. لما استعار للبُخل مهجة مقتولة، فجعلها إحدى قتلاهم، وكان البخل إنما يُقتل بالندى، جعل نداهم ...
.
لما استعار للبُخل مهجة مقتولة، فجعلها إحدى قتلاهم، وكان البخل إنما يُقتل بالندى، جعل نداهم رُمحاً يُقتل به البخل. وقيل: من رماحهم نداهم: اي يجودون بما أفاءت عليهم رماحهم. والاول أولى لقوله: ومن قتلاهم مهجةُ البخل. وقوله مهجة البخل (: تفلسُفٌ لانه إذا قتلت المهجة والمهجة قوام المقتول أغنى ذلك عن وصف الجملة بالقتل. وهذا منه احتيال مليح لتسوية إعراب الرَّوى. وليس للبخل مُهجةٌ. إنما المهجة للحيوان فاستعارهُ وسهُل ذلك حين استعار لقتل للبخل. وقال ألست (. فأخرج اللفظ مُخرج الاستفهام ومعناه الإثبات والتقرير كقوله) ألستُ بربكم (؟ قال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بُطزن راحِ
فمعناه انت من القوم الذين شأنهم كذلك كما أن معنى) ألستُ بربكم (: أنا ربُّكم. ومعنى) ألستم خير من ركب المطايا (: أنتم خير من ركب المطايا.
) ويبقى على مرِّ الحوادثِ صبرهُ ... ويبدُو كما يبدُو الفرندُ على الصقلِ (
اي إذا نزلت بك الملماتُ ثبت من صبرك وتبين من جلك ما يزيدك في النفس جلالاً لأن ذلك عين الخبر والمحنةِ، كما أن السيف إذا أخذ منه الصقلِ جلا عن جوهره الذي كان يخفيه منه الصدى فازداد شرفاً بذلك؛ ولذلك قالوا: خرج منها كالشهاب. اي بين الفضل واضح الشرف. وقابل الحوادث بالصقل لأن ذلك روز واختيار وداعية إلى الوقوف الصحيح من الشيء.
) بنفسي وليدٌ عاد من بعد حملهِ ... إلى بطنِ أم لا تُطرقُ بالحملِ (
يعني انه عاد من بعد الحمل الذي تبعته الولادة إلى بطن أمٍ لا تضع حملها يعني الارض لأن من تضمنته لا يخرج منها إلا إلى الحشر فجعل تضمينها له كالحمل به، ونفي عنها التطريق الذي هو ضد الحمل وكل ذلك مستعار.
) وما الموتُ إلا سارٌ دقَّ شخصُه ... يصُول بلا كف ويسعى بلا رجلِ (
قوله) دق شخصه (: كلام شعري لأن الموت عرض والعرض لا يُشخص، إنما التشخيص للجواهر. وقد يُتجوز بالعرض المحسوس كالحمرة والصفرة. فأما الاعراض النفسانية فلا تُشخص وسوغه ذلك قوله فيه) سارق (لأن السارق لا يكون إلا شخصاُ، فلما نسب إليه صفة لا تكون إلا في الجواهر، وهو السرق استعار له التشخص.) يصُولُ بلا كف ويسعى بلا رجل (: اي انه عَرَض والعَرَض لا يد له ولا رجل.
) يرُدُ أبو الشبلِ الخميس عن ابنهِ ... ويُسلم عند الولادة للنملِ (
يعذر سيف الدولة في أنه لم يطق دفع المنية عن ابنه يقول: إن الأسد يردُ الخميس عن شبله وذلك لكبر أجرامهم وعظم أشخاصهم ويسلمه عندما يولد للنمل تأكله إذ لا يطيق دفعها عنه لدقة أشخاصها فكذلك الموت لو نجم لردهُ سيف الدولة عن ابنه ولكنه عَرَضٌ غير مُتجسم ولا محسوس، فلا قوة به عليه، بل سيفُ الدولة أعذر من الأسد لأن النمل وإن دقت فهي مرئية والموت غير مرئي، فدفعه أبعد من الإمكان. ألا ترى إلى قول بعض حكماء العرب يوصي ابنه فإنما تغُر من ترى ويغرُّك من لا يُرى (. يعنى الموت وهو الذي لا يُرى.
وله ايضا:
) فما تُرجى النُّفوسُ من زمن ... أحمد حاليه غيرُ محمُودِ (
اي أحمد حإلى الدهر أن يمُد للإنسان في العمر ويُسلمه ثم يفضى به بعد ذلك إلى الهلكة وتلك حال غير محمودة لمصيرها إلى ما لا يُحمد، لكنها أحمد الحاليت، فما ظنك بالآخر. وإن شئت قلت: أحمد أحولك بقاؤك بعد صديقك، وتلك حالٌ غير محمودة لما هو به من تعجُّل الوجل وانتظار الأجل. وهذا إفراط من القول لانه إذا كان الأحمد غير المحمود فهو مذموم لا محالة. فأي صفة تقع على الأذم والمحمود مذموم ما هي إلا أن الأذم أذهب في باب الذم وإلا فالذم مشتمل عليها فذكر محموداً لانه ذهب إلى الأحمد.
) نحملُ أغمادُها الفداء لهمُ ... فانتقدُوا الضربَ كالأخاديد (
الأخدود: الشق الواسع في الارض يُخذُّ فيها: اي يحفر. شبه الضربة العظيمة بها وكان ابو وائل تغلب هذا، قد أسرته بنو كلاب، فضمن لهم الفداء عن نفسه فكان مكان ما ضمن لهم من الفدية أن غزاهم فأوقع بهم ألا ترى إلى قوله فيه وفيهم:
فَدَى نفسه بِضمانِ النُّضار ... وأعطى صُدور القنَا الذَابِلِ
ومناهمُ الخيل مجنُوبةً ... فجشن بكل فتى باسلِ