما كانت؛ فإن الله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لعبده التائب.
وقد دخل في هذا العموم الشرك وغيره من الذنوب، فإن الله تعالى يغفر ذلك لمن تاب منه؛ قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: 5]، إلى قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[التوبة: 5]، وقال في الآية الأخرى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}[التوبة: 11]، وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]، إلى قوله {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 74]، هذا القول الجامع بالمغفرة لكل ذنب للتائب منه - كما دل عليه القرآن والحديث - هو الصواب عند جماهير أهل العلم، وإن كان من الناس من يستثني بعض الذنوب، كقول بعضهم: أن توبة الداعية إلى البدع لا تقبل باطنًا؛ للحديث الإسرائيلي الذي فيه: (فكيف من أضللت)، وهذا غلط؛ فإن الله قد بين في كتابه وسنة رسوله أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع؛ وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10]، قال الحسن البصري: "انظروا إلى هذا الكرم! عذبوا أولياءه وفتنوهم، ثم هو يدعوهم إلى التوبة".
وكذلك توبة القاتل ونحوه، وحديث أبي سعيد المتفق عليه في الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا يدل على قبول توبته، وليس في الكتاب والسنة ما ينافي ذلك، ولا نصوص الوعيد - فيه وفي غيره من الكبائر - بمنافية لنصوص قبول التوبة.
فإنه قد علم يقينًا أن كل ذنب فيه وعيد، فإن لحوق الوعيد مشروط بعدم التوبة؛ إذ نصوص التوبة مبيّنة لتلك النصوص" اهـ..
أما العبادات التي قمت بها وأنت على مذهب الشيعة فإن كانت مما شرعه الله كالصلاة والزكاة والصدقة، وغيرها، فهي مقبولة بعد التوبة حتى ولو وقعت في الشرك قبل التوبة؛ وقد سأل حكيمُ بن حزام - رضي الله عنْه - النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عن عتاقة وصلة وبرٍّ فعلَه في الشِّرك: هل يثاب عليه؟ فقال النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير)).
فالحديث نصٌ في أنَّ الإسلام يعيد ثوابَ تلك الحسنات التي كانتْ باطلة بسبب الشِّرْك، فلمَّا تاب من الشِّرك عاد إليه ثواب الحسناتِ المتقدِّمة، أحْرقت التوبة ما كان قبلها من السيِّئات، وأعادت ثواب الحسنات،، والله أعلم.
- المصدر: