. . . . .-3- خشية تزكية النفس، والله - جل وعلا - قد نهى عن ذلك وحذر منه، فقال - جل وعلا -: ...


.
.
.
.
.-3- خشية تزكية النفس، والله - جل وعلا - قد نهى عن ذلك وحذر منه، فقال - جل وعلا -: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} النجم32، وقال - جل جلاله -: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً} النساء49-50، وقيل لحكيم: ما الصدق القبيح؟ قال: ثناء المرء على نفسه، وعقب الغزالي على هذا بقوله: والإيمان من أعلا صفحات المدح، والجزم به تزكية مطلقة، وصيغة الاستثناء كأنها نقل من عرف التزكية، كما يقال للإنسان: أنت طبيب، أو فقيه، أو مفسر؟، فيقول: نعم، إن شاء الله - تبارك وتعالى - لا في معرض التشكيك، ولكن لإخراج نفسه عن تزكية نفسه، فالصيغة صيغة الترديد، والتضعيف لنفس الخبر، ومعناه التضعيف للازم من لوازم الخبر وهو التزكية (1) ، ولذلك لما قيل لعلقمة - عليه رحمة الله تعالى - أمؤمن أنت؟ قال: أرجو (2) .
__________
(1) انظر الإحياء: (1/127) ، ونحوه في مجموع الفتاوى: (7/668) ، وكتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام: (69) ، واعلم أنه لا ينبغي للإنسان أن يخبر بمحاسن نفسه إلا لمصلحة شرعية، كما قال نبي الله يوسف - على نبينا وعليه الصلاة والسلام -: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} يوسف55، وانظر ذلك في الإحياء: (3/278) .
(2) روى ذلك عنه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان: (9) ، وأبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان أيضاً: (68) ، ونقله عنه الغزالي في الإحياء: (1/127) .
.
.
.
.
.
.
.
.
2-041-
8 - أن يناظر من يتوقع الاستفادة منه ممن هو مشتغل بالعلم والغالب أنهم يحترزون من مناظرة الفحول والأكابر خوفا من ظهور الحق على ألسنتهم فيرغبون فيمن دونهم طمعا في ترويج الباطل عليهم.
ثم علق إجمالا على ماسبق بقوله " واعلم بالجملة أن من لا يناظر الشيطان وهو مستول على قلبه وهو أعدى عدو له ولا يزال يدعوه إلى هلاكه ثم يشتغل بمناظرة غيره في المسائل التي المجتهد فيها مصيب أو مساهم للمصيب في الأجر فهو ضحكة الشيطان وعبرة للمخلصين "
وقوله " فكذلك من غلب عليه حب الإفحام والغلبة في المناظرة وطلب الجاه والمباهاة دعاه ذلك إلى إضمار الخبائث كلها في النفس وهيج فيه جميع الأخلاق المذمومة "
بيان آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق
1 - الحسد، ولا ينفك المناظر عن الحسد فإنه تارة يغلب وتارة يغلب وتارة يحمد كلامه وأخرى يحمد كلام غيره فما دام يبقى في الدنيا واحد يذكره بقوة العلم والنظر أو يظن أنه أحسن منه كلاما وأقوى نظرا فلا بد أن يحسده ويحب زوال النعم عنه وانصراف القلوب والوجوه عنه إليه.
2 - التكبر والترفع على الناس، ولا ينفك المناظر عن التكبر على الأقران والأمثال والترفع إلى فوق قدره حتى إنهم ليتقاتلون على مجلس من المجالس يتنافسون فيه في الارتفاع والانخفاض والقرب من وسادة الصدر والبعد منها والتقدم في الدخول عند مضايق الطرق.
3 - الحقد فلا يكاد المناظر يخلو عنه، ولا ترى مناظرا يقدر على أن لا يضمر حقدا على من يحرك رأسه من كلام خصمه ويتوقف في كلامه فلا يقابله بحسن الإصغاء بل يضطر إذا شاهد ذلك إلى إضمار الحقد وتربيته في نفسه وغاية تماسكه الإخفاء بالنفاق ويترشح منه إلى الظاهر لا محالة في غالب الأمر بل لو صدر من خصمه أدنى سبب فيه قلة مبالاة بكلامه انغرس في صدره حقد لا يقلعه مدى الدهر إلى آخر العمر.
4 - الغيبة وقد شبهها الله بأكل الميتة ولا يزال المناظر مثابرا على أكل الميتة فإنه لا ينفك عن حكاية كلام خصمه ومذمته وغاية تحفظه أن يصدق فيما يحكيه عليه ولا يكذب في الحكاية عنه فيحكي عنه لا محالة ما يدل على قصور كلامه وعجزه ونقصان فضله وهو الغيبة.
5 - تزكية النفس قال الله سبحانه وتعالى فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى وقيل لحكيم ما الصدق القبيح فقال ثناء المرء على نفسه ولا يخلو المناظر من الثناء على نفسه بالقوة والغلبة والتقدم على الأقران ولا ينفك في أثناء المناظرة عن قوله لست ممن يخفى عليه أمثال هذه الأمور وأنا المتفنن في العلوم والمستقل بالأصول وحفظ الأحاديث وغير ذلك مما يتمدح به تارة على سبيل الصلف وتارة للحاجة إلى ترويج كلامه ومعلوم أن الصلف والتمدح مذمومان شرعا وعقلا.
6 - التجسس وتتبع عورات الناس وقد قال تعالى ولا تجسسوا والمناظر لا ينفك عن طلب عثرات أقرانه وتتبع عورات خصومه حتى إنه ليخبر بورود مناظر إلى بلده فيطلب من يخبر بواطن أحواله ويستخرج بالسؤال مقابحه حتى يعدها ذخيرة لنفسه في إفضاحه وتخجيله إذا مست إليه حاجة حتى إنه ليستكشف عن أحوال صباه وعن عيوب بدنه فعساه يعثر على هفوة أو على عيب به.
7 - الفرح لمساءة الناس والغم لمسارهم ومن لا يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه فهو بعيد من أخلاق المؤمنين فكل من طلب المباهاة بإظهار الفضل يسره لا محالة ما يسوء أقرانه وأشكاله الذين يسامونه في الفضل ويكون التباغض بينهم كما بين الضرائر.
8 - النفاق فلا يحتاج إلى ذكر الشواهد في ذمه وهم مضطرون إليه فإنهم يلقون الخصوم ومحبيهم وأشياعهم ولا يجدون بدا من التودد إليهم باللسان وإظهار الشوق والاعتداد بمكانهم وأحوالهم ويعلم ذلك المخاطب والمخاطب وكل من يسمع منهم أن ذلك كذب وزور ونفاق وفجور فإنهم متوددون بالألسنة متباغضون بالقلوب نعوذ بالله العظيم منه فقد قال صلى الله عليه وسلم إذا تعلم الناس العلم وتركوا العمل وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا في الأرحام لعنهم الله عند ذلك فأصمهم وأعمى أبصارهم .. الحديث أخرجه الطبراني من حديث سلمان بإسناد ضعيف رواه الحسن.
.
.
.
.
.
2-042-مختارات نثرية
ـ[محمد سعد]•-----------
في الحرص
* روي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: " صلاح أول هذه الأمة بالرشد واليقين، وهلاك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل "
* وقيل الحرص ينقص من قدر الإنسان ولا يزيد في رزقه.
* وقيل لحكيم: ما بال الشيخ أحرص على الدنيا من الشاب؟ قال: لأنه ذاق من طعم الدنيا ما لم يذقه الشاب وما أحسن ما قال بعضهم:
إذا طاوعت حرصك كنت عبداً= لكل دنيئة تدعى إليها
ـ[محمد سعد]•-------
* قيل لأعرابي: ما الغبطة؟ قال: الكفاية مع لزوم الأوطان.
* ومرَّ إياس بن معاوية بمكان، فقال: أسمع صوت كلب غريب، فقيل له: بم عرفت ذلك؟ قال: بخضوع صوته، وشدة نباح غيره.
* وأراد أعرابي السفر، فقال لامرأته:
عدّي السنين لغيبتي وتصبَّري = وذري الشهور فإنهن قصارفأجابته:
فاذكر صبابتنا إليك وشوقنا= وارحم بناتك إنَّهن صغار
فأقام وترك السفر.
* ويقال: " رب ملازم لمهنته فاز ببغيته
* وقال ابن الهيثم:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها = ولكن أخلاق الرجال تضيق
ـ[محمد سعد]•------
#مَن كرم أصله، لان قلبه، ومن قلَّ لبه، زاد عجبه
#سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار.
#لا تعادين أحد، فإنك لا تخلو عداوة جاهل أو عاقل، فالحذر من حكمة العاقل، وجهل الجاهل.
#ضاحك معترف بذنبه خير من باك مدل على ربه.
#من قال سروره كانن الموت راحته.
#لا تردن على ذي خطأ فيستفيد منك علماً، ويتخذك عدوَّاً.
ـ[محمد سعد]•-----------
* أجِعْ كلبَك يتبعْكَ، وسَمِّنْهُ يأكلْكَ!
* قال الخليفة المنصور لبعض قوَّاده: صدق الذي قال أجِعْ كلبَك يتبعْكَ، وسَمِّنْهُ يأكلْكَ!
فقال له أبو العباس الطوسي: أما تخشى، يا أمير المؤمنين، إنْ أجَعْتَهُ أن يلوِّح له غيرُك برغيفٍ، فيتبعهُ ويدَعَك؟!
ـ[محمد سعد]•-------
العاقلة قدوة في تعويد أولادها على الصدق
عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم في دارنا، وكنت ألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال أعطك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أردت أن تعطيه؟ " قالت: أردت أن أعطيه تمرا، قال: " أما أنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة".
فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأكد ويؤكد هذا المعنى العظيم لأم عبد الله بن عامر، بحيث تكون صادقة إذا وعدته بإعطائه. ويحمد الله كانت أم عبد الله صادقة فيما قالته لعبد الله ابنها: " تعال أعطك "، " أعطيه تمرا ".
وهذا درس لمن يعدون الأبناء بالعطايا ثم يهونون من شأن تلك الوعود، فإن ذلك مدعاة لتعلم الولد رذيلة الكذب.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
2-043-
ذهليها مريها مطريها ... يمنى يديها خالد بن يزيدا
وهو غير معروف.
العكس عز الذليل ذليل العز مبغضه=فاعجب لعكس أعاديه وذلهم
العكس في اللغة: ردك آخر الشيء إلى أوله، وفي الاصطلاح على نوعين لفظي ومعنوي. فاللفظي هو أن تقدم في الكلام جزأ ثم تعكس وتقدم ما أخرت، وتؤخر ما قدمت، ويسمى التبديل أيضاً، وهو على وجوه كما سيظهر لك من الأمثلة التي سنوردها نثرا ونظما.
فمنه قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: جار الدار أحق بدار الجار.
رواه النسائي، وأبو يعلى في مسنده، وابن حيان في صحيحه عن أنس وأحمد في مسنده، وأبو داود والترمذي عن سمرة. قاله العلامة السيوطي في الجامع الصغير.
وابن حجة لبعد معرفته عن مثل ذلك جاء به بصيغة التمريض فقال: قيل: إنه ورد في الحديث، وذكر الحديث المذكور، وهو جهل منه.
وقول أبي الفتح البستي: عادات السادات سادات العادات. وقولهم: كلام الملوك ملوك الكلام. وقولهم: شيم الأحرار أحرار الشيم. وقولهم: كتب الأحباب أحباب الكتب.
وأنشد الشيخ شهاب الدين أبو الثناء محمود لنفسه في هذا النوع ما كتبه جوابا لصاحب اليمن عن هدية وردت منه قرين كتاب:
أتاني كتابك والمكرمات ... تسير لديه مسير السحب
لئن جاء في موكب من نداك ... فكتب الملوك ملوك الكتب
ومنه قول القاضي الأرجاني:
أنا أشعر الفقهاء غير مدافع ... في العصر لا بل أفقه الشعراء
شعري إذا ما قلت دونه الورى ... بالطبع لا بتكلف الإلقاء
أخذه الآخر فقال:
هو في الفقه شاعر لا يبارى ... وهو في الشعر أفقه الشعراء
لا إلى هؤلاء إن طلبوه ... وجدوه ولا إلى هؤلاء
غير أن ذلك مدح وهذا ذم.
ومنه قوله تعالى: (تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) .
وقول الحماسي:
رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا
فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا
وقول أبي هلال العسكري يصف الربيع:
لبس الماء والهواء صفاء ... واكتسى الروض بهجة وبهاء
فتخال السماء بالليل أرضا ... وترى الأرض في النهار سماء
وقول مجير الدين محمد بن تميم:
وليلة بتها من ثغر حبي ... ومن كأسي إلى فلق الصباح
أقبل أقحوانا في شقيق ... وأشربها شقيقا في أقاح
وقول بعضهم في رئيس ركب البحر:
ولما امتطى البحر ابتهلت تضرعا ... إلى الله يا مجري الرياح بلطفه
جعلت الندى من كفه مثل موجه ... فسلمه واجعل موجه مثل كفه
وقول عبد الرحمن بن الحسن القوشنجي
فو الله ما فارقت عهدة عقده ... ووالله ما أحللت عقدة عهده
وأني على هجرانه عبد وده ... فمن لي بمولى يرتضي ود عبده
وقول السيّد عز الدين المرتضى من قصيدة:
وعين شأني شأن لا أبوح به ... وشأن عيني عين ذات تهتان
ومنها:
لقد خبرت بني الدنيا فليس يرى ... إنسان عيني فيهم عين إنسان
ومنه قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: اشكر لمن أنعم عليك، وانعم على من شكرك. وقوله عليه السلام أن الإنسان ليسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه.
وقول الحسن البصري: إن من خوفك حتى تلقى الأمن خير ممن آمنك حتى تلقى الخوف. وقول بعض الحكماء: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون.
وقيل لحكيم: لم لا تمنع من يسألك؟ فقال: لئلا أسأل من يمنعني.
ولما قصد أبو تمام عبد الله بن طاهر بن الحسين بخراسان، وامتدحه بقصيدته التي أولها (أهن عوادي يوسف وصواحبه) أنكر عليه أبو سعيد الضرير، وأبو العميثل هذا الابتداء وقالا له: لم لا تقول ما يفهم؟ فقال لهما: لم لا تفهمان ما أقول فاستحسن منه هذا الجواب.
وقيل للحسن بن سهل: لا خير في السرف، فقال: لا سرف في الخير.
وقال أبو العيناء لأبي الصقر بن بلبل وهو وزير: أنت والله تقرب منا إذا احتجنا إليك، وتبعد عنا إذا احتجت إلينا.
وقيل لأبي دواد الأيادي - ونظر إلى ابنته تسوس فرسه - لقد أهنتها يا أبا دواد، فقال: أهنتها بكرامتي، كما أكرمتها بهواني.
وقال الجرجاني لأبي علي الحاتمي: إنما تحرم لأنك تشتم، فقال: إنما أشتم لأني أحرم