سلبيات الخطاب الديني (( العلوم الإنسانية تخدم قضايا المجتمع )) 1- المذهبية الضيقة والحزبية ...

سلبيات الخطاب الديني (( العلوم الإنسانية تخدم قضايا المجتمع ))

1- المذهبية الضيقة والحزبية البغيضة
يتميز الخطاب الدِّيني عن عمق علاقة التَّواصل بيْن الإنسان ومعتقده عبر إشارات وكلمات تعكس البعد أو القرب بين أبناء المجتمع الليبي، وفق مقاربة اختيارية تزرع في العقول المفهوم الإيماني دون إكراه؛ إذ لا إكراه في الدين. وبما أن الخطاب الديني هو جزء من الهوية والتكوين الروحي والنفسي والاجتماعي، وجب على جميع الفاعلين من علماء ومثقفين النُّهوض بهذا الخطاب، وتجديد مضامينه، وتحديث أشكاله عبر تجاوز بعض الأمور الحزبية الضيقة والبغيضة التي يدَّعي فيها أصحابها أنهم على حق، وما سواهم على باطل، وأصبحت نزعة "أنا خير منك" أكثر رواجا في خطاباتهم؛ قال تعالى: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) سورة المؤمنون 53.
والنَّاظر بعين البصر والبصيرة يعلم بأن الوضع السَّياسي في ليبيا خطير جداً، وترتب عليه الانْقسام الاجْتماعي والفكري والثَّقافي والديني، فيجب أن يكون الخطاب الدِّيني في ليبيا دون قيودٍ ولا شرطٍ، إلا من الله سبحانه وتعالى، حتى يُساهم في رأب الصَّدع، وجمع الصُّفوف، وتوحيد النُّفوس، وفتح العقول والقلوب لما فيه خير للبلاد والعباد، ، ولابد أن تسير الأوقاف في ليبيا وفق معايير وقواعد محكمة تفيد الإنسان في حياته اليومية، وتوجه سلوكه نحو الانضباط والالتزام بالرحمة واللين والرفق والصدق والعدل، والتواصل المشترك بين أبناء البلاد، بقصد تحصين المجتمع الليبي من التَّطرف وثقافة العنف، وترك المذهبية الضيقة والحزبية الفردية.
لذلك، يسْتدعي الأمر ضرورة النُّهوض بالخطاب الديني، حتى يكون خطابا إنسانيا يستجيب للواقع الحالي، ويُساهم في بناء إنسانية إيجابية تعمق الحس الديني، وتحافظ على المجتمع الليبي من أخطار التطرف والغلو، وتسهم في التنمية والنمو.
2- الجمود والركود وعدم التجديد في الأسلوب والطريقة، يؤدي إلى الملل.
يمكن إدخال التكنولوجيا الحديثة في الخطاب الديني والاستفادة من هذه العلوم في التطوير وتجديد أساليب التربية والتعليم، وأيضاً تتطور وسائل عرض المعلومات، وإن كانت الثوابت ثابتة لا تتغير، ويجب على المؤسسات الدينية العمل على تطوير الخطيب وتنمية أدواته التي تمكنه من النجاح في القيام بمهمته، لا سيما في هذا الوقت من تاريخ بلادنا الحبيبة، للمحافظة على النسيج الاجتماعي، فقد استخدم رسول الله (ﷺ) الوسائل التوضيحية في عصره، عن جابر بن عبد الله قال: {كان رسول الله إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى)}، وعن ابن عمر رضى الله عنهما رجلاً يقول الليلة النصف، فقال له: ما يدريك أن الليلة النصف؟ سمعت رسول الله (ﷺ) يقول: {الشهر هكذا وهكذا} وأشار بأصابعه العشر مرتين، هكذا في الثالثة وأشار بأصابعه كلها، وحبس _ أو: خنس إبهامه، إذا تطوير وابتكار أدوات الخطيب والداعية يؤدي إلى التواصل الفاعل مع الجماهير، وبذلك نتحصَّل بهذا الخطاب على مقومات بلوغ الهدف من خلال فن التطوير والإقناع، وبذلك يتحقق النجاح، بتوظيف العلم والمعرفة في خدمة الإنسان والمجتمع.
3- الرفض والعنف:
ويتمثل هذا الاتجاه في محاولة بعضهم إظهار الإسلام محارباً للْمسالمين، مروعاً للآمنين، طالباً للدَّم، ساعياً للهدم، باحثاً عن الزَّلات لنشرها، طالباً للثغرات لهتكها، لا يعرف “المؤلفة قلوبهم” ولا “أهل الذمة” ولا “الكفار غير المحاربين” ونحو ذلك مما حفل به تراث الإسلام في تصنيف غير المسلمين ، بل ولا يعرف المسلم العاصي أو غير الملتزم المذنب فالكل في نظره كفار، بل وربما لا يعرف المسلم الملتزم المخالف له في الرأي ،إنه الاتجاه الذي لا يعرف تعدد الآراء، ولا اختلاف الفقهاء، لا يؤمن "بالحوار" ولا يسلم "بالتعددية"، إن الخطاب الإسلامي إذا أحسن استغلاله يستطيع أن يفتح آفاقاً وأقطاراً، فتحا سلمياً، لا تراق فيه قطرة دم، فلا نشهر سيفاً، ولا نطلق مدفعا، ولا نعلن حرباً، إنه (الفتح السِّلمي) الذي أصّله الإسلام، في (صلح الحديبية) المعروف، والذي عقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش، لإقامة هدنة بين الطرفين، يكف كل منهما يده عن الآخر، فسمّى القرآن ذلك (فتحا مبينا) ونزلت في شأنه (سورة الفتح)، وسأل بعض الصحابة الرسول الكريم: أو فتح هو يا رسول الله؟ قال: (إي والذي نفس محمد بيده إنه لفتح)، وانتشر الإسلام في هذه الفترة كما لم ينتشر في أي فترة مضت.

المراجع:

- غالب، عبد السلام حمود، 2013، الوسطية في الخطاب الديني وأثره على المجتمع، شبكة الألوكة، https://www.alukah.net/sharia/0/57153/.
- صحيح البخاري.
- التكافل الاجتماعي، الناشر وزارة الأوقاف السعودية، https://al-maktaba.org/book/1908/2#p1.
- سليمان، أحمد علي، 2015، تجديد آليات الخطاب الديني، وزارة الأوقاف المصرية، القاهرة.
- مسلم، أبي الحسين بن الحجاج القشيري النيسابوري، 1014، صحيح مسلم، تحقيق مركز البحوث وتقنية المعلومات، ط1، دار التأصيل، القاهرة، 3/25-26.
- البشير، عصام، 2017، من سلبيات الخطاب الديني المعاصر، مجلة المجتمع، الكويت، https://mugtama.com/theme-showcase/item/50558-2017-03-04-15-17-48.html