أجد صعوبة في التعامل مع مفهوم الغيبة
الغيبة اجد فيها صعوبة شديدة في التعامل مع مفهومها فهل كل ما هو ذكر لموقف يعتبر غيبة ؟ هل لو قلت لفلان انني مثلا بالامس كنت مع فلان واكلت معه غيبه ؟ هل لو قام شخص بعمل موقف سئ معي و اشتكيت لاخر بان فلان بالامس قام بفعل كذا و كذا معي غيبة ؟ هل ذكر الانسان السئ بسلوكه و التحذير منه غيبه ؟ الموضوع جد صعب و مخيف
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثمَّ أمَّا بعد:
فإن الغيبة ذكر الرجل في حال غيبته بما يكرهه لو سمعه، وهي كبيرة من الكبائر؛ بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12]، وروى أحمد وأبو داود عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما عرج بي ربي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم".
وقد بين أهل العلم المواضع التي تباح الغيبة فيها لغرض شرعي: كالتظلم، والاستعانة على تغيير المنكر، والاستفتاء، وتحذير المسلمين من شر الفاسق أو مبتدع أو النصيحتة عمومًا، وكذلك المجاهرا بالفسق أو البدعة.
جاء في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (6/ 570) لأبي العباس القرطبي: " قد تخرج عن ذلك الأصل -حرمة الغيبة - صور، فتجوز الغيبة في بعضها، وتجب في بعضها، ويندب إليها في بعضها: فالأولى كغيبة المعلن بالفسق المعروف به، فيجوز ذكره بفسقه لا بغيره، مما يكون مشهورًا به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "بئس أخو العشيرة"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا غيبة في فاسق"، ولقوله: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته".
والثاني: جرح شاهد عند خوف إمضاء الحكم بشهادته، وجرح المحُدث الذي يخاف أن يعمل بحديثه، أو يروى عنه، وهذه أمور ضرورية في الدين، معمول بها، مجمع من السلف الصالح عليها.
ونحو ذلك: ذكر عيب من استنصحت في مصاهرته أو معاملته، فهذا يجب عليك الإعلام بما تعلم من هَنَاته عند الحاجة إلى ذلك، على جهة الإخبار؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما معاوية فصعلوك؛ لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه".
وقد يكون من هذين النوعين ما لا يجب، بل يندب إليه، كفعل المحدثين حين يعرفون بالضعفاء مخافة الاغترار بحديثهم، وكتحريز من لم يسأل مخافة معاملة من حاله تجهل، وحيث حكمنا بوجوب النص على العيب، فإنما ذلك إذا لم نجد بدًا من التصريح والتنصيص، فأما لو أغنى التعريض والتلويح، لحرم التنصيص والتصريح؛ فإن ذلك أمر ضروري، والضروري يقدر بقدر الحاجة". اهـ.
إذا تقرر هذا علمت أنه ليس كل ذِكر للغائب يعتبر غيبة محرمة إلا إذا اقترن بذم المذكور، أما الكلام العادي: مثل قابلت فلانًا فلا يعد غيبة؛ لأنه ليس فيه ذكر بما يكره، وكذلك الحال في التشكي.
أما تحذير المسلمين من سوء خلق أحد فمن باب النهي عن المنكر
وفي ظني أن الشيطان هو من يشعرك بتلك الصعوبة، وإلا فالأمر غاية في اليسر الأمر،، والله أعلم.
- المصدر: