فرائد من قصص الموحدين

منذ 2015-12-06

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، كل ضلالة في النار.

مكانة التوحيد في الإسلام:

عباد الله: التوحيد أصل الدين، وسر الخلق والأمر، خلق الله الكون بالتوحيد ولأجل التوحيد، والغاية من خلق الإنس والجن: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦].

حقيقة لا يعرفها المليارات في العالم، ويعرفها المسلمون دعوة جميع الرسل، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: 36].

هو حق الله على العبيد، وهو الذي يثمر الأمن التام في الدنيا والآخرة، توحيد بلا شرك: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام: 82].

توحيد بلا شرك سبب دخول الجنة، الأساس: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}[المائدة: 72].

التوحيد يمنع صاحبه من الخلود في النار، التوحيد شرط لقبول العمل: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف: 110].

التوحيد الذي إذا فقد لا يقبل الله عملاً من صاحب الشرك، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْء}[إبراهيم: 18].

يأتون يوم القيامة أعمالهم تصبح هباء منثورًا ، التوحيد يكفر الله به الخطايا، ويحط به السيئات، وتنال به شفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فشفاعته لا ينالها مشرك يستغيث بغير الله، أو يتقرب بعبادة لغير الله، بالتوحيد تنال شفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم-: ((أحق الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه))[رواه البخاري: 99، بلفظ: ((أسعد الناس بشفاعتي))].

لأجل التوحيد جرت السيوف للجهاد، وحقت كلمة الله على جميع العباد، وأرسل الله الرسل؛ لإقامة التوحيد لما انحرف البشرية في أمم عن التوحيد أرسلهم الله، وكان من أعظمهم بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم- إبراهيم الخليل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}[النحل: 120].

ناظر النمرود لأجل التوحيد، وكسر الأصنام لأجل التوحيد، وألقي في النار لأجل التوحيد، وأخرج من العراق إلى الشام لأجل التوحيد.

بعض صور المخلة بالتوحيد:

عباد الله: هذا التوحيد الذي ينبغي أن نتعلمه، ونعلمه أولادنا، وأن نحرص على ذلك ، كان أهل العلم يعلمونه للناس حتى أن بعضهم كان يعلمه للمكاري، أي صاحب الدابة الذي يستأجره.

هذا التوحيد كالمرآة الصافية يظهر فيه أي خدش، لو قال: ماشاء الله وشئت، ولم يقل، ثم يظهر الأثر مباشرة: حلف بالأمانة، بالشرف، بحياة أولاده، بغير الله، يظهر الخدش مباشرة، علق تميمة، علق أسورة يزعم أنها تدفع ضررًا، أو تجلب منفعة يظهر الخدش مباشرة: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}[الزمر: 38].

وما أكثر ما يذهب بعضهم إلى الدجالين، ليكتبوا لهم التمائم، فإذا فتحها أحدهم لم يجد فيها إلا خربشات، ومن تبرك بشيء، والبركة من الله، فالتمس البركة من غيره، أضله شيطانه.

وكان  بعضهم يذهب إلى شجرة على طريق صحراوي طلبًا للحاجات، كانت بعض النساء تأتيها لطلب الحبل، حتى صار ما عندها عفن وبلى من كثرة النجاسات، ولا زال أولئك على تلك العقلية.

ومنهم من يذبح لغير الله، ويأتي الضريح فيتقرب إليه، ويمر العظيم من الناس، وعند مروره في الشارع يذبحون، فتلك ذبائح كلها لغير الله، ولذلك نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله، ولذلك لما جاءه رجل نذر أن يذبح إبلاً ببوانة، اسم موضع، سأله عليه الصلاة والسلام: ((هل كان فيها من وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟)) قالوا: لا، قال: ((فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قالوا: لا، قال: ((أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله))[رواه أبو داود: 3315، وابن ماجه: 2130، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 3437].

وكذلك عندما تنذر النذور وتقرب القرابين لهؤلاء الموتى الذين تنقل اليوم كثير من فضائيات الشرك صورهم، وهم يتقربون إلى الضريح: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}[الحن: 6].

وهكذا كان الشرك في العرب، وجاء هذا التوحيد لمحو ذلك، الدين يعلمنا الاستغاثة بالله لا بغيره: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ}[يونس: 106-107].

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ذكر لي غير واحد أنهم استغاثوا بي، يعني في سفرة غابها، كل يذكر قصة، فقلت: لم أجب أحدًا منهم، ولا علمت باستغاثته، فقال بعضهم: لعله يكون ملكًا، قلت: الملك لا يغيث المشرك، إنما هو شيطان، وقد تمثلت الشياطين بصور من الآدميين لإضلال البشر، وهذا ما يفعله شيطانان عندما يتمثلان لأبوي رجل، يعرض عليه الدجال الإيمان به، ويقول: إن أحييت أبويك تؤمن بي: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ *  وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا} [الأعراف: 191-192]. وهكذا ترى اليوم من يعتقد بالطاقة، والاستمداد من الطاقة الكونية، ويعلقون أسورة الطاقة، ويؤمنون باليانج، واليانج، وغيرها، إن هي إلا شرك بالله، وكفر به، فلا ينفع إلا الله، ولا يستمد الخير إلا منه.

أما من يقول: تستمد الثروة والشفاء والسعادة من هذه الطاقة، وبالجذب من الكلى والطاو، فإنما هم مشركون بالله -عز وجل-.

عباد الله: إن الله -سبحانه وتعالى- خالق الأشياء ومسببها، وهو المستحق للعبادة دون غيره: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}[المائدة: 77].

هؤلاء قوم نوح أشركوا بصالحين، والنصارى غلو في عيسى -عليه السلام-.

وبعضهم اليوم يشرك بعلي والحسين، ويشركون كذلك بالرفاعي، ومحي الدين، والمرسي، والبدوي، حتى أنهم يعتقدون في ذلك اعتقادات فظيعة، وينادون غير الله، وكان المشركون من العرب إذا ركبوا في الفلك، فلعب بهم الموج، وعصفت بهم الريح، تركوا الاستغاثة بهبل واللات والعزى ومناة، واستغاثوا بالله يعلمون أنه  لا ينجيهم في البحر إلا هو، وهذا الذي هدى عكرمة لما قال: "إذا كان لا ينجيني إلا في البحر إلا هو فلا ينجيني في البر إلا هو" لكن بعض مشركي زماننا أسوأ شركًا من مشركي الجاهلية، فإذا صاروا في الشدة نادوا غير الله، ولا يجوز مناداة غير الله، لا ملك، ولا نبي، ولا صحابي، ولا ولي.

عباد الله: كم ذبح التوحيد على نصب الشرك، كم أسرجت قبور، وفعل عندها من أنواع الشرك ما فعل، حتى قال الإمام الشوكاني -رحمه الله- من أهل اليمن: "روي لنا من بعض الجهات عن قبة موضوعة على قبر إمام من الأئمة، جاءها عامي رآها مسرجة بالشمع مضاءة، والبخور ينفح في نواحيها، وعليها الستور من الحرير، فجاء إلى الباب، فقال: أمسيت بالخير يا أرحم الراحمين" فهكذا ينادي غير الله، وكم جعلت هذه الأضرحة مجالاً لأخذ الأموال، والاسترزاق من المغفلين فيجمع ما يلقى عندها ممن يزعم التقرب إلى صاحب القبر، وقد ضرب أهل العلم الأمثلة في محاربة ذلك، قال الشيخ صلاح الدين الصفدي -رحمه الله- في تاريخه : "رأيت جماعة يعتقدون أن الشمس إذا كانت في الحمل، وتوجه أحدهم إلى أبي الهول، وبخر أمامه، وقال ثلاثًا وستين مرة كلمات يحفظونها، ويقول له: افعل لي كذا أنه يقع، فقام الشيخ قطب الدين القسطلاني -رحمه الله تعالى- ذهب إليه، فقال: يا فلان افعل كذا، إهانة وعكسًا، لذلك المقصد أمام الناس، ثم يقول لهم: أين عقولكم لم يفعل شيئًا؟"

وذكر الإمام ابن كثير -رحمه الله-، ذكر كيف أمر المتوكل -رحمه الله- بهدم تلك القبة على قبر من القبور حولها من المنازل والدور ما حولها، ما نشأت إلا بذلك الضريح، وقال أبو شامة -رحمه الله-: "ولقد أعجبني ما صنعه الشيخ أبو إسحاق الجبائي، أحد الصالحين ببلاد إفريقيا، في المائة الرابعة، كان لديهم عين تسمى: عين العافية، هكذا سماها الناس، قد فتنوا بها، يأتونها من الآفاق من به مرض متعسر، ومن يريد نكاحًا، أو ولدًا وتعذر عليه، يقول: امضوا بنا إلى العافية، قال أبو عبد الله: فإنا في السحر قبل الفجر ذات ليلة إذا سمعت أذان أبي إسحاق نحوها، فخرجت فوجدته قد هدمها، وأذن الصبح عليها، ثم قال: اللهم إني هدمتها لك، فلا ترفع لها رأسًا".

عباد الله: ما أوتيت هذه الأمة أكثر وأشد وأسوأ مما أوتيت من جهة الشرك، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عودة عبادة الأوثان إليها، واضطراب إليات نساء منها حول ذي الخلصة، يعبدونه من دون الله.

اللهم اجعلنا لك موحدين، لك ذاكرين، لك شاكرين، بك مستعينين، عليك متوكلين، واغفر لنا يا أرحم الراحمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أشهد أن لا إله إلا الله حقًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صدقًا، صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه، وذريته الطيبين، وآله، وأزواجه، وخلفائه الميامن، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

خطر السحرة والعرافين:

عباد الله: كم نُكب التوحيد من عرَّاف شاع أمره بين الناس، وكم من الناس اليوم يترددون على السحرة والعرافين، ويسألونهم، ويلجؤون إليهم، والله -تعالى- قد حرم ذلك، وقال نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ((من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد))[رواه أحمد: 9536، وقال محققو المسند: "حسن رجاله ثقات رجال الصحيح"].

((وإن أتاه لم تقبل له صلاة أربعين يومًا))[رواه مسلم: 2230].

هكذا لما ناظر بعض أهل العلم عرافًا من العرافين، فقال له العالم: إني أريد أن أسألك سؤالاً، فقال العراف: ما هو؟ فقال العالم: واعجبًا إنك كنت عرافًا تعلم الغيب، فكيف لم تدر ما هو السؤال قبل أن اسألك إياه؟.

يا عباد الله: أنواع اليوم أنواع من العرافة تظهر في فضائيات، وكرة الكريستال، واستعمال الخط، والضرب بالودع، وفي الرمل، ونحو ذلك من الوسائل القديمة والحديثة في ادعاء علم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله. وكذلك نرى من يزعم التأثير بالأحجار الكريمة بزعمهم في حياة الناس، وهذا الحجر الفلاني يجلب السعادة، وهذا يجلب الثراء، وهذا وهذا مما يقال فيه البسه أو علقه أو اشرب مسحوقه، ونحو ذلك، كم وكم من الشركيات القديمة ظهرت بصورة جديدة في عصر الفضائيات والشبكات، والمبدأ واحد هو هو. وكذلك الزعم أن النجوم والأبراج تؤثر في حياة الناس تفعل وتفعل، والله -سبحانه وتعالى- جعل النجوم زينة للسماء، وعلامات يهتدى بها، ورجومًا للشياطين، فمن ادعى فيها غير ذلك من التأثير، فقد أعظم على الله الفرية.

وكثير من هؤلاء المنجمين أخبارهم مضحكة، حتى أن بعضهم استضاف منجمًا، فأحسن له الضيافة، فأراد المنجم أن يرد له الجميل بزعمه، فرأى طفلاً لدى صاحب الدار، فقال له: إن هذا الطفل سيكون أسعد الرجال، ويتولى الرئاسة، وينتصر في كذا وكذا، فقال له صاحب الديار: عفوًا أيها الرجل فإن هذا الطفل بنت، وليس ذكرا!.

وهناك من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله، وهناك من أنواع الناس من لا يصبر على قضاء الله -سبحانه وتعالى-، حتى يستغيث بهؤلاء المنجمين، أو من يقال عنهم رجال الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله.

عباد الله: إن من أطاع أحدًا في تحليل شيء حرمه الله، أو تحريم شيء أحله الله، فقد اتخذه إلهًا من دون الله.

وينبغي أن نطهر ألسنتنا من الحلف بغير الله، وقد جاء يهودي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت [رواه الطبراني في الكبير: 21122، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة:136].

فلا يساوي الخالق بالمخلوق، وبعض الناس تراه يقول في عبارات: مالي إلا الله وأنت! فيسوي المخلوق بالخالق، ليته قال: مالي إلا الله ثم أنت، لكن: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف: 106]. فيزعمون الإيمان من جهة، ويقعون في الشرك من جهة، وتراه يقول: الله لي في السماء وأنت لي في الأرض.

اللهم لك في الأرض وفي السماء، يدبر الأمر في الأرض وفي السماء الله -سبحانه وتعالى-.

وكذلك ترى هنالك من يهزل بشيء فيه ذكر الله، أو حكم من أحكام الله -سبحانه وتعالى-، والاستهزاء بشرعه عز وجل عدوان عظيم على التوحيد، كفر بالله.

وجوب حماية جناب التوحيد:

عباد الله: يجب أن نبذل الغالي والنفيس في سبيل حماية التوحيد كما أرادت الشريعة أن تحميه، وألا نترك شيئًا من ذلك لمغنم دنيوي، ولما غزا الإمام محمود الغزوني -رحمه الله- الهند، وقدم على صنم عظيم لهم يقال له: سونمات، يحجون له من أطراف الهند، وتقرّب إليه القرابين، وتذبح عنده الذبائح، ويؤتى إليه بالنذور، وأنواع الأموال، ويتمسحون به كما يرون يتمسحون بالبقر اليوم، ويمرون من تحتها زعمًا أنها تعطيهم وتعطيهم، فأراد الإمام أن يحرق الصنم، ويكسره فبذل له أصحاب الصنم أموالاً عظيمة طائلة ليتركه لهم، حتى قال له بعض الجند، أي الإمام خذ المال، وانتفع به للمسلمين، واترك لهم الصنم، قال: "سأستخير الله، وأنظر في أمري"، فلما أصبح هدمه، وقال: "لأن يقال يوم القيامة هذا محمود الذي كسر الصنم أحب إليّ من أن يقال هذا محمود الذي أخذ المال" فلما كسره وجد عنده وتحته كنوزًا عظيمًا أضعاف أضعاف ما بذلوه له، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.

عباد الله: إن ربنا -سبحانه وتعالى- عظيم، وإنه ينبغي لنا أن نحتاط في عباراتنا، ونحن نتكلم في حق الله -سبحانه وتعالى-، لا نسب الدهر، ولا نسب الريح؛ لأن الله يصرف الدهر، والزمان، وهو خالق الريح، ومصرفها.

اللهم إنا نسألك أن ترزقنا خشيتك بالغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الغنى والفقر، وأن ترزقنا نعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، والرضا بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت.

اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا أجمعين، وأن تتوب علينا يا رب العالمين، أصلح شأننا، وتولَ أمرنا، واغفر ذنبنا، واهد ضالنا، واشف مريضنا، وارحم ميتنا.

اللهم إنا نسألك أن ترفع الغمة عن الأمة، وأن تغيث المسلمين المستضعفين يا رب العالمين، اللهم إنهم قد تكالبوا على الشام، وأمصار الإسلام، وأنت القوي العلام لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء القهار الجبار.

اللهم ابطش بهم، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، وعجل بنصر الإسلام وأهله، وفرج الكربة عن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اجعلها عامرة بشرعك، آمنة بذكرك، عاملة بأمرك يا رب العالمين.

آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، ومن أراد إيماننا وأمنا بسوء، فامكر به، واقطع دابره، واجعل كيده في نحره، يا رب العالمين.

اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، وأحسن خاتمتنا.

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 181].

محمد صالح المنجد

أحد طلبة العلم والدعاة المتميزين بالسعودية. وهو من تلاميذ العالم الإمام عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه.

  • 22
  • 0
  • 32,086

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً