الضروريات الخمس او الكليات الخمس مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم، أن يحفظ عليهم ...
منذ 2020-04-16
الضروريات الخمس او الكليات الخمس
مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم، أن يحفظ عليهم أنفسهم، أن يحفظ عليهم عقولهم، أن يحفظ عليهم نسلهم، أن يحفظ عليهم أموالهم.
كل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة.
دفع المفسدة ماذا يكون؟ مصلحة. ودفع المصلحة ماذا يكون؟ مفسدة.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على هذه الضروريات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل". [الموافقات: 1/31].
وقال: "وحفظ الشريعة للمصالح الضرورية وغيرها يتم على وجهين، يكمل أحدهما الآخر، وهما: حفظها من جانب الوجود لا يحققها، يوجدها، يثبتها ويرعاها وحفظها من جانب العدم بإبعاد كل ما يزيلها أو ينقصها، أو يجعلها تختل أو تتعطل، سواءً كان شيئاً واقعاً أو متوقعاً الشرع يمنعه، أي شيء يخل بالضروريات، أو ينقصها، أو يعطلها، أو يخل بها يمنعه الشرع، سواءً كان واقعاً أو متوقعاً، فإذا كان واقعاً فالشرع يريد رفعه وإزالته، وإذا كان متوقعاً فالشرع يريد منع وقوعه وتجنبه". [الموافقات: 2/552].
تتبين أهمية هذه الضروريات الخمس في كون هذا الوجود مبني عليها، كل الكون، مصالح الدين مبنية على المحافظة على الأمور الخمسة المذكورة، فإذا اعتبر قيام هذا الوجود الدنيوي مبنياً عليها، حتى إذا انخرمت لم يعد للدنيا معنى، وكذلك الأمور الأخروية لا تقوم إلا بها، فلو عدم الدين عدم ترتب الجزاء المرتجى، يعني مصالح الآخرة كلها تروح إذا عدم الدين.
ولو عدم المكلف لعدم من يتدين، ولو عدم العقل لارتفع التدين والتكليف، ولو عدم النسل لم يكن للبشر المكلفين بقاء واستمرار، ولو عدم المال لم يبق لهم عيش ولا قوام.
وحفظ الدين أولها، أكبر الكليات الخمس وأرقاها، لأن الغاية التي خلق الخلق لها هو هذا، الدليل؟ قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وضياعه ضياع بقية المقاصد.
لماذا يقدم حفظ الدين على كل شيء؟ لأن ضياع الدين ضياع بقية المقاصد، وخراب الدنيا بأسرها، وقد شبه الله حال الأمم التي خلت من الدين الصحيح بالأموات، وشبه الدين بالحياة للأمم، قال تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 122].
لذا فقد شرع الله من الوسائل ما يتمم به حفظ الدين، ومن ذلك: تعلمه، والعمل به، والدعوة إليه، والحكم به، والجهاد من أجله، ورد ما يخالفه، والصبر على الأذى في سبيل تحقيق ذلك.
ويكون حفظ الدين من جانبين سبق ذكرهما.
فعل كل ما من شأنه تثبيت الدين، وتقويته مثل ماذا؟ القيام بأصول العبادات: الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، أركان الإسلام الخمسة.
الدين أولى الضروريات وكيفية حفظه:
فلحفظ الدين شرع الله أركان الإيمان وأركان الإسلام، من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، بعد النطق بالشهادتين. فإذن لو قلت: حفظ الدين بإقامته، ومنع زواله واختلاله.
كيف تكون الإقامة؟ بإقامة الشرائع، بأداء العبادات.
ثانياً: الدعوة إليه، لأنا لا يمكن أن نتصور قيام الدين وانتنشار الدين، وحفظ الدين في نفوس الخلق بدون دعوة إليه، وبيان محاسنه، وتوضيح أحكامه وآدابه، وكشف الشبهات عنه، وفي ترك الدعوة تهديد لوجود الدين، وتشويه لحقائقه، وطمس لمعالمه.
فإذن الدعوة للدين هذه مهمة جداً في حفظ الدين، لأنها تثبته، وترسي قواعده، وتبين حقائقه، وفيها حماية له ودفاع عنه، يعني فيه رد شبهات.
فالدعوة إلى الله من أعظم الوسائل وأنفعها لحفظه واستمراره، ولهذا جاء الأمر بها، ورتب على القيام بها أجر عظيم، والتفريط بها فيه وزر كبير، قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فالمرصدون للعلم" يعني: كلامه يشير، إلى أن الخليفة أو الإمام من واجباته إرصاد ناس للعلم والدعوة، يعني: توفير علماء في الأمة من وظيفة الإمام، يفرغهم، يبحث عنهم، يهيء لهم الجو، هذه من وظيفة الإمام أنه يوجد علماء.
يعني: إذا كان أهل الباطل، الساحر الكافر يقول للملك الكافر: ابعث إليّ غلاماً أعلمه السحر. معناها ماذا يجب على الإمام المسلم؟
أن يبحث ويصطفي من الصغر من يتعلم الدين ليحمله، يفهمه ليعلمه، ويجب على الإمام تحقيق حفظ الدين بتوفير الدعاة اللازمين لنشره، والدفاع عنه، يعلمهم، يدربهم، يفرغهم، ينفق عليهم، يعطيهم وسائل بأيديهم لهذا، هذا ضروري لإقامة الدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالمرصدون للعلم، عليهم للأمة حفظ علم الدين وتبليغه، فإذا لم يبلغوهم علم الدين، أو ضيعوا حفظه، كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين، ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ [البقرة: 159].
قال: "فإن ضرر كتمانهم قد تعدى إلى البهائم وغيرها، فلعنهم اللاعنون حتى البهائم"، إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ [البقرة: 159].
يدخل في اللاعنين البهائم؛ لأن البهائم تتضرر من كتمان العلم؛ لأنه يقع به الفساد في الأرض، ويترتب عليه قحط المطر، وفساد الزروع والثمار: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم: 41].
فتتضرر البهائم فتلعن الكاتمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كما أن معلم الخير يصلي عليه الله، وملائكته، ويستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في جوف البحر، والطير في جو السماء" [ مجموع الفتاوى: 28/187].
إذن لو قال قائل: هذه أحاديث عجيبة، يعني العالم للدرجة هذه، يعني يستغفر له الحوت في البحر، والنمل في الجحر؟
نقول: نعم. لماذا؟ نقول: لأن العالم الذي يُعَلَّم، ويبين يؤدي دوراً في حفظ الدين، الذي لا تقوم الحياة إلا به، ولولا هذا لضاع الهدف من الدنيا والوجود والكون أصلاً.
وقد ذكر العلماء في كتب الأحكام السلطانية، "أن من أوجب الواجبات على الحاكم المسلم: حفظ الدين على أصوله المستقرة، كما تركها محمد صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف الأمة، فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه، أوضح له الحجة وبين له الصواب، وأخذه بما يلزم من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروساً من خلل، والأمة ممنوعة من زلل" [الأحكام السلطانية: 1/26]. قلنا أولاً وثانياً في حفظ الدين ماذا؟ إقامته بالعبادات، والدعوة إليه.
ثالثاً: تحكيم الدين في الحياة.
لحفظ الدين لا بد يحكم، ليس في الرف، وفي كتب، وفي متحف، لا بد يكون فعّال، وفي حياة الناس، فليس حفظ الدين مجرد مثلاً حفظ نصوصه، أو طباعة في كتب، أو وضعه في مواقع انترنت، لا.
لا بد أن يحكم، فيسلط الدين على الحياة، فمثلاً خلاص ما هو القانون الذي يسري بين الناس؟ الشرع. وعند الاختلاف يرجعون إلى ماذا؟ المحاكم والقضاة الشرعيين.
قال تعالى: وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 49-50].
فإذن لا يكفي حتى مجرد جعل محاكم وقضاة، لابد الناس يسيرون بالشرع، يسيرون، يساسون، يفرض الشرع عليهم، ومن لوازم ذلك جعل القضاة والمحاكم الشرعية. لكن ما هي القوانين؟ يسيرون بالشرع.
الآن هذه الثلاثة تحت أي عنوان؟
أمور شُرعت لحفظ الدين:
حفظ الدين بإقامته، حفظه من الزوال التي هي مراعاة جانب العدم، ودرء المفاسد، وإبعاد كل ما يؤذي الدين، سواءً كان واقعاً أو متوقعاً.
ماذا شرعت الشريعة من أجل ذلك؟ من أجل حفظه من الزوال، حفظه من الاختلال؟
الدعوة لها علاقة بدحض الشبهات المثارة حول الدين، التي تؤدي إلى التشكيك، تؤدي لزوال الدين من بعض النفوس، أو لزوال بعض الدين؛ لأن الشبهات ممكن تكون ماحقة إلحاد كفر، ممكن تكون تزيل جزءاً من الدين من النفوس.
ماذا شرع أيضاً الشريعة من أجل حفظ الدين من جهة الاختلال؟
الجهاد في سبيل الله، لحماية جناب الدين، فيكسر الطغاة الذين يصدون عن سبيل الله، يكسر الطغاة الذين يحولون بين الناس وبين اعتناق دين الله، يكسر الطغاة الذين يكرهون المؤمنين على الكفر، فشرع الله الجهاد لحماية الدين، وحتى تزول الفتنة فتنة الشرك والكفر قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال: 39].
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، النهي عن المنكر، لأن الأمر بالمعروف من جهة الإقامة، والنهي عن المنكر من جهة الحفظ من الاختلال، وهذا فيه منع انتقاص شيء من الدين النهي عن المنكر: من رأى منكم منكراً فليغيره [رواه مسلم: 2269]. جميل. ماذا أيضاً؟
حفظ الدين من الاختلال، حد الردة، نتكلم على حفظ الدين، ما نتكلم عن حفظ المال حتى نقول حد السرقة، نتكلم على حفظ الدين.
فحد الردة من الإجراءات الشرعية العظيمة، التي جاءت لحفظ الدين من الزوال والاختلال، وهو حد الردة لضمان عدم التلاعب بالدين، قال عليه الصلاة والسلام: من بدل دينه فاقتلوه [رواه البخاري: 6922]، فقتل المرتد يثبت غيره، ويمنع شره.
وقد كان بعض أهل الكتاب قد تواصوا فيما بينهم، أن يدخلوا في الدين في أول النهار، ثم يرتدوا عنه في آخر النهار تشكيكاً وطعناً، فقال الله تعالى: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران: 72] خطة ليرجع المسلمون عن دينهم.
سد الباب بحد الردة، الدين ليس بوابة تدخل وتخرج، إذا دخلت وخرجت فٍحد الردة.
يدخل في ذلك أيضاً: الاجتهاد في رد البدع، هي لها علاقة طبعاً بالنهي عن المنكر، ولها علاقة بالجهاد، لأن الجهاد ضد أهل البدعة، النهي عن المنكر والبدعة داخلة في المنكر.
لكن هذه المسألة اعتني بها عند العلماء عناية خاصة، قضية معالجة البدع، لأن النصوص الشرعية فيها شديدة جداً لخطورة البدعة: فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار [رواه الطبراني في الكبير: 8521، وصححه الألباني في الصحيحة: 2735]، أبى الله أن يقبل من صاحب بدعة توبة حتى يدع بدعته [رواه ابن ماجه: 50، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة50].
ولذلك عمر رضي الله عنه ما حد تجرأ في عهده أن يرفع رأسه ببدعة، لأنه لما واحد رفع رأسه ببدعة خفضه عمر بجريد النخل، ضل يضربه على رأسه، حتى قال: حسبك يا أمير المؤمنين ذهب الذي في رأسي. خلاص، هذا بالنسبة لحفظ الدين، نأتي إلى حفظ النفس.
الضرورة الثانية: حفظ النفس:
من أهم الضرورات بعد حفظ الدين، جعل له الشرع تدابير كثيرة في حفظه، وفي منع زواله: طرق المحافظة على النفس من جهة الوجود، نحن الآن نمشي في نفس المنهج: تحقيق الوجود ومنع الزوال؛ ما هي الأشياء التي أتت الشريعة بها لحفظ النفس من جهة الوجود؟
النكاح، تحريم الانتحار وقتل النفس، هذا من جهة الزوال.
نتكلم الآن من جهة الوجود: تناول المطعومات والمشروبات، ما يجوز الإضراب عن الطعام، الإضراب عن الطعام المفضي للهلاك حرام، قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31]، وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء: 29].
الترخيص في تناول الطعام المحظور في حال الضرورة: فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 173]، بل يجب عليه أن يأكل، إذا كان بدون الأكل من الميتة يموت، فيجب عليه أن يأكل بقدر ما يبقيه حياً.
قال شيخ الإسلام: "كذلك أكل الميتة والدم ولحم الخنزير يحرم أكلها عند الغنى عنها، ويجب أكلها بالضرورة عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء.
قال مسروق: "من اضطر فلم يأكل حتى مات دخل النار -كل هذا من أجل حفظ النفس- قال: وذلك لأنه أعان على نفسه -يعني على إزهاقها- بترك ما يقدر عليه، من الأكل المباح له في هذه الحال، فصار بمنزلة من قتل نفسه".[ الفتاوى الكبرى: 1/447]. الفتاوى الكبرى لابن تيمية.
أيضاً: إلزام الآباء برعاية الأبناء والإنفاق عليهم، فالابن الرضيع، بدون أكل ولا شرب يموت، هؤلاء صغار ما يستطيعون أن يوفروا لأنفسهم طعاماً بدون إنفاق عليهم يهلكون. كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت [رواه أحمد: 6495، وحسنه الألباني في الصغير: 8610]، ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته [رواه البخاري: 7138، ومسلم: 1829].
من ضمن الإجراءات الشرعية: تشريع الرخص لحماية النفس.
مثلاً إفطار الحامل والمرضع: إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم، وعن الحبلى والمرضع [رواه أبو داود: 2410 والترمذي 715، وصححه الألباني في المشكاة: 2025]. رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح.
يعذر في ترك الجمعة والجماعة الخائف على ضياع نفسه، في حالات القصف، لا يذهب للجمعة والجماعة في حالات القصف.
إذا جئنا إلى طرق المحافظة على النفس من جهة منع الزوال ماذا نجد؟ حد القصاص.
الشريعة حرمت العدوان على النفس: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء: 93]. القصاص في النفس والأعضاء: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة: 179].
ثلاثة: تشريع دفع الصائل. ما هو الصائل؟ المعتدي، فشرع دفعه ولو بقتله، حماية للنفس، سواءً كان المعتدي إنساناً أو حيواناً، قال عليه الصلاة والسلام: من قُتل دون دمه فهو شهيد [رواه البخاري: 2480، ومسلم: 141].
وقد نقل الإمام الصنعاني: الإجماع على أن من شهر على آخر سلاحاً ليقتله فدفع عن نفسه فقتل الشاهر –الذي هو الصائل- أنه لا شيء عليه. [سبل السلام: 3/262]. سبل السلام.
كذلك نجد النهي عن كل ما فيه إضرار أو إيذاء للنفس، كما جاء في حديث:لا ضرر ولا ضرار [رواه أحمد: 2865، وصححه الالباني في الارواء: 2653].
كذلك نجد منع الانتحار، وحتى أن أهل الفضل والعلم لا يصلون على المنتحر، ردعاً لأمثاله ممن يريدون الانتحار: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يعني: قتل النفس، أن يقتل نفساً. عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [النساء: 29-30].
الضرورة الثالثة: حفظ العقل:
إذا انتقلنا إلى حفظ العقل الذي ميز الله به هذا الإنسان، وجعل العقل مناطاً للتكليف.والعقل جزء من النفس، نجد أن الشرع قد جاء بما يكفل الحفظ لهذه النعمة الإلهية العظيمة، وشرع تدابير لإبقائه، وتدابير لمنع زواله.
فما هي الأشياء التي جاء بها الشرع لحفظ العقل؟ حتى في قضية طلب العلم والتدبير والتفكر والتأمل، شرعت تنمية وتغذية وتوجيه العقل: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:191]، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، إذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر [رواه البخاري: 7352، ومسلم: 1716]. رواه البخاري ومسلم.
إذن هذه، قضية تنمية العقل وتغذية العقل بالتعلم، والاجتهاد، والاستنباط، والتفكر، والتدبر، والتأمل، والمدارسة، تنمية، ومن جهة حفظ العقل أيضاً، مثلاً: تحريم تعاطي المسكرات والمخدرات.
لكن هذا يأتينا في أي شق؟ المنع من الزوال والمنع من الاختلال.
فنجد أن الشرع حرم كل ما يفسد العقول ويذهبها، فتحريم الخمر معروف بالأدلة، وما هو أسوأ من الخمر، من المخدرات، وكل ما فيه إتلاف للعقل، وإتلاف لخلايا الدماغ.
أشياء تتعاطى تؤدي إلى تلف خلايا الدماغ، هذه حرام.
لو واحد قال: أنا أريد آخذ بنج من غير داعي، ما هو عملية، فما حكمه؟ حرام، ما يجوز تغييب العقل، ما يجوز استعمال ما يغيب العقل إلا لضرورة، نجد حد شارب الخمر.
حتى من نواحي، منع العقل من الاختلال، مثلاً منع التقليد الأعمى، منع انحراف العقل حتى من جهة التفكير، منع انحراف العقل، التقليد بغير بينة: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُون [البقرة: 170].
الضرورة الرابعة: حفظ النسل:
إذا جئنا إلى المحافظة على النسل، الذي هو بقاء النوع الإنساني بواسطة التناسل؛ لأن الشرع يريد استمرار المسيرة البشرية.
فنجد أنه شرع طرقاً للمحافظة على النسل، وعلى بقائه، يالله منها؟
النكاح والترغيب فيه: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج [رواه البخاري: 5066، ومسلم: 1400]، وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور: 32]، فشرع الزواج، وشرع تزويج الفقراء والأيامى.
وكذلك تربية الأولاد ورعاية الأسرة، وأمر بحسن اختيار الزوج والزوجة: تنكح المرأة لأربع [رواه البخاري: 5090، ومسلم: 1466]، إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه [رواه الترمذي: 1084، وحسنه الألباني في المشكاة: 3090].
الأمر بحسن العشرة بين الزوجين، الأمر برعاية الأهل: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6].
ماذا بالنسبة لحفظ النسل من الاختلال؟ درء المفاسد عن النسل؟ تحريم الزنا ومقدمات الزنا: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء: 32]. هذه منع الزنا ومقدمات الزنا، وَلا تَقْرَبُوا ولم يقل: لا تزنوا، وَلا تَقْرَبُوا .
فإذن حتى مقدمات الزنا التي تقرب تؤدي للوقوع ممنوعة، كالنظر، والتقبيل، إلى آخره..يا شباب قريش احفظوا فروجكم، لا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة [ رواه الحاكم: 8062، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 2410]. رواه الحاكم وحسنه الألباني.
ماذا نقول عن تحريم التبرج؟
أنه إجراء شرعي لحفظ النسل، لأن التبرج يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب: 33]، صنفان من أهل النار لم أرهما، نساء كاسيات عاريات [رواه مسلم: 2128].
تشريع حد الزنا: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور: 2]. وتشريع رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).
تحريم القذف، وتشريع حد القذف: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً [النور: 4]، اجتنبوا السبع الموبقات، -وذكر منها- قذف المحصنات الغافلات المؤمنات [رواه البخاري: 2766، ومسلم: 89].
تشريع اللعان: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ [النور: 6-7]. الآيات.
حد اللواط والسحاق أو العقوبة التعزيرية؛ لأن من أسباب قلة النسل: اكتفاء الذكور بالذكور والإناث بالإناث، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ملعون من عمل بعمل قوم لوط [ رواه أحمد: 2914، وصححه الألباني في الجامع الصغير: 10831]. رواه أحمد وهو حديث صحيح، وأمر بالعفة: وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً [النور: 33].
وشرع الاستئذان: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور: 27]. لئلا يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة.
الضرورة الخامسة: حفظ المال:
وإذا جئنا إلى حفظ المال، الذي هو عصب الحياة: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء: 5]. فماذا نجد، ماذا نجد في موضوع حفظ المال؟ إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم وادٍ لأحب أن يكون إليه ثانٍ، ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب [رواه أحمد: 21906، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1639].
هذا كان في القرآن ثم نسخ لفظه، لكن بقي موعظة. والحديث رواه أحمد، وهو صحيح.
حفظ المال من جهة الوجود، والحث على الاكتساب: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا [الملك: 15]، فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة: 10]، ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده [رواه البخاري: 2072]. كما في البخاري.
إذا جئنا لقضية الحث على صيانة المال: الأمر بالتكسب هذه أوامر كثيرة جداً، قضية النصوص الآمرة بالتكسب وصيانة النفس عن ذل السؤال.
قضية الصيانة والمنع من الزوال والاختلال بالنسبة للمال؟ هاه؟
عدم الإسراف، هذا نريد المنع من الزوال والاختلال.
حد السرقة، الله قال: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ [النساء: 5]. فحث على صيانة المال؛ لأن إيتاء السفهاء المال يضيعها، فنهى عن تضييع المال، نهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال [رواه البخاري: 6473، ومسلم: 593].
قال سفيان الثوري: "لأن أخلف عشرة آلاف درهم أحاسب عليها، أحب إليّ من أن أحتاج إلى الناس" يعني أمد يدي.
وقال أيضاً: "من كان في يده من هذه -يعني الدنانير والدراهم- شيء فليصلحه يستثمره، يحفظه من الضياع فإنه زمان من احتاج كان أول ما يبذل دينه". [حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: 6/381].
كان زمان إذا أحد احتاج فيه أول ما يتنازل عنه لتحصيل المال الدين، وما أشبهه بزماننا، تتغير مواقف، ومناهج، ومسيرات، أشخاص وجماعات من أجل المال.
كذلك شرعت الشريعة: المحافظة على أموال الأيتام والقصر: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا [النساء: 6].
جاء الوعيد الشديد في هذا الموضوع: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء: 10].
ماذا جاء في الشرع من وسائل لحفظ المال من الزوال، أو حصول الاختلال، كما قلنا: تحريم الاعتداء على المال: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء: 29].
النهي عن الغش، والتدليس، والسرقة، والرشوة، والربا.
وشرع حد السرقة لحفظ المال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: 38].
والنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن تحريم الشفاعة في الحدود، في قصة المخزومية، لحفظ المال، جعل الشفاعة في الحدود من الكبائر، إذا بلغ الحد الإمام ما في مجال للشفاعة، ولما جاء أسامة قال: أتشفع في حد من حدود الله؟ [رواه البخاري: 3475، ومسلم: 1688].
خلاص بلغ الحد الإمام، ويجب الآن إقامة الحد للمحافظة على الأموال، مع أن المخزومية كانت تستعير الشيء وتجحده، فجحد العارية عليه قطع هذا لحفظ المال.
إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد [رواه البخاري: 3475، ومسلم: 1688].
حد الحرابة وسيلة أيضاً أخرى شرعية: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ [المائدة: 33].
فإذا قتلوا يقتلوا، وإذا أخذوا المال يقطعوا، وإذا روعوا وأخافوا ينفوا من الأرض، وبحسب يعني قوة الجرم تكون قوة العقوبة.
يقول البابرتي الحنفي في لطيفة له: "اعلم أن قطع الطريق يسمى سرقة كبرى" [حاشية ابن عابدين: 4/116]، أما تسميتها سرقة، فلأن قاطع الطريق يأخذ المال سراً ممن إليه حفظ الطريق –من الذي عليه حفظ الطريق، من الذي عليه حفظ الطريق، من الذي عليه حفظ الطريق؟ الإمام السلطان.
فقاطع الطريق يأخذ المال سراً عن من؟ عن من وكل بحفظ الطريق، فلذلك سماها سرقة، ٍقال: ممن إليه حفظ المكان المأخوذ منه وهو المالك أو من يقوم مقامه، وأما تسميتها كبرى، فلأن ضرر قطع الطريق على أصحاب الأموال وعلى عامة المسلمين بانقطاع الطريق –يعني هذا أكبر-، وضرر السرقة الصغرى يخص الملاك بأخذ مالهم وهتك حرزهم، ولهذا غلظ الحد في حق قطاع الطريق.
قلنا النهي عن الإسراف وتضييع المال: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء: 26-27].
وهنالك إحصاءات كثيرة اليوم، لو نرى كيف يضيع المجتمع الأموال في السفاسف، في الترهات، فيما يسمى بالكماليات تضيع أموال ضخمة جداً بالمليارات سنوياً في بلد واحد، عمليات تجميل بدون حاجة إلأيها، زيادة في الإنفاق، إسراف في السياحات بدرجة رهيبة.
مواد التجميل كم أسرفوا فيها، كم يضيع من الأطعمة في الولائم؟ وكم، وكم يهدر من النعم؟
هذه كلها مخالفة لحفظ الضرورات الخمس، ولما جعل الشرع الدفاع عن المال: إن جاء رجل يريد أخذ مالي يا رسول الله؟ قال: لا تعطه مالك قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال:قاتله قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد قال: أرأيت إن قتلته؟قال: هو في النار [رواه مسلم:140].
أحكام اللقطة شرعت من أجل المحافظة على المال: من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها [رواه مسلم: 1725]. رواه مسلم، اعرف وكاءها أو قال وعاءها وعفاصها ثم عرفها سنة [رواه البخاري: 91، ومسلم: 1722]، وضالة الإبل قال: مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وترعى الشجر، فذرها حتى يلقاها ربها [رواه البخاري: 91، ومسلم: 1722]. يعني: صاحبها.
فهذه إذن نبذة عما جاء في الشريعة لحفظ الضروريات الخمس، التي لا تقوم الدنيا والآخرة، مصالح الدنيا والآخرة إلا بها، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا في دينه، وأن يجعلنا من الوقافين عند حدوده، إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد. ( من الموقع الرسمي للشيخ محمد المنجد )
مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم، أن يحفظ عليهم أنفسهم، أن يحفظ عليهم عقولهم، أن يحفظ عليهم نسلهم، أن يحفظ عليهم أموالهم.
كل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة.
دفع المفسدة ماذا يكون؟ مصلحة. ودفع المصلحة ماذا يكون؟ مفسدة.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على هذه الضروريات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل". [الموافقات: 1/31].
وقال: "وحفظ الشريعة للمصالح الضرورية وغيرها يتم على وجهين، يكمل أحدهما الآخر، وهما: حفظها من جانب الوجود لا يحققها، يوجدها، يثبتها ويرعاها وحفظها من جانب العدم بإبعاد كل ما يزيلها أو ينقصها، أو يجعلها تختل أو تتعطل، سواءً كان شيئاً واقعاً أو متوقعاً الشرع يمنعه، أي شيء يخل بالضروريات، أو ينقصها، أو يعطلها، أو يخل بها يمنعه الشرع، سواءً كان واقعاً أو متوقعاً، فإذا كان واقعاً فالشرع يريد رفعه وإزالته، وإذا كان متوقعاً فالشرع يريد منع وقوعه وتجنبه". [الموافقات: 2/552].
تتبين أهمية هذه الضروريات الخمس في كون هذا الوجود مبني عليها، كل الكون، مصالح الدين مبنية على المحافظة على الأمور الخمسة المذكورة، فإذا اعتبر قيام هذا الوجود الدنيوي مبنياً عليها، حتى إذا انخرمت لم يعد للدنيا معنى، وكذلك الأمور الأخروية لا تقوم إلا بها، فلو عدم الدين عدم ترتب الجزاء المرتجى، يعني مصالح الآخرة كلها تروح إذا عدم الدين.
ولو عدم المكلف لعدم من يتدين، ولو عدم العقل لارتفع التدين والتكليف، ولو عدم النسل لم يكن للبشر المكلفين بقاء واستمرار، ولو عدم المال لم يبق لهم عيش ولا قوام.
وحفظ الدين أولها، أكبر الكليات الخمس وأرقاها، لأن الغاية التي خلق الخلق لها هو هذا، الدليل؟ قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وضياعه ضياع بقية المقاصد.
لماذا يقدم حفظ الدين على كل شيء؟ لأن ضياع الدين ضياع بقية المقاصد، وخراب الدنيا بأسرها، وقد شبه الله حال الأمم التي خلت من الدين الصحيح بالأموات، وشبه الدين بالحياة للأمم، قال تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 122].
لذا فقد شرع الله من الوسائل ما يتمم به حفظ الدين، ومن ذلك: تعلمه، والعمل به، والدعوة إليه، والحكم به، والجهاد من أجله، ورد ما يخالفه، والصبر على الأذى في سبيل تحقيق ذلك.
ويكون حفظ الدين من جانبين سبق ذكرهما.
فعل كل ما من شأنه تثبيت الدين، وتقويته مثل ماذا؟ القيام بأصول العبادات: الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، أركان الإسلام الخمسة.
الدين أولى الضروريات وكيفية حفظه:
فلحفظ الدين شرع الله أركان الإيمان وأركان الإسلام، من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، بعد النطق بالشهادتين. فإذن لو قلت: حفظ الدين بإقامته، ومنع زواله واختلاله.
كيف تكون الإقامة؟ بإقامة الشرائع، بأداء العبادات.
ثانياً: الدعوة إليه، لأنا لا يمكن أن نتصور قيام الدين وانتنشار الدين، وحفظ الدين في نفوس الخلق بدون دعوة إليه، وبيان محاسنه، وتوضيح أحكامه وآدابه، وكشف الشبهات عنه، وفي ترك الدعوة تهديد لوجود الدين، وتشويه لحقائقه، وطمس لمعالمه.
فإذن الدعوة للدين هذه مهمة جداً في حفظ الدين، لأنها تثبته، وترسي قواعده، وتبين حقائقه، وفيها حماية له ودفاع عنه، يعني فيه رد شبهات.
فالدعوة إلى الله من أعظم الوسائل وأنفعها لحفظه واستمراره، ولهذا جاء الأمر بها، ورتب على القيام بها أجر عظيم، والتفريط بها فيه وزر كبير، قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فالمرصدون للعلم" يعني: كلامه يشير، إلى أن الخليفة أو الإمام من واجباته إرصاد ناس للعلم والدعوة، يعني: توفير علماء في الأمة من وظيفة الإمام، يفرغهم، يبحث عنهم، يهيء لهم الجو، هذه من وظيفة الإمام أنه يوجد علماء.
يعني: إذا كان أهل الباطل، الساحر الكافر يقول للملك الكافر: ابعث إليّ غلاماً أعلمه السحر. معناها ماذا يجب على الإمام المسلم؟
أن يبحث ويصطفي من الصغر من يتعلم الدين ليحمله، يفهمه ليعلمه، ويجب على الإمام تحقيق حفظ الدين بتوفير الدعاة اللازمين لنشره، والدفاع عنه، يعلمهم، يدربهم، يفرغهم، ينفق عليهم، يعطيهم وسائل بأيديهم لهذا، هذا ضروري لإقامة الدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالمرصدون للعلم، عليهم للأمة حفظ علم الدين وتبليغه، فإذا لم يبلغوهم علم الدين، أو ضيعوا حفظه، كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين، ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ [البقرة: 159].
قال: "فإن ضرر كتمانهم قد تعدى إلى البهائم وغيرها، فلعنهم اللاعنون حتى البهائم"، إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ [البقرة: 159].
يدخل في اللاعنين البهائم؛ لأن البهائم تتضرر من كتمان العلم؛ لأنه يقع به الفساد في الأرض، ويترتب عليه قحط المطر، وفساد الزروع والثمار: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم: 41].
فتتضرر البهائم فتلعن الكاتمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كما أن معلم الخير يصلي عليه الله، وملائكته، ويستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في جوف البحر، والطير في جو السماء" [ مجموع الفتاوى: 28/187].
إذن لو قال قائل: هذه أحاديث عجيبة، يعني العالم للدرجة هذه، يعني يستغفر له الحوت في البحر، والنمل في الجحر؟
نقول: نعم. لماذا؟ نقول: لأن العالم الذي يُعَلَّم، ويبين يؤدي دوراً في حفظ الدين، الذي لا تقوم الحياة إلا به، ولولا هذا لضاع الهدف من الدنيا والوجود والكون أصلاً.
وقد ذكر العلماء في كتب الأحكام السلطانية، "أن من أوجب الواجبات على الحاكم المسلم: حفظ الدين على أصوله المستقرة، كما تركها محمد صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف الأمة، فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه، أوضح له الحجة وبين له الصواب، وأخذه بما يلزم من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروساً من خلل، والأمة ممنوعة من زلل" [الأحكام السلطانية: 1/26]. قلنا أولاً وثانياً في حفظ الدين ماذا؟ إقامته بالعبادات، والدعوة إليه.
ثالثاً: تحكيم الدين في الحياة.
لحفظ الدين لا بد يحكم، ليس في الرف، وفي كتب، وفي متحف، لا بد يكون فعّال، وفي حياة الناس، فليس حفظ الدين مجرد مثلاً حفظ نصوصه، أو طباعة في كتب، أو وضعه في مواقع انترنت، لا.
لا بد أن يحكم، فيسلط الدين على الحياة، فمثلاً خلاص ما هو القانون الذي يسري بين الناس؟ الشرع. وعند الاختلاف يرجعون إلى ماذا؟ المحاكم والقضاة الشرعيين.
قال تعالى: وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 49-50].
فإذن لا يكفي حتى مجرد جعل محاكم وقضاة، لابد الناس يسيرون بالشرع، يسيرون، يساسون، يفرض الشرع عليهم، ومن لوازم ذلك جعل القضاة والمحاكم الشرعية. لكن ما هي القوانين؟ يسيرون بالشرع.
الآن هذه الثلاثة تحت أي عنوان؟
أمور شُرعت لحفظ الدين:
حفظ الدين بإقامته، حفظه من الزوال التي هي مراعاة جانب العدم، ودرء المفاسد، وإبعاد كل ما يؤذي الدين، سواءً كان واقعاً أو متوقعاً.
ماذا شرعت الشريعة من أجل ذلك؟ من أجل حفظه من الزوال، حفظه من الاختلال؟
الدعوة لها علاقة بدحض الشبهات المثارة حول الدين، التي تؤدي إلى التشكيك، تؤدي لزوال الدين من بعض النفوس، أو لزوال بعض الدين؛ لأن الشبهات ممكن تكون ماحقة إلحاد كفر، ممكن تكون تزيل جزءاً من الدين من النفوس.
ماذا شرع أيضاً الشريعة من أجل حفظ الدين من جهة الاختلال؟
الجهاد في سبيل الله، لحماية جناب الدين، فيكسر الطغاة الذين يصدون عن سبيل الله، يكسر الطغاة الذين يحولون بين الناس وبين اعتناق دين الله، يكسر الطغاة الذين يكرهون المؤمنين على الكفر، فشرع الله الجهاد لحماية الدين، وحتى تزول الفتنة فتنة الشرك والكفر قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال: 39].
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، النهي عن المنكر، لأن الأمر بالمعروف من جهة الإقامة، والنهي عن المنكر من جهة الحفظ من الاختلال، وهذا فيه منع انتقاص شيء من الدين النهي عن المنكر: من رأى منكم منكراً فليغيره [رواه مسلم: 2269]. جميل. ماذا أيضاً؟
حفظ الدين من الاختلال، حد الردة، نتكلم على حفظ الدين، ما نتكلم عن حفظ المال حتى نقول حد السرقة، نتكلم على حفظ الدين.
فحد الردة من الإجراءات الشرعية العظيمة، التي جاءت لحفظ الدين من الزوال والاختلال، وهو حد الردة لضمان عدم التلاعب بالدين، قال عليه الصلاة والسلام: من بدل دينه فاقتلوه [رواه البخاري: 6922]، فقتل المرتد يثبت غيره، ويمنع شره.
وقد كان بعض أهل الكتاب قد تواصوا فيما بينهم، أن يدخلوا في الدين في أول النهار، ثم يرتدوا عنه في آخر النهار تشكيكاً وطعناً، فقال الله تعالى: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران: 72] خطة ليرجع المسلمون عن دينهم.
سد الباب بحد الردة، الدين ليس بوابة تدخل وتخرج، إذا دخلت وخرجت فٍحد الردة.
يدخل في ذلك أيضاً: الاجتهاد في رد البدع، هي لها علاقة طبعاً بالنهي عن المنكر، ولها علاقة بالجهاد، لأن الجهاد ضد أهل البدعة، النهي عن المنكر والبدعة داخلة في المنكر.
لكن هذه المسألة اعتني بها عند العلماء عناية خاصة، قضية معالجة البدع، لأن النصوص الشرعية فيها شديدة جداً لخطورة البدعة: فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار [رواه الطبراني في الكبير: 8521، وصححه الألباني في الصحيحة: 2735]، أبى الله أن يقبل من صاحب بدعة توبة حتى يدع بدعته [رواه ابن ماجه: 50، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة50].
ولذلك عمر رضي الله عنه ما حد تجرأ في عهده أن يرفع رأسه ببدعة، لأنه لما واحد رفع رأسه ببدعة خفضه عمر بجريد النخل، ضل يضربه على رأسه، حتى قال: حسبك يا أمير المؤمنين ذهب الذي في رأسي. خلاص، هذا بالنسبة لحفظ الدين، نأتي إلى حفظ النفس.
الضرورة الثانية: حفظ النفس:
من أهم الضرورات بعد حفظ الدين، جعل له الشرع تدابير كثيرة في حفظه، وفي منع زواله: طرق المحافظة على النفس من جهة الوجود، نحن الآن نمشي في نفس المنهج: تحقيق الوجود ومنع الزوال؛ ما هي الأشياء التي أتت الشريعة بها لحفظ النفس من جهة الوجود؟
النكاح، تحريم الانتحار وقتل النفس، هذا من جهة الزوال.
نتكلم الآن من جهة الوجود: تناول المطعومات والمشروبات، ما يجوز الإضراب عن الطعام، الإضراب عن الطعام المفضي للهلاك حرام، قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31]، وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء: 29].
الترخيص في تناول الطعام المحظور في حال الضرورة: فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 173]، بل يجب عليه أن يأكل، إذا كان بدون الأكل من الميتة يموت، فيجب عليه أن يأكل بقدر ما يبقيه حياً.
قال شيخ الإسلام: "كذلك أكل الميتة والدم ولحم الخنزير يحرم أكلها عند الغنى عنها، ويجب أكلها بالضرورة عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء.
قال مسروق: "من اضطر فلم يأكل حتى مات دخل النار -كل هذا من أجل حفظ النفس- قال: وذلك لأنه أعان على نفسه -يعني على إزهاقها- بترك ما يقدر عليه، من الأكل المباح له في هذه الحال، فصار بمنزلة من قتل نفسه".[ الفتاوى الكبرى: 1/447]. الفتاوى الكبرى لابن تيمية.
أيضاً: إلزام الآباء برعاية الأبناء والإنفاق عليهم، فالابن الرضيع، بدون أكل ولا شرب يموت، هؤلاء صغار ما يستطيعون أن يوفروا لأنفسهم طعاماً بدون إنفاق عليهم يهلكون. كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت [رواه أحمد: 6495، وحسنه الألباني في الصغير: 8610]، ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته [رواه البخاري: 7138، ومسلم: 1829].
من ضمن الإجراءات الشرعية: تشريع الرخص لحماية النفس.
مثلاً إفطار الحامل والمرضع: إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم، وعن الحبلى والمرضع [رواه أبو داود: 2410 والترمذي 715، وصححه الألباني في المشكاة: 2025]. رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح.
يعذر في ترك الجمعة والجماعة الخائف على ضياع نفسه، في حالات القصف، لا يذهب للجمعة والجماعة في حالات القصف.
إذا جئنا إلى طرق المحافظة على النفس من جهة منع الزوال ماذا نجد؟ حد القصاص.
الشريعة حرمت العدوان على النفس: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء: 93]. القصاص في النفس والأعضاء: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة: 179].
ثلاثة: تشريع دفع الصائل. ما هو الصائل؟ المعتدي، فشرع دفعه ولو بقتله، حماية للنفس، سواءً كان المعتدي إنساناً أو حيواناً، قال عليه الصلاة والسلام: من قُتل دون دمه فهو شهيد [رواه البخاري: 2480، ومسلم: 141].
وقد نقل الإمام الصنعاني: الإجماع على أن من شهر على آخر سلاحاً ليقتله فدفع عن نفسه فقتل الشاهر –الذي هو الصائل- أنه لا شيء عليه. [سبل السلام: 3/262]. سبل السلام.
كذلك نجد النهي عن كل ما فيه إضرار أو إيذاء للنفس، كما جاء في حديث:لا ضرر ولا ضرار [رواه أحمد: 2865، وصححه الالباني في الارواء: 2653].
كذلك نجد منع الانتحار، وحتى أن أهل الفضل والعلم لا يصلون على المنتحر، ردعاً لأمثاله ممن يريدون الانتحار: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يعني: قتل النفس، أن يقتل نفساً. عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [النساء: 29-30].
الضرورة الثالثة: حفظ العقل:
إذا انتقلنا إلى حفظ العقل الذي ميز الله به هذا الإنسان، وجعل العقل مناطاً للتكليف.والعقل جزء من النفس، نجد أن الشرع قد جاء بما يكفل الحفظ لهذه النعمة الإلهية العظيمة، وشرع تدابير لإبقائه، وتدابير لمنع زواله.
فما هي الأشياء التي جاء بها الشرع لحفظ العقل؟ حتى في قضية طلب العلم والتدبير والتفكر والتأمل، شرعت تنمية وتغذية وتوجيه العقل: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:191]، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، إذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر [رواه البخاري: 7352، ومسلم: 1716]. رواه البخاري ومسلم.
إذن هذه، قضية تنمية العقل وتغذية العقل بالتعلم، والاجتهاد، والاستنباط، والتفكر، والتدبر، والتأمل، والمدارسة، تنمية، ومن جهة حفظ العقل أيضاً، مثلاً: تحريم تعاطي المسكرات والمخدرات.
لكن هذا يأتينا في أي شق؟ المنع من الزوال والمنع من الاختلال.
فنجد أن الشرع حرم كل ما يفسد العقول ويذهبها، فتحريم الخمر معروف بالأدلة، وما هو أسوأ من الخمر، من المخدرات، وكل ما فيه إتلاف للعقل، وإتلاف لخلايا الدماغ.
أشياء تتعاطى تؤدي إلى تلف خلايا الدماغ، هذه حرام.
لو واحد قال: أنا أريد آخذ بنج من غير داعي، ما هو عملية، فما حكمه؟ حرام، ما يجوز تغييب العقل، ما يجوز استعمال ما يغيب العقل إلا لضرورة، نجد حد شارب الخمر.
حتى من نواحي، منع العقل من الاختلال، مثلاً منع التقليد الأعمى، منع انحراف العقل حتى من جهة التفكير، منع انحراف العقل، التقليد بغير بينة: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُون [البقرة: 170].
الضرورة الرابعة: حفظ النسل:
إذا جئنا إلى المحافظة على النسل، الذي هو بقاء النوع الإنساني بواسطة التناسل؛ لأن الشرع يريد استمرار المسيرة البشرية.
فنجد أنه شرع طرقاً للمحافظة على النسل، وعلى بقائه، يالله منها؟
النكاح والترغيب فيه: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج [رواه البخاري: 5066، ومسلم: 1400]، وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور: 32]، فشرع الزواج، وشرع تزويج الفقراء والأيامى.
وكذلك تربية الأولاد ورعاية الأسرة، وأمر بحسن اختيار الزوج والزوجة: تنكح المرأة لأربع [رواه البخاري: 5090، ومسلم: 1466]، إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه [رواه الترمذي: 1084، وحسنه الألباني في المشكاة: 3090].
الأمر بحسن العشرة بين الزوجين، الأمر برعاية الأهل: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6].
ماذا بالنسبة لحفظ النسل من الاختلال؟ درء المفاسد عن النسل؟ تحريم الزنا ومقدمات الزنا: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء: 32]. هذه منع الزنا ومقدمات الزنا، وَلا تَقْرَبُوا ولم يقل: لا تزنوا، وَلا تَقْرَبُوا .
فإذن حتى مقدمات الزنا التي تقرب تؤدي للوقوع ممنوعة، كالنظر، والتقبيل، إلى آخره..يا شباب قريش احفظوا فروجكم، لا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة [ رواه الحاكم: 8062، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 2410]. رواه الحاكم وحسنه الألباني.
ماذا نقول عن تحريم التبرج؟
أنه إجراء شرعي لحفظ النسل، لأن التبرج يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب: 33]، صنفان من أهل النار لم أرهما، نساء كاسيات عاريات [رواه مسلم: 2128].
تشريع حد الزنا: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور: 2]. وتشريع رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).
تحريم القذف، وتشريع حد القذف: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً [النور: 4]، اجتنبوا السبع الموبقات، -وذكر منها- قذف المحصنات الغافلات المؤمنات [رواه البخاري: 2766، ومسلم: 89].
تشريع اللعان: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ [النور: 6-7]. الآيات.
حد اللواط والسحاق أو العقوبة التعزيرية؛ لأن من أسباب قلة النسل: اكتفاء الذكور بالذكور والإناث بالإناث، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ملعون من عمل بعمل قوم لوط [ رواه أحمد: 2914، وصححه الألباني في الجامع الصغير: 10831]. رواه أحمد وهو حديث صحيح، وأمر بالعفة: وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً [النور: 33].
وشرع الاستئذان: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور: 27]. لئلا يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة.
الضرورة الخامسة: حفظ المال:
وإذا جئنا إلى حفظ المال، الذي هو عصب الحياة: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء: 5]. فماذا نجد، ماذا نجد في موضوع حفظ المال؟ إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم وادٍ لأحب أن يكون إليه ثانٍ، ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب [رواه أحمد: 21906، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1639].
هذا كان في القرآن ثم نسخ لفظه، لكن بقي موعظة. والحديث رواه أحمد، وهو صحيح.
حفظ المال من جهة الوجود، والحث على الاكتساب: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا [الملك: 15]، فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة: 10]، ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده [رواه البخاري: 2072]. كما في البخاري.
إذا جئنا لقضية الحث على صيانة المال: الأمر بالتكسب هذه أوامر كثيرة جداً، قضية النصوص الآمرة بالتكسب وصيانة النفس عن ذل السؤال.
قضية الصيانة والمنع من الزوال والاختلال بالنسبة للمال؟ هاه؟
عدم الإسراف، هذا نريد المنع من الزوال والاختلال.
حد السرقة، الله قال: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ [النساء: 5]. فحث على صيانة المال؛ لأن إيتاء السفهاء المال يضيعها، فنهى عن تضييع المال، نهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال [رواه البخاري: 6473، ومسلم: 593].
قال سفيان الثوري: "لأن أخلف عشرة آلاف درهم أحاسب عليها، أحب إليّ من أن أحتاج إلى الناس" يعني أمد يدي.
وقال أيضاً: "من كان في يده من هذه -يعني الدنانير والدراهم- شيء فليصلحه يستثمره، يحفظه من الضياع فإنه زمان من احتاج كان أول ما يبذل دينه". [حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: 6/381].
كان زمان إذا أحد احتاج فيه أول ما يتنازل عنه لتحصيل المال الدين، وما أشبهه بزماننا، تتغير مواقف، ومناهج، ومسيرات، أشخاص وجماعات من أجل المال.
كذلك شرعت الشريعة: المحافظة على أموال الأيتام والقصر: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا [النساء: 6].
جاء الوعيد الشديد في هذا الموضوع: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء: 10].
ماذا جاء في الشرع من وسائل لحفظ المال من الزوال، أو حصول الاختلال، كما قلنا: تحريم الاعتداء على المال: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء: 29].
النهي عن الغش، والتدليس، والسرقة، والرشوة، والربا.
وشرع حد السرقة لحفظ المال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: 38].
والنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن تحريم الشفاعة في الحدود، في قصة المخزومية، لحفظ المال، جعل الشفاعة في الحدود من الكبائر، إذا بلغ الحد الإمام ما في مجال للشفاعة، ولما جاء أسامة قال: أتشفع في حد من حدود الله؟ [رواه البخاري: 3475، ومسلم: 1688].
خلاص بلغ الحد الإمام، ويجب الآن إقامة الحد للمحافظة على الأموال، مع أن المخزومية كانت تستعير الشيء وتجحده، فجحد العارية عليه قطع هذا لحفظ المال.
إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد [رواه البخاري: 3475، ومسلم: 1688].
حد الحرابة وسيلة أيضاً أخرى شرعية: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ [المائدة: 33].
فإذا قتلوا يقتلوا، وإذا أخذوا المال يقطعوا، وإذا روعوا وأخافوا ينفوا من الأرض، وبحسب يعني قوة الجرم تكون قوة العقوبة.
يقول البابرتي الحنفي في لطيفة له: "اعلم أن قطع الطريق يسمى سرقة كبرى" [حاشية ابن عابدين: 4/116]، أما تسميتها سرقة، فلأن قاطع الطريق يأخذ المال سراً ممن إليه حفظ الطريق –من الذي عليه حفظ الطريق، من الذي عليه حفظ الطريق، من الذي عليه حفظ الطريق؟ الإمام السلطان.
فقاطع الطريق يأخذ المال سراً عن من؟ عن من وكل بحفظ الطريق، فلذلك سماها سرقة، ٍقال: ممن إليه حفظ المكان المأخوذ منه وهو المالك أو من يقوم مقامه، وأما تسميتها كبرى، فلأن ضرر قطع الطريق على أصحاب الأموال وعلى عامة المسلمين بانقطاع الطريق –يعني هذا أكبر-، وضرر السرقة الصغرى يخص الملاك بأخذ مالهم وهتك حرزهم، ولهذا غلظ الحد في حق قطاع الطريق.
قلنا النهي عن الإسراف وتضييع المال: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء: 26-27].
وهنالك إحصاءات كثيرة اليوم، لو نرى كيف يضيع المجتمع الأموال في السفاسف، في الترهات، فيما يسمى بالكماليات تضيع أموال ضخمة جداً بالمليارات سنوياً في بلد واحد، عمليات تجميل بدون حاجة إلأيها، زيادة في الإنفاق، إسراف في السياحات بدرجة رهيبة.
مواد التجميل كم أسرفوا فيها، كم يضيع من الأطعمة في الولائم؟ وكم، وكم يهدر من النعم؟
هذه كلها مخالفة لحفظ الضرورات الخمس، ولما جعل الشرع الدفاع عن المال: إن جاء رجل يريد أخذ مالي يا رسول الله؟ قال: لا تعطه مالك قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال:قاتله قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد قال: أرأيت إن قتلته؟قال: هو في النار [رواه مسلم:140].
أحكام اللقطة شرعت من أجل المحافظة على المال: من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها [رواه مسلم: 1725]. رواه مسلم، اعرف وكاءها أو قال وعاءها وعفاصها ثم عرفها سنة [رواه البخاري: 91، ومسلم: 1722]، وضالة الإبل قال: مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وترعى الشجر، فذرها حتى يلقاها ربها [رواه البخاري: 91، ومسلم: 1722]. يعني: صاحبها.
فهذه إذن نبذة عما جاء في الشريعة لحفظ الضروريات الخمس، التي لا تقوم الدنيا والآخرة، مصالح الدنيا والآخرة إلا بها، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا في دينه، وأن يجعلنا من الوقافين عند حدوده، إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد. ( من الموقع الرسمي للشيخ محمد المنجد )