معنى التبرك بكتب العلماء قال ابن قدامة رحمه الله في مقدمة المغني: وأبين في كثير من المسائل ما ...

منذ 2022-06-16
معنى التبرك بكتب العلماء
قال ابن قدامة رحمه الله في مقدمة المغني: وأبين في كثير من المسائل ما اختلف فيه مما أجمع عليه، وأذكر لكل إمام ما ذهب إليه، تبركاً بهم وتعريفاً لمذاهبهم".
وقال عن أبي القاسم الخرقي: "فنتبرك بكتابه، ونجعل الشرح مرتباً على مسائله وأبوابه".
فهل يجوز التبرك بكتب العلماء؟ كأن أحمله معي تبركاً به، وليس تبركاً فقط، وإنما أحمله معي لقراءته وقت الفراغ وتبركاً به في نفس الوقت؟ وهل يجوز التبرك بالعلماء على ما قاله ابن قدامة؟
وما ذكره ابن قدامة رحمه الله يحمل على التبرك بعلم العلماء، سواء كان ذلك بمجالستهم أو بقراءة كتبهم، وهو من التبرك المشروع، بخلاف التبرك بذواتهم فإنه ممنوع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: " وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: نَحْنُ فِي بَرَكَةِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ وَقْتِ حُلُولِهِ عِنْدَنَا حَلَّتْ الْبَرَكَةُ، فَهَذَا الْكَلَامُ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ، بَاطِلٌ بِاعْتِبَارِ، فَأَمَّا الصَّحِيحُ: فَأَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ هَدَانَا وَعَلَّمَنَا وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ فَبِبَرَكَةِ اتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ حَصَلَ لَنَا مِنْ الْخَيْرِ مَا حَصَلَ، فَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ، كَمَا كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَرَكَتِهِ لَمَّا آمَنُوا بِهِ وَأَطَاعُوهُ، فَبِبَرَكَةِ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُمْ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بَلْ كُلُّ مُؤْمِنٍ آمَنَ بِالرَّسُولِ وَأَطَاعَهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ بَرَكَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِسَبَبِ إيمَانِهِ وَطَاعَتِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، وَأَيْضًا إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ وَصَلَاحِهِ دَفَعَ اللَّهُ الشَّرَّ وَحَصَلَ لَنَا رِزْقٌ وَنَصْرٌ فَهَذَا حَقٌّ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ، بِدُعَائِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ؟) وَقَدْ يَدْفَعُ الْعَذَابَ عَنْ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ لِئَلَّا يُصِيبَ مِنْ بَيْنِهِمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ".
وقد ذكر الدكتور ناصر الجديع في كتابه (التبرك أنواعه وأحكامه) مبحثا في التبرك بمجالسة الصالحين، وذكر فيه أوجه التبرك المشروع بمجالستهم، وأن منها: الانتفاع بعلمهم، والاستماع إلى وعظهم ونصائحهم.
وذكر كلام الإمام ابن القيم رحمه الله: (من بركة الرجل أن يكون معلماً للخير، داعيا إلى الله، مذكرا به، مرغباً في طاعته، ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة، ومحقت بركة لقائه، والاجتماع به).
ثم ختم مبحثه بقوله: (مجالسة الصالحين لا يقتصر موضعها على المساجد فقط ـ كما قد يظن ـ فإنها تزاول أيضا في المنازل والمدارس، وسائر المواضع، حضرا وسفرا، إلا أن حصول ذلك في المساجد أولى؛ لأنها أفضل البقاع، ويمكن الانتفاع أيضا من الصالحين إذا تعذرت مجالستهم مباشرة في بعض الأحيان ـ إما لبعدهم، أو بسبب الانشغال عنهم ـ يمكن ذلك بعدة وسائل، كقراءة كتبهم، والاستماع إلى الأشرطة المسجلة لهم، ونحو ذلك).
فظهر أن التبرك بكتب العلماء ليس لذات الأوراق والحبر الذي كتب بها، وإنما لما فيها من العلم النافع، فعلى المعنى الأول لا يجوز التبرك بالتمسح بها أو حملها، وعلى المعنى الثاني يجوز التبرك بها بقراءة ما فيها من العلم.
  • 0
  • 0
  • 58

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً