موسى المربي والمُعلم ولما بلغ موسى سن الرشد واشتد عوده، واستوى واكتمل بنيانه، كُلف بالعمل رئيساً ...
منذ 2017-08-11
موسى المربي والمُعلم
ولما بلغ موسى سن الرشد واشتد عوده، واستوى واكتمل بنيانه، كُلف بالعمل رئيساً للعمال من بني إسرائيل، ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ القصص:14، فكان يحسن إليهم ولا يشق عليهم كغيره من أمراء القصر، وكان لا يجرأوا أحد من المصريين أن يستعبد بني إسرائيل أو يستذلهم في حضوره؛ لذا أحبوه حباً شديداً، وتطلعت آمالهم فيه خيراً.
وتكشف الأحداث القادمة أنه اصطفى منهم صفوة يعلمهم دين أجدادهم يوسف ويعقوب وابراهيم، ليعود بهم إلى المعين الصافي لينهلوا سوياً منه - بعدما أفسد فطرتهم فرعون ونظامه - ويُكَوًن بهم ظهيراً شعبياً يقف به أمام فرعون في الوقت المناسب مطالباً بحريتهم.
فلا عز للأمة إلا بأن تكون كل قواها مجتمعة ومتضافرة ومتناصرة تسعى إلى غاية واحدة تحت قيادة واحدة تقيم الحق فيها، وتؤلف بين أفرادها بالأخوة في الله، وتوجهها وجهة العمل لإعزاز دين الله، وإعلاء كلمة الله.
وبدأت هذه الجلسات السرية التي كان يعقدها موسى عليه السلام مع أقرانه من بني إسرائيل بمساعدة شقيقه الأكبر "هارون" تؤتي ثمارها، فقد ربى موسى هذه الصفوة على الحرية التي هي الترجمة الحركية لقولهم لا إله إلا الله، والتي تلزم المسلم ألا يُخضع رقبته لأحد سوى الله، كما رباهم على الوقوف ضد الظلم فهم أحفاد إبراهيم عليه السلام الذى تصدى وحده لجبروت النمرود ..
فالشعوب إذا استمرأت الظلم ورضيت بالهوان وغلب عليها الخوف؛ أعطت الطاغية فرصة وشجعته على الاستمرار والزيادة في البغي و"إن الأمة التي تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب الله لها الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة"(1).
فالناس من خوف الموت في موت، ومن خوف الذلة في ذلة، فإن أحبوا الموت في سبيل عزتهم وحريتهم، وإن باعوا أنفسهم وبذلوها في سبيل الحق وحماية الديار، وعرضوها لكل مهانة – يتوهمونها- في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أحياهم الله أقوى الحياة وأعزها ، "فأعدوا أنفسكم ليوم عظيم، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة، واعلموا أن الموت لا بد منه، ولا يكون إلا مرة واحدة، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الآخرة"(2)﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ البقرة:243.
وقد استطاع موسى عليه السلام خلال هذه الجلسات التربوية أن يضع يده على موضع المرض عندهم؛ ليعالجه فالعلاج يبدأ من النفس، ولأن المرض هو في النفس ذاتها، فإن الله تعالى جعل إرادة التغيير مرتبطة بالإنسان نفسه، فإذا أراد الشعب أن يتحرر فلابد من أن يقهر الخوف في داخله، وبالتالي تأتى إرادة الله تعالى تالية ومؤكدة لإرادة الشعب ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ الرعد:11، فالشعب إذا قام بتغيير نفسه من الخوف والخنوع؛ إلى الشجاعة والمواجهة والصبر، فإنه لابد أن يقهر الحاكم ويحوله إلى خادم له، فتلك هي وظيفته الحقيقية.
ومن هنا يحرص الحاكم المستبد على مطاردة الأفكار التي تنتج وعياً بالحقوق، والتي تشجع الشعب على أن "يغيّر" الخنوع إلى شجاعة وإقدام واستهانة بالموت في سبيل حياة كريمة.
عالج موسى عليه السلام خلال هذه الجلسات ما اعترى نفوسهم من الجبن وخور العزيمة، وفِقدان الشجاعة والشهامة، جمع قلوبهم المتنافرة، وقوى أخّوتهم الضعيفة؛ فحياة الأمم بقوة الحيوية في نفوس أفرادها، وبما يتأجج في قلوبهم من الحماسة والغيرة على دينهم وأوطانهم، وبما يجري في دمائهم من أخوة وشهامة.
ولكن كشأن أي عمل سري يعمل لنصرة الدين وإحياء مبادئه في النفوس، أن يعتريه الخطأ أو يُختار فيه من لا يستحق هذا الشرف؛ فذات يوم - كعادة موسى– تخير وقت غفلة فرعون وعيونه ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ القصص:15، متخفياً إلى المكان الذي يلتقي فيه أشياعه وأنصاره الذين اختارهم بعناية من بني إسرائيل ليعلمهم ويربيهم؛ وإذا به في الطريق يجد ﴿ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ ﴾.
المفاجأة أن أحدهما من المجموعة التي يربيها ﴿ مِنْ شِيعَتِهِ ﴾ مناصري فكره وأخلاقه ومبادئه؛ وكان يتشاجر مع أحد رجال دولة فرعون من أصحاب القوة والسلطان ﴿ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ وظاهر الأمر أن المصري كان صاحب حيثية تعطيه الحق في دولة فرعون العسكرية أن يضرب من يشاء وأن يقتل من يريد؛ فقد كان من طوائف الملأ الفرعوني في حواري العاصمة جماعات تحترف الاستطالة على الناس، وقد أعطاها الفرعون تلك السلطات ليفعلوا ما يشاءون خاصة مع بني اسرائيل دون حساب أو معاقبة.
فاقترب موسى منهما وسياط الضرب تنهال كالسيل على تلميذه الذي من شيعته، فلما رآه صاح مستغيثاً به طالباً منه أن ينجيه من العذاب الذي ينزل عليه من المصري ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ القصص:15.
موسى يقتل المصري
فدخل موسى بين الرجلين، ليدفع عن الإسرائيلي هذه اليد التي تسومه سوء العذاب، وطبيعي أن يتصدى المصري لموسى، وأن يعدّ ذلك فضولاً منه بالتدخل فيما لا يعنيه، فكان بين الرجلين- موسى والمصري- شدّ وجذب، بل ربما مد المصري يده إلى موسى !
﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى ﴾ بقبضة يده في صدره ..
تلقى المصري الضربة فترنح قبل أن يسقط على الأرض بلا حركة !
اندهش موسى عليه السلام، فالضربة لم تكن قوية لدرجة قتله ! فانحنى على صدر الرجل، ووضع يده على أنفه فلم يستشعر الأنفاس ! فقلبه يمنة ويسرة .. فإذا بالرجل قد مات !
فهرب موسى إلى حيث لا يراه الناس، وجلس يستغفر الله من ذنبه وخطيئته ﴿ قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ﴾ القصص:16، فإنه وإن كان قتل «خطأ»، فهو على كل حال ذنب، وذنب عظيم في حق من يُعد للنبوة؛ ولكن مغفرة الله فوق كل ذنب وإن عظم، لمن تاب وأخلص التوبة وطلب المغفرة ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً﴾ النساء:110
ثم نظر موسى إلى جسده ويديه التي وجد منهما قوة لم يكن يتوقعها فقال: ﴿ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ على فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ﴾ القصص:17
فهو بهذه النعمة التي أنعم الله بها عليه يملك قوة جسدية خارقة، وإنه ينبغى- لكى يرعى هذه النعمة، ويؤدي حق شكرها لله- ألا يستخدمها إلا في الخير، وألا يظاهر بها الأشرار المعتدين، فمن كمال شكر الله على نعمه ومن تمام التوبة على التقصير - أن يعزم المرء على التغيير للأفضل، وأن يتقرَّب إلى مولاه بنيةٍ صالحة، وهِمَّةٌ عالية، وعزمٌ جديد، فيقرِّر أن يتبع تلك التوبة ويجمل ذلك الشكر بمعالي الأمور وعظائم الطاعات..
لذا قطع موسى على نفسه عهدًا راقيًا..
فهو لن يكون ظهيرًا للمجرمين، ولن يكون عونًا للظالمين، ولن يركن للمفسدين..
ولما بلغ موسى سن الرشد واشتد عوده، واستوى واكتمل بنيانه، كُلف بالعمل رئيساً للعمال من بني إسرائيل، ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ القصص:14، فكان يحسن إليهم ولا يشق عليهم كغيره من أمراء القصر، وكان لا يجرأوا أحد من المصريين أن يستعبد بني إسرائيل أو يستذلهم في حضوره؛ لذا أحبوه حباً شديداً، وتطلعت آمالهم فيه خيراً.
وتكشف الأحداث القادمة أنه اصطفى منهم صفوة يعلمهم دين أجدادهم يوسف ويعقوب وابراهيم، ليعود بهم إلى المعين الصافي لينهلوا سوياً منه - بعدما أفسد فطرتهم فرعون ونظامه - ويُكَوًن بهم ظهيراً شعبياً يقف به أمام فرعون في الوقت المناسب مطالباً بحريتهم.
فلا عز للأمة إلا بأن تكون كل قواها مجتمعة ومتضافرة ومتناصرة تسعى إلى غاية واحدة تحت قيادة واحدة تقيم الحق فيها، وتؤلف بين أفرادها بالأخوة في الله، وتوجهها وجهة العمل لإعزاز دين الله، وإعلاء كلمة الله.
وبدأت هذه الجلسات السرية التي كان يعقدها موسى عليه السلام مع أقرانه من بني إسرائيل بمساعدة شقيقه الأكبر "هارون" تؤتي ثمارها، فقد ربى موسى هذه الصفوة على الحرية التي هي الترجمة الحركية لقولهم لا إله إلا الله، والتي تلزم المسلم ألا يُخضع رقبته لأحد سوى الله، كما رباهم على الوقوف ضد الظلم فهم أحفاد إبراهيم عليه السلام الذى تصدى وحده لجبروت النمرود ..
فالشعوب إذا استمرأت الظلم ورضيت بالهوان وغلب عليها الخوف؛ أعطت الطاغية فرصة وشجعته على الاستمرار والزيادة في البغي و"إن الأمة التي تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب الله لها الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة"(1).
فالناس من خوف الموت في موت، ومن خوف الذلة في ذلة، فإن أحبوا الموت في سبيل عزتهم وحريتهم، وإن باعوا أنفسهم وبذلوها في سبيل الحق وحماية الديار، وعرضوها لكل مهانة – يتوهمونها- في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أحياهم الله أقوى الحياة وأعزها ، "فأعدوا أنفسكم ليوم عظيم، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة، واعلموا أن الموت لا بد منه، ولا يكون إلا مرة واحدة، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الآخرة"(2)﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ البقرة:243.
وقد استطاع موسى عليه السلام خلال هذه الجلسات التربوية أن يضع يده على موضع المرض عندهم؛ ليعالجه فالعلاج يبدأ من النفس، ولأن المرض هو في النفس ذاتها، فإن الله تعالى جعل إرادة التغيير مرتبطة بالإنسان نفسه، فإذا أراد الشعب أن يتحرر فلابد من أن يقهر الخوف في داخله، وبالتالي تأتى إرادة الله تعالى تالية ومؤكدة لإرادة الشعب ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ الرعد:11، فالشعب إذا قام بتغيير نفسه من الخوف والخنوع؛ إلى الشجاعة والمواجهة والصبر، فإنه لابد أن يقهر الحاكم ويحوله إلى خادم له، فتلك هي وظيفته الحقيقية.
ومن هنا يحرص الحاكم المستبد على مطاردة الأفكار التي تنتج وعياً بالحقوق، والتي تشجع الشعب على أن "يغيّر" الخنوع إلى شجاعة وإقدام واستهانة بالموت في سبيل حياة كريمة.
عالج موسى عليه السلام خلال هذه الجلسات ما اعترى نفوسهم من الجبن وخور العزيمة، وفِقدان الشجاعة والشهامة، جمع قلوبهم المتنافرة، وقوى أخّوتهم الضعيفة؛ فحياة الأمم بقوة الحيوية في نفوس أفرادها، وبما يتأجج في قلوبهم من الحماسة والغيرة على دينهم وأوطانهم، وبما يجري في دمائهم من أخوة وشهامة.
ولكن كشأن أي عمل سري يعمل لنصرة الدين وإحياء مبادئه في النفوس، أن يعتريه الخطأ أو يُختار فيه من لا يستحق هذا الشرف؛ فذات يوم - كعادة موسى– تخير وقت غفلة فرعون وعيونه ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ القصص:15، متخفياً إلى المكان الذي يلتقي فيه أشياعه وأنصاره الذين اختارهم بعناية من بني إسرائيل ليعلمهم ويربيهم؛ وإذا به في الطريق يجد ﴿ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ ﴾.
المفاجأة أن أحدهما من المجموعة التي يربيها ﴿ مِنْ شِيعَتِهِ ﴾ مناصري فكره وأخلاقه ومبادئه؛ وكان يتشاجر مع أحد رجال دولة فرعون من أصحاب القوة والسلطان ﴿ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ وظاهر الأمر أن المصري كان صاحب حيثية تعطيه الحق في دولة فرعون العسكرية أن يضرب من يشاء وأن يقتل من يريد؛ فقد كان من طوائف الملأ الفرعوني في حواري العاصمة جماعات تحترف الاستطالة على الناس، وقد أعطاها الفرعون تلك السلطات ليفعلوا ما يشاءون خاصة مع بني اسرائيل دون حساب أو معاقبة.
فاقترب موسى منهما وسياط الضرب تنهال كالسيل على تلميذه الذي من شيعته، فلما رآه صاح مستغيثاً به طالباً منه أن ينجيه من العذاب الذي ينزل عليه من المصري ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ القصص:15.
موسى يقتل المصري
فدخل موسى بين الرجلين، ليدفع عن الإسرائيلي هذه اليد التي تسومه سوء العذاب، وطبيعي أن يتصدى المصري لموسى، وأن يعدّ ذلك فضولاً منه بالتدخل فيما لا يعنيه، فكان بين الرجلين- موسى والمصري- شدّ وجذب، بل ربما مد المصري يده إلى موسى !
﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى ﴾ بقبضة يده في صدره ..
تلقى المصري الضربة فترنح قبل أن يسقط على الأرض بلا حركة !
اندهش موسى عليه السلام، فالضربة لم تكن قوية لدرجة قتله ! فانحنى على صدر الرجل، ووضع يده على أنفه فلم يستشعر الأنفاس ! فقلبه يمنة ويسرة .. فإذا بالرجل قد مات !
فهرب موسى إلى حيث لا يراه الناس، وجلس يستغفر الله من ذنبه وخطيئته ﴿ قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ﴾ القصص:16، فإنه وإن كان قتل «خطأ»، فهو على كل حال ذنب، وذنب عظيم في حق من يُعد للنبوة؛ ولكن مغفرة الله فوق كل ذنب وإن عظم، لمن تاب وأخلص التوبة وطلب المغفرة ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً﴾ النساء:110
ثم نظر موسى إلى جسده ويديه التي وجد منهما قوة لم يكن يتوقعها فقال: ﴿ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ على فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ﴾ القصص:17
فهو بهذه النعمة التي أنعم الله بها عليه يملك قوة جسدية خارقة، وإنه ينبغى- لكى يرعى هذه النعمة، ويؤدي حق شكرها لله- ألا يستخدمها إلا في الخير، وألا يظاهر بها الأشرار المعتدين، فمن كمال شكر الله على نعمه ومن تمام التوبة على التقصير - أن يعزم المرء على التغيير للأفضل، وأن يتقرَّب إلى مولاه بنيةٍ صالحة، وهِمَّةٌ عالية، وعزمٌ جديد، فيقرِّر أن يتبع تلك التوبة ويجمل ذلك الشكر بمعالي الأمور وعظائم الطاعات..
لذا قطع موسى على نفسه عهدًا راقيًا..
فهو لن يكون ظهيرًا للمجرمين، ولن يكون عونًا للظالمين، ولن يركن للمفسدين..