حكم بناء المساجد تحت المنازل
ما حكم بناء مساجد تحت المنازل حيث يعلوها شقق سكنية عديدة وما حكم الصلاة فيها وجزاكم الله خيرا
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ بِناء المساجد من أفضل أعمال البر والخير، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة؛ وقد صحّت أحاديثُ كثيرةٌ في فضل بناء المساجد؛ ومِنها:
- ما رواه البخاري ومسلم عن عُبيدالله الخولاني أنَّه سَمع عُثمان بن عفَّان يقول - عند قول الناسِ فيه حين بَنَى مسجِدَ الرَّسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم -: إنَّكم أكثرتُم، وإنِّي سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلم – يقول: ((مَنْ بَنَى مسجِدًا - قال بُكيْر: حسبتُ أنَّه قال: يبتغِي به وَجْهَ الله - بَنَى اللَّهُ له مثله في الجَنَّة)).
- وما رواه ابْنُ ماجه وابْنُ خُزيْمة والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ مِمَّا يلحق المؤمنَ مِن عمله وحسناته بعد موته علمًا علّمه ونشره، أو ولدًا صالحًا تَرَكَهُ أو مصحفًا ورَّثه أو مسجدًا بَنَاهُ أو بيتًا لابْنِ السبيل بناهُ أو نَهرًا أجراه أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياتِه تلحقه من بعد موته))؛ حسنه الألبانِي.
- وما رواه ابْنُ حِبَّان والبزَّار والطبرانِيُّ في الصغير عن أبِي ذَرٍّ – رضِيَ اللَّهُ عنه - قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم –: ((من بَنَى لِله مسجِدًا قَدْرَ مفحص قطاة، بَنَى الله له بيتًا في الجنة))؛ صححه الألباني.
وهذا الأجر العظيم والثواب الجزيلَ يحصله مَنْ بَنَى المسجدوهو يبتغي به وجهَ الله، كما في الحيث السابق، فلا يكن له فيه أيُّ حظ للنفس، حتى قال ابن الجوزي: "مَنْ كَتَبَ اسْمَهُ على مسجدٍ بناهُ فهو بعيد عن الإخلاص".
أما بناء المساجد أسفل المنازل بحيث تعلوها الشقق السكنية، فلم يصح في المنع شيء، لممنوع هو الصلاة في مكان نجس، وهو أرجح قولي أهل العلم، وهو قول الحنفية حيث نصوا على جواز البناء فوق المسجد أو تحته.
وذهب الشافعية والمالكية والحنابلة إلى جوزاز جعل علو الدار مسجدًا دون سفلها، أو سفلها دون علوها؛ لأنهما عينان يجوز وقفهما فجاز وقف أحدهما دون الآخر.
جاء في "المبسوط" للسرخسي (12/ 94) الحنفي: "عن محمد قال: إن جعل السفل مسجدًا: جاز، وإن جعل العلو مسجدًا دون السفل: لا يجوز؛ لأن المسجد ما له قرار، وتأبيد في السفل دون العلو. وعن الحسن بن زياد - رحمه الله - أنه إذا دخل العلو مسجدًا، والسفل مستغلاً للمسجد فهذا يجوز - استحسانا - وعن أبي يوسف أن ذلك كله جائز، رجع إليه حين قدم بغداد، ورأى ضيق المنازل بأهلها فجوّز أن يجعل العلو مسجدًا دون السفل، والسفل دون العلو، وهو مستقيم على أصله، وقد بينا أنه يوسع في الوقف فكذلك في المسجد". اهـ.
وجاء في البناية شرح الهداية (7/ 454) للعيني الحنفي: " (وروى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه) ش: أي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أنه قال: إذا جعل السفل مسجدًا وعلى ظهره مسكن فهو مسجد؛ لأن المسجد مما يتأبد، وذلك) ش: أي التأبيد. م: (يتحقق في السفل دون العلو).
فأجابوا : "لا مانع من كون المسجد تحت السكن إذا كان المسجد والسكن بُنيا من الأصل على هذا الوضع ، أو أحدث المسجد تحت السكن ، أما إذا كانت إقامة السكن فوق المسجد طارئة فإن هذا لا يجوز؛ لأن سقفه وما علاه تابع له". اهـ.
إذا تقرر هذا فيجوز بناء المساجد تحت المنازل بغير كراهة، كما يجوز الصلاة فيها بغير كراهة،، والله أعلم.
- المصدر: