هل نقتدي بالصحابي إذا ضرب زوجته
خالد عبد المنعم الرفاعي
نرجوا ردا سريعا! السلام عليكم ورحمة الله و بركاته اعرف زوج يضرب امراته ضرب شنيع، و تقول له زوجته "اتق الله" و لكن يرد عليها و يقول : ان ضرب الزوجات فعله الصحابة و منهم ثابت بن قيس انه رضى الله عنه كسر يد زوجته، و كسر يد زوجته لم يقدح فيه و لم ينكر النبى هذا الفعل و هو من اهل الجنة... فمعنى هذا ان هذا الزوج لن يحاسب على ضربه لزوجته حسب فهم زوجها...، و انا ابحث عن فتوى لنرد على ادعاء زوجها بان ضربه لزوجته جائز بهذا الشكل، فهو قال انه لو وجد دليل يخالف ما يقوله سيتوف من الضرب... و جزاكم الله خيراً
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن كان ما ذُكر عن هذا الرجل صحيحًا فهو دليل على الجهل الشديد بالسنة النبوية المشرفةن، جاهل بأصول الشريعة، ولا يعرف شيئًا عن قواعد الاستدلال، ومذاهب الصحابة، ومع الأسف فإن جهله ليس جهلاً بسيطًا، بل هو جهل مركب حيث يعتقد قولاً باطلاً، وعند التحقيق لا هو علم ولا ظن بل جهل مركب؛ وقد قال الله تعالى في حق من يظن أنه على شيء ثم تبين له عند انكشاف الحقائق خلاف ما كان يظنه: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].
ولم يقل أحد من أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم إن الضرب مباح، أو أنه تشريعًا عامًا لجميع النساء؛ لأن النساء تتفاوت تفاوتًا عظيمًا، فمنهن من تزجرها مجرد النظرة، ومنهن من ترتدع بالزجرة، ومنهن من تنفعها إلا الضرب الخفيف كما يفعله الأب الشفيق مع ابنه، والشريعة الإسلامية تستوعب جميع الخلق، فهي دين الله الخاتم، الذي أنزله من يعلم ما تنطوي عليه حنايا خلقه، ما يصلحهم، شريعة تواجه واقع وظروف جميع الناس بوسائل عمليه.
فالزوجة عندما تنشز وتترفع على الرجل أو تسبه، أو غير ذلك، فحينئذ يأمر الشارع الحكيم بالموعظة أولاً، ثم بالهجران، ليحملها على توفية حقه، فإن لم يجد فضرب الأدب غير المبرح؛ قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34].
ومن تأمل فعل أكمل الخلق صلى الله عليه وسلم علم أنه لم يضرب أيًا من زوجاته قط؛ ففي الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل".
وروى أبو داود عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إماء الله"، فجاء عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذَئِرْنَ النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم"، وفي رواية: "وَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ".
وقال الإمام البخاري في صحيحه: بابٌ ما يكره من ضرب النساء، وقول الله تعالى (وَاضْرِبُوهُنَّ)، أي ضرباً غير مبرح، ثم ساق بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم".
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (11/214): "فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقاً، بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم... إن كان لا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير".
وروى أبو داود، عن معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت".
ومن تأمل تلك النصوص وغيرها كثير، بل ومن علم قواعد الشريعة الكبار= أيقن أن ما روي عن الصحابي ثابت بن قيس انه رضى الله عنه كسر يد زوجته، يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومما لا شك فيه أن قول النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على كل قول، ولا يعقل أن ترد سنة أكمل الخلق وأعدلهم، وأرحكمهم وأحكمهم، لقول أي أحد، وهذا مما أجمع عليه أهل العلم.
قال الإمام الشافعي: واتفقوا أنه لا يحل لأحد قد استبانت له سنة من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتركها لقول أحد كائناً من كان.
قال صاحب الظلال عن قوله تعال: {وَاضْرِبُوهُنَّ}: "... استصحاب المعاني السابقة كلها، واستصحاب الهدف من هذه الإجراءات كلها- يمنع أن يكون هذا الضرب تعذيباً للانتقام والتشفي، ويمنع أن يكون إهانة للإذلال والتحقير، ويمنع أن يكون أيضاً للقسر والإرغام على معيشة لا ترضاها، ويحدد أن يكون ضرب تأديب، مصحوب بعاطفة المؤدب المربي كما يزاوله الأب مع أبنائه، وكما يزاوله المربي مع تلميذه.
ومعروف- بالضرورة - أن هذه الإجراءات كلها لا موضع لها في حالة الوفاق بين الشريكين في المؤسسة الخطيرة، وإنما هي لمواجهة خطر الفساد والتصدع، فهي لا تكون إلا وهناك انحراف ما هو الذي تعالجه هذه الإجراءات، وحين لا تجدي الموعظة، ولا يجدي الهجر في المضاجع، لا بد أن يكون هذا الانحراف من نوع آخر، ومن مستوى آخر، لا تجدي فيه الوسائل الأخرى، وقد تجدي فيه هذه الوسيلة!
وشواهد الواقع، والملاحظات النفسية، على بعض أنواع الانحراف، تقول: إن هذه الوسيلة تكون أنسب الوسائل لإشباع انحراف نفسي معين، واصلاح سلوك صاحبه، وإرضائه في الوقت ذاته
فربما كان من النساء من لا تحس قوة الرجل الذي تحب نفسها أن تجعله قيماً، وترضى به زوجاً إلا حين يقهرها عضلياً!
وليست هذه طبيعة كل امرأة، ولكن هذا الصنف من النساء موجود، وهو الذي قد يحتاج إلى هذه المرحلة الأخيرة؛ ليستقيم، ويبقي على المؤسسة الخطيرة في سلم وطمأنينة.
وهو- سبحانه- يقررها، في جو وفي ملابسات تحدد صفتها، وتحدد النية المصاحبة لها، وتحدد الغاية من ورائها. بحيث لا يحسب على منهج الله تلك المفهومات الخاطئة للناس في عهود الجاهلية حين يتحول الرجل جلاداً - باسم الدين! - وتتحول المرأة رقيقاً - باسم الدين!
وقد أبيحت هذه الإجراءات لمعالجة أعراض النشوز- قبل استفحالها- وأحيطت بالتحذيرات من سوء استعمالها، فور تقريرها وإباحتها، وتولى الرسول- صلى الله عليه وسلم- بسنته العملية في بيته مع أهله، وبتوجيهاته الكلامية علاج الغلو هنا وهناك، وتصحيح المفهومات في أقوال كثيرة.
إلى أن قال: وعلى أية حال فقد جعل لهذه الإجراءات حدٌ تقف عنده- متى تحققت الغاية- عند مرحلة من مراحل هذه الإجراءات. فلا تتجاوز إلى ما وراءها: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}.
بل قد نبيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن أعلى الناس رتبة في الخير، هو من كان خير الناس لأهله؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم"؛ رواه أحمد والترمذي وصححه. وهو نصٌ في أن الزوجة هي الأحق بالبشر وحسن الخلق، والإحسان وجلب النفع ودفع الضر. وقال أيضًا - صلى الله عليه وسلم -:"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"؛ رواه الترمذي وصححه!
أما ورد من ضرب ثابت بن قيس بن شماس امرأته فكسر يدها، وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي، فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ثابت، فقال له: خذ الذي لها عليك وخل سبيلها؟ قال: نعم، فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها؛ رواه النسائي.
ورواه البخاري من حديث ابن عباس قال: "جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إني ما أُعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة".
وقولها: (ما أعتب عليه في خلق ولا دين): قال الحافظ ابن حجر كما في "فتح الباري" (9/ 399-400): "أي لا أريد مفارقته لسوء خلقه، ولا لنقصان دينه، ولكني لا أطيقه بغضًا، وهذا ظاهره أنه لم يصنع بها شيئًا يقتضي الشكوى منه بسببه، لكن تقدم من رواية النسائي أنه كسر يدها! فيحمل على أنها أرادت أنه سيء الخلق لكنها ما تعيبه بذلك، بل بشيء آخر. بل وقع التصريح بسبب آخر وهو أنه كان دميم الخلقة؛ ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند بن ماجه كانت حبيبة بنت سهل عند ثابت بن قيس وكان رجلاً دميمًا فقالت: (والله لولا مخافة الله إذا دخل علي لبصقت في وجهه)". اهـ.
والحاصل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعاقب ثابت ابن قيس ولا عنفه؛ لأن زوجته لم تشكه ولم تختلع منه بسبب الضرب بل بسبب الكره؛ وربما حملها ضربها على كرهها إياه فلم تهدأ لها نفس حتى اختلعت منه.
أما من قال من العلماء: "إن قول الصحابي حجة"، فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة، ولا عرف نصٌ يخالفه، ثم إذا اشتهر ولم ينكروه كان إقرارًا على القول. فقد يقال: هذا إجماع إقراري؛ إذا عرف أنهم أقروه ولم ينكره أحد منهم، وهم لا يقرون على باطل. وأما إذا لم يشتهر: فهذا إن عرف أن غيره لم يخالفه، فقد يقال: هو حجة، وأما إذا عرف أنه خالفه، فليس بحجة بالاتفاق.
وأما إذا لم يعرف هل وافقه غيره أو خالفه لم يجزم بأحدهما. ومتى كانت السنة تدل على خلافه كانت الحجة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فيما يخالفها بلا ريب عند أهل العلم"؛ قاله شيخ الإسلام ابن تيمية "مجموع الفتاوى" (1/ 283).
إذا تقرر هذا علم أن الاحتجاج بفعل ثابت ابن قيس على جواز ضرب الزوجة باطل بالنص والإجماع والبدهية الشرعية،، والله أعلم.