المساواة في الميراث
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما حكم الاشخاص الذين يطالبون بالمساواة في الميراث وكيف نرد عليهم؟ وبارك الله فيكم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فمن يتدبرون كتاب الكون المنظور، ويتأملون ما ينطق به القرآن العظيم كتابُ الله المقروء، وما يوحي به من الغايات والحكم= يوقن أنه سبحانه خالق كلّ شيء وربّه ومليكه، وأن له فيما خلقه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ورحمة عامة وخاصة، وأنه سبحانه وعز وجلّ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، إثباتًا لقدرته، لا نفيًا لحكمته وعدله، ولا لمجرَّد قدرته وقهره وإحاطته وعموم مشيئته، بل لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته؛ فإنه سبحانه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7]، {الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88].
والله سبحانه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد؛ ولا أحد يمكنه أن يعارضه إذا شاء شيئًا بل هو قادر على فعل ما يشاء؛ {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [الرعد: 41].
أما بخصوص نظام الإسلامي في التوريث، فهو نظام متناسق، ومتكامل؛ يظهر هذا جليًا لمن تأمل آيات المواريث والأحاديث الصحيحة، ويعلم علم اليقين أنه النظام العادل المتناسق مع الفطرة ابتداءً، ومع واقعيات الحياة العائلية والإنسانية كذلك؛ ويبدو هذا واضحًا حين نوازنه بأي نظام آخر عرفته البشرية في في القديم والحديث، في أية بقعة من بقاع الأرض على الإطلاق.
إنه نظام يراعي معنى التكافل العائلي كاملاً، ويوزع الأنصبة على قدر واجب كل فرد في الأسرة في هذا التكافل؛ فعَصَبة الميت هم أولى من يرثه بعد أصحاب الفروض كالوالد والوالدة؛ لأنهم هم أقرب من يتكفل به، ومن يؤدي عنه في الديات والمغارم.
ثم يراعي أصل تكوين الأسرة البشرية؛ فلا يحرم امرأة ولا صغيرًا لمجرد أنه امرأة أو صغير؛ فلا يميز جنسًا على جنس إلا بقدر أعبائه في التكافل العائلي والاجتماعي.
وهو نظام يراعي طبيعة الفطرة الحية بصفة عامة، وفطرة الإنسان بصفة خاصة. فيقدم الذرية في الإرث على الأصول وعلى بقية القرابة؛ لأن الجيل الناشئ هو أداة الامتداد وحفظ النوع، فهو أولى بالرعاية - من وجهة نظر الفطرة الحية - ومع هذا فلم يحرم الأصول، ولم يحرم بقية القرابات، بل جعل لكل نصيبه.
مع مراعاة منطق الفطرة الأصيل.
وهو نظام يتمشى مع طبيعة الفطرة كذلك في تلبية رغبة الكائن الحي- وبخاصة الإنسان- في أن لا تنقطع صلته بنسله، وأن يمتد في هذا النسل. ومن ثم هذا النظام الذي يلبي هذه الرغبة، ويطمئن الإنسان الذي بذل جهده في ادخار شيء من ثمرة عمله، إلى أن نسله لن يُحرم من ثمرة هذا العمل، وأن جهده سيرثه أهله من بعده؛ مما يدعوه إلى مضاعفة الجهد، ومما يضمن للأمة النفع والفائدة - في مجموعها- من هذا الجهد المضاعف، مع عدم الإخلال بمبدأ التكافل الاجتماعي العام الصريح القوي في هذا النظام.
وأخيراً فهو نظام يضمن تفتيت الثروة المتجمعة، على رأس كل جيل، وإعادة توزيعها من جديد؛ فلا يدع مجالاً لتضخم الثروة وتكدسها في أيد قليلة ثابتة - كما يقع في الأنظمة التي تجعل الميراث لأكبر ولد ذكر، أو تحصره في طبقات قليلة، وهو من هذه الناحية أداة متجددة الفاعلية في إعادة التنظيم الاقتصادي في الجماعة، ورده إلى الاعتدال، دون تدخل مباشر من السلطات؛ هذا التدخل الذي لا تستريح إليه النفس البشرية بطبيعة ما ركب فيها من الحرص والشح.
فأما هذا التفتيت المستمر والتوزيع المتجدد فيتم والنفس به راضية، لأنه يماشي فطرتها وحرصها وشحها! وهذا هو الفارق الأصيل بين تشريع الله لهذه النفس وتشريع الناس! قاله صاحب "الظلال" بتصرف، ثم قال عند قوله تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]:
"... إن الله هو الذي يوصي، وهو الذي يفرض، وهو الذي يقسم الميراث بين الناس- كما أنه هو الذي يوصي ويفرض في كل شيء، وكما أنه هو الذي يقسم الأرزاق جملة - ومن عند الله ترد التنظيمات والشرائع والقوانين، وعن الله يتلقى الناس في أخص شؤون حياتهم - وهو توزيع أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم، وهذا هو الدين.
فليس للناس أن يقولوا: إنما نختار لأنفسنا؛ وإنما نحن أعرف بمصالحنا، فهذا- فوق أنه باطل- هو في الوقت ذاته توقح، وتبجح، وتعالم على الله، وادعاء لا يزعمه إلا متوقح جهول!
للبنت نصيباً واحداً، وللذكر نصيبين اثنين، وليس الأمر في هذا أمر محاباة لجنس على حساب جنس، إنما الأمر أمر توازن وعدل، بين أعباء الذكر وأعباء الأنثى في التكوين العائلي، وفي النظام الاجتماعي الإسلامي: فالرجل يتزوج امرأة، ويكلف إعالتها وإعالة أبنائها منه في كل حالة، وهي معه، وهي مطلقة منه.
أما هي فإما أن تقوم بنفسها فقط، وإما أن يقوم بها رجل قبل الزواج وبعده سواء. وليست مكلفة نفقة للزوج ولا للأبناء في أي حال، فالرجل مكلف - على الأقل - ضعف أعباء المرأة في التكوين العائلي، وفي النظام الاجتماعي الإسلامي؛ ومن ثم يبدو العدل، كما يبدو التناسق بين الغُنم والغُرم في هذا التوزيع الحكيم. ويبدو كل كلام في هذا التوزيع جهالة من ناحية، وسوء أدب مع الله من ناحية أخرى، وزعزعة للنظام الاجتماعي والأسريّ لا تستقيم معها حياة.
{فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ}: فالله هو الذي خلق الآباء والأبناء، والله هو الذي أعطى الأرزاق والأموال، والله هو الذي يفرض، وهو الذي يقسم، وهو الذي يشرع، وليس للبشر أن يشرعوا لأنفسهم، ولا أن يحكموا هواهم، كما أنهم لا يعرفون مصلحتهم".
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: