على أي شيء حلف نبينا
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
من أساليب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة والتعليم:
عباد الله: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].
أنذرنا وبشرنا، وعلمنا الدين، والحلال والحرام، بالترغيب تارة، وبالترهيب أخرى، فحذر وأنذر، وقص القصص، وضرب الأمثال، وحلف الأيمان.
وإذا نظرنا في يمينه صلى الله عليه وسلم على ما أخبر به من الحقائق، نجد ذلك في الأمور العظام، من العقيدة، والعبادة، والحلال والحرام.
حلف النبي -صلى الله عليه وسلم- على البعث:
في هذا القرآن الذي أنزله الله عليه ثلاثة أقسام له كلها في البعث: {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53].
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3].
{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7].
وهذا البعث ولا شك من أمور الإيمان والعقيدة العظيمة.
حلف النبي -صلى الله عليه وسلم- على علو منازل المؤمنين في الجنة:
وكذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم قد أقسم في سنته على أمور عظيمة؛ فمن أمور العقيدة التي ورد قسمه فيها: علو منازل المؤمنين في الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم)) قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: ((بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين)) [رواه البخاري: 3256، ومسلم: 7322].
بعثنا وكنا في زمن ليس فيه نبينا، ولكننا نؤمن به ولم نره، وهذه سنته وأحاديثه باقية بيننا.
حلف النبي -صلى الله عليه وسلم- على رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة:
أقسم النبي -صلى الله عليه وسلم- على رؤية المؤمنين لربهم، ولما سأل الصحابة: هل يشكون في رؤية القمر ليس بينهم وبينه سحاب؟ فلما أجابوه بالنفي، قال: ((فوالذي نفسي بيده، لا تضارون فى رؤية ربكم إلا كما تضارون فى رؤية أحدهما)) -يعني الشمس والقمر، ليس بينكم وبينهما سحاب- ((قال: فيلقى العبد، فيقول: أى فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟)) -يكون لك في الحصة في المغانم ((فيقول: بلى، قال: فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإنى أنساك كما نسيتنى)) [رواه مسلم: 7628].
فلقاء الله حق، والحساب حق، وتقرير الله للعبد بما فعل حق.
حلف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن من سمع به ولم يؤمن به بأنه في النار:
وقد أقسم النبي -صلى الله عليه وسلم- على مصير من لم يؤمن به: أنه في النار، فقال: ((والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار)) [رواه مسلم: 403].
وهنا نعلم بأن أهل الأرض الآن الذين يسمعون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- سماعًا صحيحًا، وتقوم الحجة عليهم، ثم لا يؤمنون به: أنهم داخلون النار قطعًا، ولا ينجوا منها إلا من يؤمن بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا.
أرسله الله للثقلين، إنسًا وجنًا، عربًا وعجمًا، فليس لأحد الخروج عن شرعه، ولا يجوز اتباع دين غير دينه.
أغرّ عليه للنبوة خاتم *** من الله مشهود يلوح ويشهد
وضمّ الإله اسم النبي إلى اسمه *** إذ قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد -صلى الله عليه وسلم-
حلف النبي -صلى الله عليه وسلم- على حرمة الصحابة وعدم جواز التعرض لهم:
أقسم أيضاً على حرمة أصحابه، وعدم جواز التعرض لهم، فقال: ((لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابى، فو الذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه)) [رواه البخاري: 3673، ومسلم: 6651، وهذا لفظ مسلم].
والمد، جمع اليدين، فما أنفقه الصحابي بملء يديه، أو نصف ذلك، أفضل من نفقة أحدنا بمقدار جبل أحد، ولذلك، فإن التعرض لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في غاية الخطر، وهذه المسألة مما ابتدعه الباطنية للوصول إلى إسقاط السنة، وقد انتبه لهم أهل الإسلام.
انتبهوا للذين بدأوا يسبون معاوية -رضي الله عنه-، والشيخين: أباهريرة عائشة -رضي الله عنهم أجمعين-.
انتبه العلماء من قديم، فقال أبو زرعة الرازي، وهو من علماء الحديث المتقدمين: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة، فيكون الجرح به ألصق، والحكم عليه بالزندقة والضلالة والكذب والفساد، هو الأقوم الأحق" [الصواعق المحرقة، لابن حجر الهيتمي: 2/ 608].
فما هو الغرض الحقيقي من وراء الوقوع في الصحابة؟
إسقاط رواياتهم، يعني إسقاط السنة، فتصور -مثلاً-: لو أن أحدًا شتم أبا هريرة، وسبه وذمه، معنى ذلك: أنه لا يعتقد بالأحاديث التي رواها. ما هي النتيجة؟!
وعلى هذا فقس في شتم الصحابة، ما هو الغرض من ورائه؟!
حلف النبي -صلى الله عليه وسلم- على آداب مهمة من الدين:
والنبي -صلى الله عليه وسلم- أقسم أيضاً على آداب من الدين، لما لها من الآثار العظيمة؛ لأن القسم لا يأتي إلا على شيء عظيم، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا تدخلون الجنة، حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم)) [رواه مسلم -رحمه الله- في صحيحه: 203].
إذًا، محبة المؤمنين لبعضهم واجبة، وكل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومن الأشياء التي توصل إلى المحبة بين المسلمين: إفشاء السلام، فهو مفتاح المودة، وسبب الألفة، وإظهار لشعار من شعائر الدين، مع ما فيه من التواضع، ورعاية حرمة المسلمين، وإدخال السرور عليهم، والدعاء لهم بالسلامة من الإثم والشر، وتذكيرهم برقابة الله عليهم؛ لأن من أسماء الله: "السلام" "السلام" عليكم مهيمن، مطلع، رقيب، يعلم ما تفعلون.
حلف النبي -صلى الله عليه وسلم- على فضل سورة الإخلاص:
أقسم النبي -صلى الله عليه وسلم- على فضل سورة الإخلاص، فقد جاء: "أن رجلا سمع رجلا يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يرددها" -وربما قام الليل بها فقط، ولم يقرأ غيرها مع الفاتحة. هذا الرجل السامع ذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أصبح، وذكر له ذلك: جاري قام الليل فقط ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؟! "وكأنه يتقالها"-يعني يراها قليلة-، فقال عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن)) [رواه البخاري: 5013].
لأن كلام الله؛ توحيد، وقصص، وأحكام: و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تشتمل على التوحيد، تتضمن ثلث القرآن.
ترغيب النبي -صلى الله عليه وسلم- في التوبة والاستغفار وحلفه على ذلك:
ورغب النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضاً في التوبة والاستغفار، وأقسم في هذا الشأن، فقال: ((والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم)) [رواه مسلم: 7141].
ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يقسم: ((والله إني لأستغفر الله، وأتوب إليه، في اليوم، أكثر من سبعين مرة)) [رواه البخاري: 6307].
وكان الصحابة يعدون له صلى الله عليه وسلم هذا العدد في المجلس الواحد: ((رب اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الغفور)) [رواه الترمذي: 3434، وابن ماجه:3814، وأحمد:4726، وصححه الألباني في صحيح الترمذي: 2731، وفي صحيح ابن ماجه: 3814].
فهذه صيغة من الصيغ التي عدوا له في المجلس الواحد مائة مرة: ((رب اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الغفور)).
حلف النبي -صلى الله عليه وسلم- على عظم حق الزوج وتحذير المرأة من رفض دعوة زوجها لها إلى الفراش:
ومما أقسم عليه عليه الصلاة والسلام: تحذير المرأة من عصيان زوجها في دعوته لها إلى الفراش: ((والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها، فتأبى عليه، إلا كان الذي فى السماء ساخطا عليها، حتى يرضى عنها)) يعني زوجها [رواه مسلم: 3613].
لماذا؟
لأن التأبي عليه، فيه مفاسد عظيمة؛ لأنه مما يؤدي إلى ابتغائه الحرام، إذا تأبت عليه، ولعظم حقه عليها، ولما أمر به الشرع أولاً، وهو غير معذور لو ابتغى الحرام، ولكن إذا فعلت ذلكن فعليها سخط من الله. ومما ينبغي للرجال موعظة النساء به هذا؛ لأن الله قال في الناشز: {فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] قبل الهجر، وقبل الضرب غير المبرح.
وقليل من الأزواج من يحسن وعظ زوجته، أو يفكر في ذلك، ويعرف ماذا يقول لها في الموعظة.
حلف النبي -صلى الله عليه وسلم على تحريم أذية الجار:
والنبي -صلى الله عليه وسلم- أقسم فيما أقسم به أيضاً على تحريم أذية الجار، فقال: ((والله لا يؤمن)) ثلاث مرات ((الذي لا يأمن جاره بوائقه)) [رواه البخاري: 6016].
ما هي هذه البوائق؟
الأذى الذي يحدثه له.
وقد يكون هذا الأذى في أهله، أو في أولاده، في نفسه، في أمنه، في سكنه، أو في رزقه، أو في ضيفه، أو حتى في دابته. الأذية من الجار للجار أنواع.
والبوائق المصائب العظيمة، كلما فعل مصيبة لجاره أتبعها بأخرى، ولا يأمن الجار هذه البوائق؛ لأنها تأتي فجأة، وعلى حين غرة، يعمل كل مصيبة أكبر من الأخرى، فليس هذا بمؤمن!.
حلف النبي -صلى الله عليه وسلم على سرعة ذهاب القرآن من صدور الحفاظ:
والنبي -صلى الله عليه وسلم- أقسم فيما أقسم به أيضاً على سرعة ذهاب القرآن من الصدور، إذا لم يتعاهد بالمراجعة، وهذه الوصية لحفاظ القرآن: ((تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها)) [رواه البخاري: 5033، ومسلم: 1880].
وهكذا الإبل تسعى للتفلت.
تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم- من الفتن في آخر الزمان وحلف على ذلك:
أقسم عليه الصلاة والسلام فيما أقسم به، محذرًا لنا من الفتن في آخر الزمان، ونحن في ذلك، فقال: ((والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا، حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين، إلا البلاء)) [رواه مسلم: 7486].
يعني ما يحمله على هذا التمني زيادة دين؟ وأنه يريد أن يقبض قبل أن يفتن في دينه؟ ولكن الذي يحمله شدة البلاء الذي يراه، وكثرة الفتن التي يراها: ((والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا، حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغ عليه)) -يشتهي الموت، ويتمناه- ((ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء)) فهذا من ظهور الفتن في آخر الزمان.
نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يحيينا مؤمنين، ويتوفانا مسلمين، ويلحقنا بالصالحين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو السميع البصير، وأشهد أن محمدًا عبد الله، دعا إلى الله، بشيرًا ونذيرًا، وأرسله رحمة للعالمين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى أصحابه وأزواجه، وخلفائه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك، ونبيك إمام المتقين، والشافع المشفع يوم الدين، صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، اللهم أوردنا حوضه، واجعلنا من أهل شفاعته.
المقصود بالأشهر الحرم ووجوب تعظيمها وكيفية ذلك:
عباد الله: يدخل عليكم شهر عظيم من شهور الله، من الأشهر الحرم التي عظمها الله، فقال في كتابه: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] ثلاث متصلات: أولهن: ذو القعدة، وواحد منفصل عنها، وهو رجب.
وسيطل علينا أول الأشهر الحرم: ذو القعدة، بعده ذو الحجة، وبعده المحرم.
وهذه الأشهر الحرم جديرة بالاحترام، وألا يعصى الله فيها، وأن يوقر عز وجل.
وإذا كان أهل الجاهلية، الكفرة المشركين، كانوا يعظمونها، فالمؤمنون من باب أولى، والله قال: {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} بالمعاصي!. لا تظلموا أنفسكم، بالشرك، ولا بترك واجب، أو فعل محرم!.
قال قتادة -رحمه الله-: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا، من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء" [تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 4/ 148].
وتعظيمها، بإقامة فرائض الله فيها، ورعاية حقه، وترك المناهي التي نهى عنها، والحذر من ظلم العباد.
المقصود بأشهر الحج:
ذو القعدة أيضاً من أشهر الحج، وقد قال الله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].
قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أشهر الحج؛ شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة" [صحيح البخاري: 2/173] يعني أن ذا القعدة هذا شهر حرام، ومن أشهر الحج.
أما شوال، فمن أشهر الحج، وليس من الأشهر الحرم.
مشروعية العمرة في شهر ذي العقدة:
وتسن العمرة في ذي القعدة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتمر أربع مرات كلهن في ذي القعدة: عمرة من الحديبية، أو زمن الحديبية، في ذي القعدة.
وعمرة من العام المقبل الذي يليه في ذي القعدة.
وعمرة من جعرانة، حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة.
وعمرة مع حجته، والعمرة التي مع حجته، وقع الإحرام بها من ذي الحليفة، ميقات المدينة، في ذي القعدة، وأما فعل العمرة نفسها، فقد كان في ذي الحجة.
والعمرة في ذي القعدة أفضل من بقية الشهور إلا رمضان؛ كما جاء عن كثير من أهل العلم.
وبعضهم فضلها على سائر شهور السنة؛ كابن عمر وعائشة، وعطاء، وتردد ابن القيم في الفضل بين عمرة رمضان وعمرة ذي القعدة، فقال: "لم يكن لِيختار لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى عُمَرِهِ إلاَّ أولى الأوقات، وأحقَّها بها، فكانت العُمْرةُ فى أشهر الحج نظيرَ وقوع الحج فى أشهره، وهذه الأشهر قد خصَّها الله -تعالى- بهذه العبادة -يعني بالحج-، وجعلها وقتاً لها، والعمرةُ حجٌّ أصغر، فأولى الأزمنة بها أشهرُ الحج، وذو القِعْدة أوسطُها، وهذا مما نستخير الله فيه" هكذا قال في [زاد المعاد: 2/96].
والمقصود: أن العمرة في ذي القعدة مستحبة استحبابًا شديدًا.
حكم الصيام في شهر ذي العقدة:
وأما الصيام فيه، فيصام دون اعتقاد تخصيص معين؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صم من الحرم واترك)) [رواه أبو داود:2430، وضعف أسناده الألباني في ضعيف أبي داود: 419].
وقد ضعفه بعض أهل العلم.
والمقصود: أن الصيام فيه عظيم، لعظمة الأشهر الحرم، دون تخصيص شيء معين، أو اعتقاد شيء لم يرد في الشرع.
أحداث تاريخية حدثت في شهر ذي العقدة:
وقد حصلت أحداث عظيمة في هذا الشهر، في تاريخ التوحيد والإسلام، فقد قال العلماء في قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142]. قالوا: إن الثلاثين كانت في ذي القعدة، والعشر، هي عشر ذي الحجة، فتم الميقات، فتم أربعين.
وكذلك فيه: غزوة بدر الموعد، لما واعد أبو سفيان المسلمين بعد أحد.
وكذلك، غزة بني قريظة، في السنة الخامسة.
وكذلك، غزوة الحديبية في السنة السادسة، وسماها الله: فتحًا مبينًا، لما قال: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} [الفتح: 1] يعني صلح الحديبية، وما ترتب عليه بعده من دخول العرب في دين الله أفواجًا، حتى غزا النبي -صلى الله عليه وسلم- مشركي مكة بعشرة آلاف، والذين كانوا معه في الحديبية ألف وستمائة فقط، فهذا النماء كله حصل بسبب هذا الصلح العظيم.
اللهم اغفر لنا أجمعين، وتب علينا يا رب العالمين.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
اللهم استر عيوبنا، واقض ديوننا، وارحم موتانا، واشف مرضانا.
اللهم اجمع كلمتنا على الحق يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تعتق رقابنا من النار، وأن تدخلنا الجنة مع الأبرار، أدخلنا الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أدخلنا الجنة بلا حساب ولا عذاب يا كريم يا وهاب.
اللهم ارفع الغمة عن هذه الأمة، واكشف الكربة عن إخواننا المسلمين، اللهم نفس كروبهم، وارفع البأس عنهم، يا رب العالمين.
اللهم انصر أهل الإسلام على أهل الشرك.
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تجعلنا في بلادنا هذه آمنين مطمئنين، وسائر بلاد المسلمين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، من أراد أمننا وإيماننا بسوء، فامكر به، وابطش به، واقطع دابره، يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا هادين مهدين، اللهم اهدنا، واهد بنا، يا أرحم الراحمين.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182].
محمد صالح المنجد
أحد طلبة العلم والدعاة المتميزين بالسعودية. وهو من تلاميذ العالم الإمام عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه.
محمد أمين
منذمحمد أمين
منذمحمد أمين
منذمحمد أمين
منذ