بالحلال الطيب، تصلح النفوس والديار؛ لأن من الثابت المتقرر أن سلوك الإنسان وأخلاقه يتأثران بما يدخل ...
بالحلال الطيب، تصلح النفوس والديار؛ لأن من الثابت المتقرر أن سلوك الإنسان وأخلاقه يتأثران بما يدخل في جوفه، وبما يخالط بدنه تأثرا كبيرا ظاهرا؛ تأملوا ما يقوله بعض أهل العلم؛ يقول: "من المشاهد أن الصالحين وأهل التقى والورع يكثرون حين يكثر أكل الحلال وتحريه والبعد عن الشبهات، فكل ناحية كثر الحل في قوت أهلها كثر الصالحون فيها، وعكسه بعكسه، يدل على ذلك قول الله ﷻ: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) ~ [المؤمنون: ٥١]، قال أهل العلم: "إن تقديم الأكل من الطيبات على العمل الصالح تنبيه إلى أن أكل هذه الطيبات هو الذي يثمر العمل الصالح؛ لأن الغذاء الطيب يصلح عليه القلب والبدن؛ فتصلح الأعمال، كما أن الغذاء الخبيث يفسد به القلب والبدن، فتفسد الأعمال.
معاشر الإخوة: طيب المطعم، والمشرب، والملبس، والزينة، والدواء له أثر عظيم في تزكية النفس، وصفاء القلب، وقوة البصيرة، بل إن قبول العبادة، وإجابة الدعاء مرتبط بأكل الحلال الطيب، يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "إن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما دام الأكل حلالا، فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال، فكيف يكون العمل مقبولا؟" انتهى كلامه -رحمه الله-.
أيها المسلمون: وليس أعظم دلالة وأوضح بيانا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، والذي أخرجه مسلم في صحيحه، عن النبي ﷺ أنه قال: "أيها الناس: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال عز شأنه: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) ~ [المؤمنون: ٥١]، وقال جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ~ [البقرة: ١٧٢]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك"، بل إن من أبرز خصائص الرسالة المحمدية ما جاء في قول الحق -سبحانه وتعالى-: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ~ [الأعراف: ١٥٧].
أيها الإخوة: ومن عجائب عناية هذه الشريعة المطهرة ودقائق تحريها الحلال في غذاء المسلم وطعامه وما يدخل إلى جوفه أن ما أحل له من الحيوان فصلت هذه الشريعة في كيفية ذبحه، وطريقة تذكيته، فاشترطت لذلك شروطا، وسنت سننا وآدابا؛ من: أهلية الذابح، وكيفية الذبح، من إنهار الدم، وقطع الحلق، والمريء، والودجين بآلة حادة، والإحسان في الذبح، والإحسان إلى الذبيحة، وحرمت الميتة بكل أنواعها؛ من: المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، وما ذبح على النصب، وما أهل به لغير الله إلا ما كان من حال الاضطرار غير باغ ولا عاد، وغير ذلك من الأحكام الدقيقة، والآداب الرفيعة من أجل أن يخلص للمسلم ما يدخل إلى جوفه.
معاشر المسلمين: وفي هذا العصر وما فيه من تقدم محمود، ومنافع سخرها الله ويسرها، وقد دخل ذلك التقدم في صناعة الغذاء، والدواء، ومستحضرات التجميل وغيرها، وما أحدثته التقنية العظيمة من تطور هائل؛ مما أحدث تغييرات كبيرة، وأنتج كثيرا من المواد، والمشتقات، والمعالجات الكيميائية في مكونات الأغذية، والأودية، وأدوات التجميل وغيرها؛ مما يستدعي مزيدا من التحري في تحصيل الحلال الطيب.
معاشر المسلمين: اللقمة الحلال تدفع النقم، وتصرف البلاء عن الأنفس، والأموال، والأولاد، والأعمال، والديار قيل للإمام أحمد: "ما علاج مرض القلب؟ قال: كسب الحلال"، وقال بعض الصالحين: "تلين القلوب بأكل الحلال"، ويقول إبراهيم بن أدهم: "ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل في جوفه"، ومما قيل في ذلك: "لا يغرنك من المرء قميص رقعه، أو إزار فوق ظهر الكعب عنه رفعه، أو جبين لاح فيه أثر قد قلعه، ولكن لدى الدرهم والدينار انظر إقدامه وورعه".
ومما يروى عن بعض نساء السلف أنه أتاها نعي زوجها؛ أي: خبر وفاته وهي تعجن العجين، فرفعت يدها وقالت: "هذا طعام قد صار لنا فيه شركاء"؛ تعني الورثة، يقول سهل بن عبد الله: "من نظر في مطعمه دخل عليه الزهد من غير دعوى"، ويقول ربيعة بن عبد أبي عبد الرحمن -رحمه الله-: "رأس الزهد جمع الشيء من حله، ووضعه في محله".
وتأملوا ما يقوله أبو عبد الله الباجي الزاهد: "خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بالله، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل؛ وذلك أن العبد إذا آمن بالله، ولم يعرف الحق لم ينتفع، وإذا عرف الحق، ولم يؤمن بالله لم ينتفع، وإذا آمن بالله وعرف الحق، ولم يخلص العمل لم ينتفع، وإن تمت الأربع ولم يكن الأكل حلالا لم ينتفع".
يا عبد الله: الفقير من طمع، والغني من قنع، يأكل الحلال من لم يظلم الناس في معاشهم، ولم يبخس العاملين حقوقهم، ولم يستغل الضعفاء في أقواتهم، يأكل الحلال من يعلم أبناء المسلمين بصدق وإخلاص وحسن تعليم.
واعلم -يا عبد الله- أن الحرص قرينه التعب، والطمع قرينه الذل، وقد قيل: "أذل الحرص أعناق الرجال"، ويقول إبراهيم بن أدهم: "قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تورث الهم والجزع".
أما عجبت -يا عبد الله- ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض، ولا يحتمي من الحرام مخافة النار، ما أوقع في ذلك إلا الغفلة وقسوة القلب، وضعف البصيرة، وفي صحيح البخاري، عن جندب -رضي الله عنه-: "إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع ألا يأكل إلا طيبا فليفعل".
وبعد عباد الله: استغنوا بالحلال عن الحرام، وتوبوا من المظالم والآثام، واجعلوا أموالكم سترا لكم من النار، واصرفوها في مرضاة الله، وأكثروا من الصدقات تبلغوا رفيع الدرجات، تحروا الحلال، ابتعدوا عن المشتبه، احفظوا حقوق العباد، أنجزوا أعمالكم، وأدوا أماناتكم، أوفوا بالعقود وبالعهود، اجتنبوا الغش والتدليس والمماطلة، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم اجعل رزقنا رغدا، ولا تشمت بنا أحدا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) ~ [المائدة: ٨٧-٨٨].
وختاما لا تنسوا الصلاة على النبي ﷺ
معاشر الإخوة: طيب المطعم، والمشرب، والملبس، والزينة، والدواء له أثر عظيم في تزكية النفس، وصفاء القلب، وقوة البصيرة، بل إن قبول العبادة، وإجابة الدعاء مرتبط بأكل الحلال الطيب، يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "إن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما دام الأكل حلالا، فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال، فكيف يكون العمل مقبولا؟" انتهى كلامه -رحمه الله-.
أيها المسلمون: وليس أعظم دلالة وأوضح بيانا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، والذي أخرجه مسلم في صحيحه، عن النبي ﷺ أنه قال: "أيها الناس: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال عز شأنه: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) ~ [المؤمنون: ٥١]، وقال جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ~ [البقرة: ١٧٢]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك"، بل إن من أبرز خصائص الرسالة المحمدية ما جاء في قول الحق -سبحانه وتعالى-: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ~ [الأعراف: ١٥٧].
أيها الإخوة: ومن عجائب عناية هذه الشريعة المطهرة ودقائق تحريها الحلال في غذاء المسلم وطعامه وما يدخل إلى جوفه أن ما أحل له من الحيوان فصلت هذه الشريعة في كيفية ذبحه، وطريقة تذكيته، فاشترطت لذلك شروطا، وسنت سننا وآدابا؛ من: أهلية الذابح، وكيفية الذبح، من إنهار الدم، وقطع الحلق، والمريء، والودجين بآلة حادة، والإحسان في الذبح، والإحسان إلى الذبيحة، وحرمت الميتة بكل أنواعها؛ من: المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، وما ذبح على النصب، وما أهل به لغير الله إلا ما كان من حال الاضطرار غير باغ ولا عاد، وغير ذلك من الأحكام الدقيقة، والآداب الرفيعة من أجل أن يخلص للمسلم ما يدخل إلى جوفه.
معاشر المسلمين: وفي هذا العصر وما فيه من تقدم محمود، ومنافع سخرها الله ويسرها، وقد دخل ذلك التقدم في صناعة الغذاء، والدواء، ومستحضرات التجميل وغيرها، وما أحدثته التقنية العظيمة من تطور هائل؛ مما أحدث تغييرات كبيرة، وأنتج كثيرا من المواد، والمشتقات، والمعالجات الكيميائية في مكونات الأغذية، والأودية، وأدوات التجميل وغيرها؛ مما يستدعي مزيدا من التحري في تحصيل الحلال الطيب.
معاشر المسلمين: اللقمة الحلال تدفع النقم، وتصرف البلاء عن الأنفس، والأموال، والأولاد، والأعمال، والديار قيل للإمام أحمد: "ما علاج مرض القلب؟ قال: كسب الحلال"، وقال بعض الصالحين: "تلين القلوب بأكل الحلال"، ويقول إبراهيم بن أدهم: "ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل في جوفه"، ومما قيل في ذلك: "لا يغرنك من المرء قميص رقعه، أو إزار فوق ظهر الكعب عنه رفعه، أو جبين لاح فيه أثر قد قلعه، ولكن لدى الدرهم والدينار انظر إقدامه وورعه".
ومما يروى عن بعض نساء السلف أنه أتاها نعي زوجها؛ أي: خبر وفاته وهي تعجن العجين، فرفعت يدها وقالت: "هذا طعام قد صار لنا فيه شركاء"؛ تعني الورثة، يقول سهل بن عبد الله: "من نظر في مطعمه دخل عليه الزهد من غير دعوى"، ويقول ربيعة بن عبد أبي عبد الرحمن -رحمه الله-: "رأس الزهد جمع الشيء من حله، ووضعه في محله".
وتأملوا ما يقوله أبو عبد الله الباجي الزاهد: "خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بالله، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل؛ وذلك أن العبد إذا آمن بالله، ولم يعرف الحق لم ينتفع، وإذا عرف الحق، ولم يؤمن بالله لم ينتفع، وإذا آمن بالله وعرف الحق، ولم يخلص العمل لم ينتفع، وإن تمت الأربع ولم يكن الأكل حلالا لم ينتفع".
يا عبد الله: الفقير من طمع، والغني من قنع، يأكل الحلال من لم يظلم الناس في معاشهم، ولم يبخس العاملين حقوقهم، ولم يستغل الضعفاء في أقواتهم، يأكل الحلال من يعلم أبناء المسلمين بصدق وإخلاص وحسن تعليم.
واعلم -يا عبد الله- أن الحرص قرينه التعب، والطمع قرينه الذل، وقد قيل: "أذل الحرص أعناق الرجال"، ويقول إبراهيم بن أدهم: "قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تورث الهم والجزع".
أما عجبت -يا عبد الله- ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض، ولا يحتمي من الحرام مخافة النار، ما أوقع في ذلك إلا الغفلة وقسوة القلب، وضعف البصيرة، وفي صحيح البخاري، عن جندب -رضي الله عنه-: "إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع ألا يأكل إلا طيبا فليفعل".
وبعد عباد الله: استغنوا بالحلال عن الحرام، وتوبوا من المظالم والآثام، واجعلوا أموالكم سترا لكم من النار، واصرفوها في مرضاة الله، وأكثروا من الصدقات تبلغوا رفيع الدرجات، تحروا الحلال، ابتعدوا عن المشتبه، احفظوا حقوق العباد، أنجزوا أعمالكم، وأدوا أماناتكم، أوفوا بالعقود وبالعهود، اجتنبوا الغش والتدليس والمماطلة، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم اجعل رزقنا رغدا، ولا تشمت بنا أحدا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) ~ [المائدة: ٨٧-٨٨].
وختاما لا تنسوا الصلاة على النبي ﷺ