التعليق على نونية ابن القيم - تفنيد أقوال المتكلمين في أفعال الله أزلاً وأبداً

منذ 2001-08-29
يشرح الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه قول الناظم ابن القيم رحمه الله :

بل كل فرد فهو مسبوق بفر ***** ذ قبله ابدا بلا حسبان

ونظير هذا كل فرد فهو ملحوق ***** بفرد بعده حكمان

النوع والآحاد مسبوق وملحوق ***** وكل فهو منها فان

والنوع لا يفنى أخيرا فهو لا ***** يفنى كذلك اولا ببيان

وتعاقب الآنات أمر ثابت ***** في الذهن وهو كذاك في الأعيان

فإذا أبيتم ذا وقلتم ***** أول الاانات مفتتح بلا نكران

ما كان ذاك الآن مسبوقا يرى ***** الا بسبل وجوده الحقان

فيقال ما تعنون بالانات هل ***** تعنون مدة هذه الازمان

من حين إحداث السموات العلى ***** والارض والافلاك والقمران

ونظنكم تعنون ذاك ولم يكن ***** من قبلها شيء من الأكوان

هل جاءكم في ذاك من أثر ومن ***** نص ومن نظر ومن برهان

هذا الكتاب وهذه الاثار والمعقول ***** في الفطرات والاذهان

إنا نحاكمكم إلى ما شئتم ***** منها فحكم الحق في تبيان

اوليس خلق الكون في الأيام كا ***** ن وذاك مأخوذ من القرآن

او ليس ذلكم الزمان بمدة ***** لحدوث شيء وهو عين زمان

فحقيقة الازمان نسبة حادث ***** لسواه تلك حقيقة الازمان

واذكر حديث السبق للتقدير ***** والتوقيت قبل جميع ذي الأعيان

خمسين ألفا من سنين عدها المختار ***** سابقة لذي الأكوان

هذا وعرش الرب فوق الماء من ***** قبل السنين بمدة وزمان

والناس مختلفون في القلم الذي ***** كتب القضاء به من الديان

هل كان قبل العرش أو هو بعده ***** قولان عند أبي العلى إلهمذاني

والحق أن العرش قيل لانه ***** قبل الكتابة كان ذا أركان

وكتابة القلم الشريف تعقبت ***** إجاده من غير فصل زمان

لما براه الله قال اكتب كذا ***** فغدا بأمر الله ذا جريان

فجرى بما هو كائن ابدا إلى ***** يوم المعاد بقدرة الرحمن

أفكان رب العرش جل جلاله ***** من قبل ذا عجز وذا نقصان

أم لم يزل ذا قدرة والفعل مقدور ***** له أبدا وذو إمكان

فلئن سألت وقلت ما هذا الذي ***** أداهم لخلاف ذا التبيان

ولأي شيء لم يقولوا إنه ***** سبحان هو دائم الإحسان

فاعلم بأن القوم لما أسسوا ***** أصل الكلام عموا عن القرآن

وعن الحديث ومقتضى المعقول بل ***** عن فطرة الرحمن والبرهان

وبنوا قواعدهم عليه فقادهم ***** قسرا إلى التعطيل والبهتان

نفي القيام لكل أمر حادث ***** بالرب خوف تسلسل الأعيان

فيسد ذاك عليهم في زعمهم ***** إثبات صانع هذه الأكوان

إذ أثبتوا بكون ذي الاجسام حا ***** دثة فلا تنفك عن حدثان

فإذا تسلسلت الحوادث لم يكن ***** لحدوثها إذ ذاك من برهان

فلاجل ذا قالوا التسلسل باطل ***** والجسم لا يخلو عن الحدثان

فيصح حينئذ حدوث الجسم من ***** هذا الدليل بواضح البرهان

هذي نهايات لأقدام الورى ***** في ذا المقام الضيق الاعطان

فمن الذي يأتي بفتح بين ***** ينجي الورى من غمرة الحيران

فالله يجزيه الذي هو أهله ***** من جنة المأوى مع الرضوان


فصل

فاسمع إذا وافهم فذاك معطل ***** ومشبه وهداك ذو الغفران

هذا الدليل هو الذي أرداهم ***** بل هو كل قواعد القرآن

وهو الدليل الباطل المردود عند ***** أئمة التحقيق والعرفان

ما زال أمر الناس معتدلا إلى ***** أن دار في الاوراق والاذهان

وتمكنت أجزاؤه بقلوبهم ***** فأتت لوازمه إلى الأيمان

رفعت قواعده وتخت أسه ***** فهوى البناء وخر للاركان

وجنوا على الاسلام كل جناية ***** إذ سلطوا الاعداء بالعدوان

حملوا بأسلحة المحال فخانهم ***** ذاك السلاح فما اشتفوا بطعان

وأتى العدو إلى سلاحهم فقا ***** تلهم به في غيبة الفرسان

يا محنة الاسلام والقرآن من ***** جهد الصديق وبغي ذي طغيان

والله لولا الله ناصر دينه ***** وكتابه بالحق والبرهان

لتخطفت أعداؤه أرواحنا ***** ولاقتطعت منا عرى الأيمان

أيكون حقا ذا الدليل وما اهتدى ***** خير القرون له محال ذان

وفقتم للحق اذ حرموه في ***** أصل اليقين ومقعد العرفان

وهديتمونا للذي لم يهتدوا ***** أبدا به واشدة الحرمان

ودخلتم للحق من باب وما ***** دخلوه واعجبا لذا الخذلان

وملكتم طرق الهدى والعلم دو ***** ن القوم واعجبا لذا البهتان

وعرفتم الرحمن بالاجسام وال ***** أعراض والحركات والالوان

وهم فما عرفوه منها بل من ال *****آيات وهي فغير ذي برهان

الله أكبر أنتم أو هم على ***** حق وفي غي وفي خسران

دع ذا أليس الله قد أبدى لنا ***** حق الادلة وهي في القرآن

متنوعات صرفت وتظاهرت ***** في كل وجه فهي ذو أفنان

معلومة للعقل أو مشهودة ***** للحس أو في فطرة الرحمن

أسمعتم لدليلكم في بعضها ***** خبرا او احسستم له ببيان

أيكون أصل الدين ما تم الهدى ***** إلا به وبه قوى الأيمان

وسواه ليس بموجب من لم يحط ***** علما به لم ينج من كفران

والله ثم رسوله قد بينا ***** طرق الهدى في غاية التبيان

فلأي شيء إعرضا عنه ولم ***** نسمعه في أثر ولا قرآن

لكن أتانا بعد خير قروننا ***** فظهور أحداث من الشيطان

وعلى لسان الجهم جاء وحزبه ***** من كل صاحب بدعة حيران

ولذلك اشتد النكير عليهم ***** من سائر العلماء في البلدان

صاحوا بهم في كل قطر بل رموا ***** في إثرهم بثواقب الشهبان

عرفوا الذي يفضي اليه قولهم ***** ودليلهم بحقيقة العرفان

وأخو الجهالة في خفارة جهله ***** والجهل قد ينجي من الكفران


فصل
في الرد على الجهمية المعطلة القائلين بأنه ليس على العرش إله يعبد ولا فوق السموات إله يصلى له ويسجد وبيان فساد قولهم عقلا ونقلا ولغة وفطرة

والله كان وليس شيء غيره ***** وبرى البرية وهي ذو حدثان

فسل المعطل هل يراها خارجا ***** عن ذاته أم فيه حلت ذان

لابد من إحداهما أو أنها ***** هي عينه ما ثم موجودان

ما ثم مخلوق وخالقه وما ***** شيء مغاير هذه الأعيان

لابد من احدى ثلاث مإلها ***** من رابع خلو عن الروغان

ولذاك قال محقق القوم الذي ***** رفع القواعد مدعي العرفان

هو عين هذا الكون ليس بغيره ***** أنى وليس مباين الأكوان

كلا وليس مجانبا ايضا لها ***** فهو الوجود بعينه وعيان

ان لم يكن فوق الخلائق ربها ***** فالقول هذا القول في الميزان

اذ ليس يعقل بعد إلا أنه ***** قد حل فيها وهي كالابدان

والروح ذات الحق جل جلاله ***** حلت بها كمقالة النصراني

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 5
  • 1
  • 15,304
الدرس السابق
تراجم لبعض الشخصيات الواردة في القصيدة
الدرس التالي
الرد على المعطلة القائلين بخلو العرش من إله يعبد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً