﴿ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ...

منذ 2021-07-05
﴿ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.



وبعد: فإن التخلف عن صلاة الجماعة من علامات النفاق - والعياذ بالله تعالى-، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ علَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ العِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لأَتَوْهُما ولو حَبْوًا، وَلقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فيُصَلِّيَ بالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي برِجَالٍ معهُمْ حُزَمٌ مِن حَطَبٍ إلى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بالنَّارِ" [أخرجه مسلم (651)].



وعَنْ عبدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضِيَ اللهُ عنه، قالَ: "مَن سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ علَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بهِنَّ، فإنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سُنَنَ الهُدَى، وإنَّهُنَّ مَن سُنَنَ الهُدَى، ولو أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، ولو تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَما مِن رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلى مَسْجِدٍ مِن هذِه المَسَاجِدِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له بكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عنْه بهَا سَيِّئَةً، وَلقَدْ رَأَيْتُنَا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلقَدْ كانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى به يُهَادَى بيْنَ الرَّجُلَيْنِ حتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ" [أخرجه مسلم (654)].



وقال عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "كنَّا إذا فقدنا الإنسان في صلاةِ الصُّبحِ والعشاءِ؛ أسأنا به الظَّنَّ" [أخرجه الحاكم في المستدرك (764) وصححه الألباني في صحيح الموارد (364)]، ومعلوم أن هذا الحكم لا يتعلق بمن يغيب عن صلاة الجماعة لعذر صحيح.



وقد بوب البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن، وقال في مقدمته: "بَابُ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ: مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ، وَمَا يُحْذَرُ مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].



هذا، وصلاة الفجر جماعة لها فضل عظيم مخصوص بها، ومن ذلك أنها صلاة مشهودة كما قال الله عز وجل: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78].



ولذا، فالمحافظة عليها من أهم ما ينبغي العناية به؛ وقد ورد في فضلها، والحث عليها جملة من الأحاديث النبوية منها ما يلي:

♦ عن أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "فَضلُ صَلاةِ الجَميعِ على صلاةِ الواحِدِ خَمسٌ وعِشرونَ دَرجةً، وتجتَمِعُ ملائِكةُ اللَّيلِ وملائِكةُ النَّهارِ في صلاةِ الصُّبحِ"، يقولُ أبو هريرة: اقرَؤوا إن شِئتُم: ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [أخرجه البخاري (4717)]، فلماذا نحرم أنفسنا من حضور صلاة مشهودة، تشهدها ملائكة الرحمن عز وجل؟



♦ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ" [أخرجه البخاري (555)، ومسلم (632)]، فلماذا نحرم أنفسنا أن نكون ممن يقال عنهم: "تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ"؟.



♦ وعَنْ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ الأَسْلَمِيِّ رضِيَ اللهُ عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بشِّرِ المشَّائينَ في الظُّلمِ إلى المساجدِ بالنُّورِ التَّامِّ يومَ القيامةِ" [أخرجه أبو داود (561)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود]، فلماذا نحرم أنفسنا من النور التام يوم القيامة؟



♦ وعن عُثمانَ بنِ عفَّانٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: "مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ" [أخرجه مسلم (656)]، أي: أن من صلى العشاء في جماعة فله أجر قيام نصف ليلة، ومن صلى الفجر في جماعة فله أجر قيام نصف ليلة أيضا[1]، فلماذا نحرم أنفسنا من هذه الأجور العظيمة؟



♦ وعن جُنْدَبِ بنِ عبدالله رضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن صَلَّى الصُّبْحَ فَهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بشيءٍ فيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ في نَارِ جَهَنَّمَ" [أخرجه مسلم (657)]، فلماذا نحرم أنفسنا من الدخول في ذمة الله أي: أمانه وضمانته؟[2].



♦ وعَنْ عَائِشَةَ رضِيَ اللهُ عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" [أخرجه مسلم (725)]، وهذا الحديث -معاشر الكرام- في فضل سنة الفجر، فما ظنكم بفضل صلاة الفجر ذاتها؟



اللهم لا تجعلنا من المحرومين، ووفقنا للمحافظة علَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الخمس حَيْثُ يُنَادَى بهِنَّ، واجعلنا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [الزمر: 18][3]، ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40][4].



والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] ينظر: شرح الحديث بالموسوعة الحديثية، للدرر السنية.

[2] ينظر: شرح الحديث بالموسوعة الحديثية، للدرر السنية.

[3] قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 17، 18].

[4] قال الله تعالى في ذكر بعض دعاء إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].
  • 0
  • 0
  • 189

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً