احوال الناس فى ارض المحشر ! ......... إذا ما وصل الناس إلى أرض المحشر ازداد الهم والكرب والغم! ...
منذ 2021-03-04
احوال الناس فى ارض المحشر !
.........
إذا ما وصل الناس إلى أرض المحشر ازداد الهم والكرب والغم! عند أن يقفوا قياماً طويلاً! وهاهي الشمس تدنو من رءوسهم حتى لا يكون بينها وبين رءوسهم إلا كمقدار ميل! يقول الراوي: لا ندري ماذا يقصد رسول الله بالميل، أهو ميل المسافة المعروفة، أم ميل المكحلة التي تكتحل به العين؟! ورد في صحيح مسلم من حديث المقداد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (تدنو الشمس من رءوس الخلائق يوم القيامة بمقدار ميل فيغرقون في عرقهم بمقدار أعمالهم، فمنهم من يبلغ العرق كعبيه، ومنهم من يبلغ العرق ركبتيه، ومنهم من يبلغ حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه). وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] : (يقوم الناس في رشحهم إلى أنصاف آذانهم) هل تصورت هذا المشهد؟! حرارة تذيب الحديد والحجارة فوق الرءوس! ولك أن تتصور: البشرية كلها منذ أن خلق الله آدم، تحشر في مكان واحد على أرض واحدة، ليس للإنسان إلا أشبار يضع فيها قدميه، زحام يخنق الأنفاس، بل يكاد الخلق أن يهلكوا من حرارة أنفاسهم، ومن هذا الزحام الشديد، ومع ذلك تعلو الشمس الرءوس، وتكاد أن تصهر الجلود! وفي هذا المشهد وفي هذا الموقف الرهيب يزداد الهم والكرب بإتيان جهنم والعياذ بالله. يؤتى بجهنم للناس في أرض المحشر، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم -والحديث رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله -: (يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونه). فإذا أقبلت جهنم، وأحاطت بالخلائق، ورأت الخلق زفرت وزمجرت؛ غضباً منها لغضب الله جل وعلا! فإذا رأت الأمم جهنم في أرض المحشر جثت جميع الأمم على الركب من الذل والخوف والرعب. قال تعالى: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:28]. بل يخرج من جهنم عنق أسود مظلم يتكلم! والحديث رواه الترمذي بسند صحيح قال صلى الله عليه وسلم: (يخرج عنق من النار له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، يقول: إني وكلت اليوم بثلاثة، وكلت بكل جبار عنيد، وبكل من جعل مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين) أي: الذين كانوا ينحتون ليضاهوا برسومهم خلق الله جل جلاله. وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:15-17] نسأل الله السلامة والعافية، ونسأل الله أن يختم لنا ولكم بالتوحيد. في هذا المشهد .. في الزحام الرهيب، وفي الحر الشديد، وفي هذا التدافع والعري: ينادي الحق جل جلاله وسط هذا الموقف الذي يُشيّب منه الولدان، ومن هول هذا الموقف لا يتكلم أحد إلا الأنبياء ودعوة الأنبياء يومها: اللهم سلم سلم!! تذهل الأم عن رضيعها وينسى الوالد ولده، وينسى الولد والده، وتنسى الأم الرحيمة ولدها، بل وينشغل الابن عن أمه قال تعالى: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:33-37]. فالكل يقول: نفسي.. نفسي.. حتى الأنبياء كما سنتعرف على ذلك إن شاء الله تعالى، لا يتكلم إلا الأنبياء ويقولون يومها: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم! مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إذا كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير وإذا العشار تعطلت وتخربت خلت الديار فما بها معمور وإذا الوحوش لدى القيامة أحشرت وتقول للأملاك أين نسير وإذا الجليل طوى السما بيمينه طيَ السجل كتابه المنشور وإذا الصحائف نشرت وتطايرت وتهتكت للعالمين ستور وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى القصاص وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف جناية كيف المصر على الذنوب دهور وإذا الجحيم تسعرت نيرانها ولها على أهل الذنوب زفير وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتىً على طول البلاء صبور تذكر كل هذه المشاهد: الزحام شديد يكاد يخنق الأنفاس، والشمس تكاد تصهر الرءوس، والكل يتدافع، والسؤال تخافت، والكلام همس، وجلال الحي القيوم غمر النفوس والمكان بالهيبة والجلال. في هذه اللحظات ينادي الحق جل جلاله على مجموعة من الخلق في أرض المحشر أن يتقدموا، لماذا يا ترى؟! ليظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله. الأصناف التي يظلها الله بظل عرشه يظلهم الملك في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، لا أشجار ولا أنهار ولا بيوت، لا يستطيع الإنسان أن يأوي إلى أي ظل، والشمس فوق الرءوس، وينادي الحق تبارك وتعالى على هؤلاء السعداء، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة فقال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه). اللهم اجلنا منهم بمنك وكرمك. وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم ، والإمام أبو داود ، والإمام أحمد من حديث أبي هريرة -أيضاً- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع ومشفع يوم القيامة).ففي يومٍ يا عباد الله! يزداد همه وكربه على جميع الناس حتى على أنبياء الله ورسله جل وعلا (تدنو الشمس من الرءوس فتغلي رءوس لحرارتها -والعياذ بالله- ويؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها). كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود .فإذا ما رأت جهنم الخلائق زفرت وزمجرت غضباً منها لغضب الله جل وعلا، فحين يراها الخلائق بهذه الكيفية وهذا الحال لا يقوى مخلوق على أن يقف على قدميه فيخر كل مخلوق جاثياً على ركبه: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً [الجاثـية:28] في هذا اليوم العصيب الرهيب يزداد الهم والكرب على خلق الله، وعلى عباد الله، فيقول بعض الناس لبعض -كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد وهذا لفظ أحمد من حديث أبي هريرة - يقول بعض الناس لبعض: (ألا ترون ما نحن فيه، ألا ترون ما قد بلغنا، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيأتون آدم عليه السلام، فيقولون: يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيديه، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك، فيقول آدم عليه السلام: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد عصيت الله عز وجل وطردت من الجنة بمعصيتي، نفسي.. نفسي.. نفسي.. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح.فيأتون نوحاً عليه السلام ويقولون: يا نوح! أنت أول رسل الله إلى الأرض، وسماك الله عبداً شكوراً، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح عليه السلام: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه كان لي دعوة فدعوت بها على قومي، نفسي.. نفسي.. نفسي.. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم الخليل.فيأتون إبراهيم عليه السلام، فيقولون: يا إبراهيم! أنت خليل الله، وأنت رسول الله، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك، فيقول إبراهيم عليه السلام: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله ولم يغضب بعده مثله، ثم يذكر كذباته الثلاث -التي شرحناها في اللقاء الماضي كما صح بها الحديث في البخاري ومسلم - ثم يذكر كذباته الثلاث ويقول: نفسي.. نفسي.. نفسي.. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى.فيأتون موسى عليه السلام ويقولون: يا موسى! أنت رسول الله، اصطفاك الله على الناس برسالاته وبكلامه، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك، فيقول موسى عليه السلام: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، نفسي.. نفسي.. نفسي.. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى.فيأتون عيسى عليه السلام ويقولون: يا عيسى! أنت روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك، فيقول عيسى عليه السلام: نفسي.. نفسي.. نفسي.. -ولم يذكر عيسى شيئاً- اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم).يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (فيأتوني في أرض المحشر، فيأتوني يوم أن قال كل رسول: نفسي، ويوم أن قال كل نبي: نفسي، -يقول صلى الله عليه وسلم-: فيأتوني ويقولون: يا رسول الله! أنت خاتم الأنبياء، وأنت رسول الله، خلقك الله عز وجل وفضلك على جميع الأنبياء، فغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ألا ترى ما نحن فيه يا رسول الله! ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك).يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (فأقوم وأقول: نعم، أنا لها .. أنا لها، فآتي تحت عرش الرحمن وأخر ساجداً لله جل وعلا، فيفتح الله عليَّ بمحامد ويلهمني من الثناء ما لم يفتح به على أحد قبلي، فينادي عليه الحق جل وعلا ويقول: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فيقول الحبيب: يا رب! وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك، فيقول الله تعالى: قد شفعتك يا محمد، ارجع فإني آتيكم لأقضي بينكم).وصدق الله جل وعلا إذ يقول: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. (يا ربي لقد وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك) وهذه هي أعظم شفاعات المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيشفع الحبيب لجميع الخلق في أرض المحشر ليقضي الله جل وعلا بين خلقه وعباده، فهو حبيب الله، وهو خليل الله، وهو أكرم الخلق على الله جل وعلا..
الأصناف التي يظلها الله بظل عرشه
يظلهم الملك في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، لا أشجار ولا أنهار ولا بيوت، لا يستطيع الإنسان أن يأوي إلى أي ظل، والشمس فوق الرءوس، وينادي الحق تبارك وتعالى على هؤلاء السعداء، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة فقال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه). اللهم اجلنا منهم بمنك وكرمك. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
انشرها لتاخذ اجر من قرأها بعدك باذن الله واجعلها حسنه جاريه لك..
الشيخ محمد حسان
.........
إذا ما وصل الناس إلى أرض المحشر ازداد الهم والكرب والغم! عند أن يقفوا قياماً طويلاً! وهاهي الشمس تدنو من رءوسهم حتى لا يكون بينها وبين رءوسهم إلا كمقدار ميل! يقول الراوي: لا ندري ماذا يقصد رسول الله بالميل، أهو ميل المسافة المعروفة، أم ميل المكحلة التي تكتحل به العين؟! ورد في صحيح مسلم من حديث المقداد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (تدنو الشمس من رءوس الخلائق يوم القيامة بمقدار ميل فيغرقون في عرقهم بمقدار أعمالهم، فمنهم من يبلغ العرق كعبيه، ومنهم من يبلغ العرق ركبتيه، ومنهم من يبلغ حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه). وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] : (يقوم الناس في رشحهم إلى أنصاف آذانهم) هل تصورت هذا المشهد؟! حرارة تذيب الحديد والحجارة فوق الرءوس! ولك أن تتصور: البشرية كلها منذ أن خلق الله آدم، تحشر في مكان واحد على أرض واحدة، ليس للإنسان إلا أشبار يضع فيها قدميه، زحام يخنق الأنفاس، بل يكاد الخلق أن يهلكوا من حرارة أنفاسهم، ومن هذا الزحام الشديد، ومع ذلك تعلو الشمس الرءوس، وتكاد أن تصهر الجلود! وفي هذا المشهد وفي هذا الموقف الرهيب يزداد الهم والكرب بإتيان جهنم والعياذ بالله. يؤتى بجهنم للناس في أرض المحشر، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم -والحديث رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله -: (يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونه). فإذا أقبلت جهنم، وأحاطت بالخلائق، ورأت الخلق زفرت وزمجرت؛ غضباً منها لغضب الله جل وعلا! فإذا رأت الأمم جهنم في أرض المحشر جثت جميع الأمم على الركب من الذل والخوف والرعب. قال تعالى: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:28]. بل يخرج من جهنم عنق أسود مظلم يتكلم! والحديث رواه الترمذي بسند صحيح قال صلى الله عليه وسلم: (يخرج عنق من النار له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، يقول: إني وكلت اليوم بثلاثة، وكلت بكل جبار عنيد، وبكل من جعل مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين) أي: الذين كانوا ينحتون ليضاهوا برسومهم خلق الله جل جلاله. وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:15-17] نسأل الله السلامة والعافية، ونسأل الله أن يختم لنا ولكم بالتوحيد. في هذا المشهد .. في الزحام الرهيب، وفي الحر الشديد، وفي هذا التدافع والعري: ينادي الحق جل جلاله وسط هذا الموقف الذي يُشيّب منه الولدان، ومن هول هذا الموقف لا يتكلم أحد إلا الأنبياء ودعوة الأنبياء يومها: اللهم سلم سلم!! تذهل الأم عن رضيعها وينسى الوالد ولده، وينسى الولد والده، وتنسى الأم الرحيمة ولدها، بل وينشغل الابن عن أمه قال تعالى: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:33-37]. فالكل يقول: نفسي.. نفسي.. حتى الأنبياء كما سنتعرف على ذلك إن شاء الله تعالى، لا يتكلم إلا الأنبياء ويقولون يومها: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم! مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إذا كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير وإذا العشار تعطلت وتخربت خلت الديار فما بها معمور وإذا الوحوش لدى القيامة أحشرت وتقول للأملاك أين نسير وإذا الجليل طوى السما بيمينه طيَ السجل كتابه المنشور وإذا الصحائف نشرت وتطايرت وتهتكت للعالمين ستور وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى القصاص وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف جناية كيف المصر على الذنوب دهور وإذا الجحيم تسعرت نيرانها ولها على أهل الذنوب زفير وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتىً على طول البلاء صبور تذكر كل هذه المشاهد: الزحام شديد يكاد يخنق الأنفاس، والشمس تكاد تصهر الرءوس، والكل يتدافع، والسؤال تخافت، والكلام همس، وجلال الحي القيوم غمر النفوس والمكان بالهيبة والجلال. في هذه اللحظات ينادي الحق جل جلاله على مجموعة من الخلق في أرض المحشر أن يتقدموا، لماذا يا ترى؟! ليظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله. الأصناف التي يظلها الله بظل عرشه يظلهم الملك في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، لا أشجار ولا أنهار ولا بيوت، لا يستطيع الإنسان أن يأوي إلى أي ظل، والشمس فوق الرءوس، وينادي الحق تبارك وتعالى على هؤلاء السعداء، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة فقال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه). اللهم اجلنا منهم بمنك وكرمك. وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم ، والإمام أبو داود ، والإمام أحمد من حديث أبي هريرة -أيضاً- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع ومشفع يوم القيامة).ففي يومٍ يا عباد الله! يزداد همه وكربه على جميع الناس حتى على أنبياء الله ورسله جل وعلا (تدنو الشمس من الرءوس فتغلي رءوس لحرارتها -والعياذ بالله- ويؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها). كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود .فإذا ما رأت جهنم الخلائق زفرت وزمجرت غضباً منها لغضب الله جل وعلا، فحين يراها الخلائق بهذه الكيفية وهذا الحال لا يقوى مخلوق على أن يقف على قدميه فيخر كل مخلوق جاثياً على ركبه: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً [الجاثـية:28] في هذا اليوم العصيب الرهيب يزداد الهم والكرب على خلق الله، وعلى عباد الله، فيقول بعض الناس لبعض -كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد وهذا لفظ أحمد من حديث أبي هريرة - يقول بعض الناس لبعض: (ألا ترون ما نحن فيه، ألا ترون ما قد بلغنا، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيأتون آدم عليه السلام، فيقولون: يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيديه، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك، فيقول آدم عليه السلام: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد عصيت الله عز وجل وطردت من الجنة بمعصيتي، نفسي.. نفسي.. نفسي.. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح.فيأتون نوحاً عليه السلام ويقولون: يا نوح! أنت أول رسل الله إلى الأرض، وسماك الله عبداً شكوراً، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح عليه السلام: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه كان لي دعوة فدعوت بها على قومي، نفسي.. نفسي.. نفسي.. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم الخليل.فيأتون إبراهيم عليه السلام، فيقولون: يا إبراهيم! أنت خليل الله، وأنت رسول الله، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك، فيقول إبراهيم عليه السلام: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله ولم يغضب بعده مثله، ثم يذكر كذباته الثلاث -التي شرحناها في اللقاء الماضي كما صح بها الحديث في البخاري ومسلم - ثم يذكر كذباته الثلاث ويقول: نفسي.. نفسي.. نفسي.. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى.فيأتون موسى عليه السلام ويقولون: يا موسى! أنت رسول الله، اصطفاك الله على الناس برسالاته وبكلامه، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك، فيقول موسى عليه السلام: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، نفسي.. نفسي.. نفسي.. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى.فيأتون عيسى عليه السلام ويقولون: يا عيسى! أنت روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك، فيقول عيسى عليه السلام: نفسي.. نفسي.. نفسي.. -ولم يذكر عيسى شيئاً- اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم).يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (فيأتوني في أرض المحشر، فيأتوني يوم أن قال كل رسول: نفسي، ويوم أن قال كل نبي: نفسي، -يقول صلى الله عليه وسلم-: فيأتوني ويقولون: يا رسول الله! أنت خاتم الأنبياء، وأنت رسول الله، خلقك الله عز وجل وفضلك على جميع الأنبياء، فغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ألا ترى ما نحن فيه يا رسول الله! ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك).يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (فأقوم وأقول: نعم، أنا لها .. أنا لها، فآتي تحت عرش الرحمن وأخر ساجداً لله جل وعلا، فيفتح الله عليَّ بمحامد ويلهمني من الثناء ما لم يفتح به على أحد قبلي، فينادي عليه الحق جل وعلا ويقول: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فيقول الحبيب: يا رب! وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك، فيقول الله تعالى: قد شفعتك يا محمد، ارجع فإني آتيكم لأقضي بينكم).وصدق الله جل وعلا إذ يقول: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. (يا ربي لقد وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك) وهذه هي أعظم شفاعات المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيشفع الحبيب لجميع الخلق في أرض المحشر ليقضي الله جل وعلا بين خلقه وعباده، فهو حبيب الله، وهو خليل الله، وهو أكرم الخلق على الله جل وعلا..
الأصناف التي يظلها الله بظل عرشه
يظلهم الملك في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، لا أشجار ولا أنهار ولا بيوت، لا يستطيع الإنسان أن يأوي إلى أي ظل، والشمس فوق الرءوس، وينادي الحق تبارك وتعالى على هؤلاء السعداء، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة فقال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه). اللهم اجلنا منهم بمنك وكرمك. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
انشرها لتاخذ اجر من قرأها بعدك باذن الله واجعلها حسنه جاريه لك..
الشيخ محمد حسان