موسى والحياة الربانية ﴿ فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ يدعو ربه ويقول: ﴿ رَبِّ ...
منذ 2017-08-12
موسى والحياة الربانية
﴿ فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ يدعو ربه ويقول: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ وهنا تجد قلب موسى متعلق بربه يناديه ويناجيه بطلب جديد للمرة الرابعة، فلقد نادى موسى ربه عندما قتل الرجل المصري فقال:﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ﴾ وقد استجاب الله دعاءه ﴿ فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ القصص:16
ثم دعاه للمرة الثانية عندما خرج من مصر خائفاً من ملاحقة جنود فرعون له فقال: ﴿ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ القصص:21، فنجا منهم ولم يمسك به أحد منهم.
ثم دعى ربه للمرة الثالثة عندما سار في صحراء مصر الواسعة لا يعرف كيف يسلك منها طريقاً سهلاً إلى مدين، فرفع يديه مناجياً ربه قائلاً: ﴿ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ القصص:22، فهداه ربه للطريق الصحيح وها هو الآن داخل مدين آمنا مطمئناً.
والآن يريد أي خير من طعام لأنه لم يأكل منذ عدة أيام إلا ورق الشجر؛ فرفع يديه يسبقه حسن ظنه بربه الذي استجاب له ما مضى من دعوات وأنزل عليه كل هذه الخيرات ﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إلى مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ القصص:24، فأنا فقير إلى نزول المزيد من خيراتك التي قسمتها لي يارب؛ فاستجاب الله دعاءه، ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى(1) اسْتِحْيَاءٍ ﴾ حتى وصلت إلى حيث يجلس تحت الشجرة، فلما رآها قام ونفض عن ثيابه التراب ..
فقالت له بكلمات واضحة دون تكسر ولا خضوع: ﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ القصص:25.
إنها رسالة واضحة لا تحمل أي تساؤل أو نقاش أو ريبة، وقد سبق وعرف موسى من أمر أبيها أنه «شيخ كبير» ولو كان في استطاعته أن يسعى إلى موسى لما بعث بابنته إليه، ولجاء إليه بنفسه يدعوه إلى النزول عنده.
فأجاب موسى الدعوة وسار مع الفتاة بمحاذاتها يتقدمهما بخطوة أو خطوتين حتى وصلا إلى بيت أبيها.
موسى في ضيافة الشيخ الكبير
"فلما دخل موسى على الشيخ إذا بالطعام مهيأ لضيافته، فسلم الشيخ على موسى وقال له اجلس فتعشَّ، فقال موسى: أعوذ بالله !
فقال الشيخ: ولم ذاك ! ألست بجائع ؟!
فقال موسى: بلى، ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيت، وإنا من أهل بيت لا نطلب على عمل من أعمال الآخرة عوضا من الدنيا
فقال له الشيخ: لا والله يا شاب، ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف، ونطعم الطعام؛ فجلس موسى وأكل"(1).
وظل موسى في ضيافته ثلاثة أيام – كعادتهم – أفضى فيهن موسى بمكنون سره وقص خلالها قصة حياته منذ ولادته حتى وصل إلى ماء مدين.
﴿ فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عليهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ القصص:25، وما نطق الشيخ بهذه الكلمات المبشرة من باب طمأنة موسى وإنما من باب الجزم لما وصله عن موسى من أخبار متواترة، فقد كان الشيخ خلال هذه الأيام التي قضاها موسى عنده يتسمع أخبار مصر وحاكمها من قوافل التجار، وقد علم الشيخ منهم خبر موسى الذي سعى لقيادة بني إسرائيل نحو ثورة تحرير من قبضة فرعون المستبد، ولكن سرعان ما انكشف أمره فهرب إلى الصحراء فراراَ من ملاحقة جنود فرعون له، وأن فرعون قد يئس من طلب موسى "نصير بني إسرائيل" ظناً منه أنه هلك في صحراء مصر الشاسعة، إذ لا يعقل أن يعيش إنسان بلا دابة يركبها ولا زاد يتزود به، ولا سلاح يدفع به دواب الصحراء ووحوشها هذه الفترة داخل الصحراء حتى يخرج منها !
فتأكد الرجل من صدق ما قصه موسى عليه فساق إليه هذه البشرى ليطمئن.
فارس أحلامها
هدأت نفس موسى في منزل الشيخ الكريم وسكنت إلى صحبته، ولمَ لا ونور الإيمان يتلألأ في كلا القلبين، وفيض الإخلاص يتفجر من كلا الرجلين وكما قالوا: "شبيه الشيء منجذب إليه".
وقبل أن تنقضي الأيام الثلاث التي سيرحل موسى بعدها عن بيت الشيخ، عرضت إحدى بنات الرجل على أبيها عرضاً، يقرأ الأب الكيِّس الفطن في ثناياه إعجاب هذه الفتاة بموسى، وتمنيها أن يكون زوجاً لها؛ فحلم أي فتاة بزوج لا يتخطى موسى بحال من الأحوال.
فلقد كان موسى كريماً فتياً أثار في نفس الشيخ وابنتيه عوامل الإكبار والإعجاب، لما زانه الله به من طبع قويم وخلق كريم، فتحرك في نفس الفتاة حب الاستظهار بموسى وقوته والإبقاء عليه لطهارته وأمانته، أوليس هو الذي أقَلّ الغطاء عن البئر منفرداً مع صعوبة حمله على ما كان به من تعب وإرهاق ؟!، أوليس هو العفيف الطاهر الذي أطرق رأسه حينما بلّغته رسالة أبيها ولم تمتد عينيه إليها طيلة الطريق ؟!.
لذا قالت الفتاة ﴿ يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ﴾ ولا تدعه يمشى ويتركنا، بل اطلب منه أن يعمل عندنا بأجر؛ وبهذا الأجر نكون قد كفينا مشقة سقي الغنم كل يوم، فإنك لن تجد أبداً أفضل من موسى أجيراً تستأجره ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ القصص:26
فأطرق الأب رأسه وهو يقلب كلامها، ثم ذهب إلى موسى يعرض عليه هذا العرض الذهبي.
﴿ فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ يدعو ربه ويقول: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ وهنا تجد قلب موسى متعلق بربه يناديه ويناجيه بطلب جديد للمرة الرابعة، فلقد نادى موسى ربه عندما قتل الرجل المصري فقال:﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ﴾ وقد استجاب الله دعاءه ﴿ فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ القصص:16
ثم دعاه للمرة الثانية عندما خرج من مصر خائفاً من ملاحقة جنود فرعون له فقال: ﴿ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ القصص:21، فنجا منهم ولم يمسك به أحد منهم.
ثم دعى ربه للمرة الثالثة عندما سار في صحراء مصر الواسعة لا يعرف كيف يسلك منها طريقاً سهلاً إلى مدين، فرفع يديه مناجياً ربه قائلاً: ﴿ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ القصص:22، فهداه ربه للطريق الصحيح وها هو الآن داخل مدين آمنا مطمئناً.
والآن يريد أي خير من طعام لأنه لم يأكل منذ عدة أيام إلا ورق الشجر؛ فرفع يديه يسبقه حسن ظنه بربه الذي استجاب له ما مضى من دعوات وأنزل عليه كل هذه الخيرات ﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إلى مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ القصص:24، فأنا فقير إلى نزول المزيد من خيراتك التي قسمتها لي يارب؛ فاستجاب الله دعاءه، ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى(1) اسْتِحْيَاءٍ ﴾ حتى وصلت إلى حيث يجلس تحت الشجرة، فلما رآها قام ونفض عن ثيابه التراب ..
فقالت له بكلمات واضحة دون تكسر ولا خضوع: ﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ القصص:25.
إنها رسالة واضحة لا تحمل أي تساؤل أو نقاش أو ريبة، وقد سبق وعرف موسى من أمر أبيها أنه «شيخ كبير» ولو كان في استطاعته أن يسعى إلى موسى لما بعث بابنته إليه، ولجاء إليه بنفسه يدعوه إلى النزول عنده.
فأجاب موسى الدعوة وسار مع الفتاة بمحاذاتها يتقدمهما بخطوة أو خطوتين حتى وصلا إلى بيت أبيها.
موسى في ضيافة الشيخ الكبير
"فلما دخل موسى على الشيخ إذا بالطعام مهيأ لضيافته، فسلم الشيخ على موسى وقال له اجلس فتعشَّ، فقال موسى: أعوذ بالله !
فقال الشيخ: ولم ذاك ! ألست بجائع ؟!
فقال موسى: بلى، ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيت، وإنا من أهل بيت لا نطلب على عمل من أعمال الآخرة عوضا من الدنيا
فقال له الشيخ: لا والله يا شاب، ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف، ونطعم الطعام؛ فجلس موسى وأكل"(1).
وظل موسى في ضيافته ثلاثة أيام – كعادتهم – أفضى فيهن موسى بمكنون سره وقص خلالها قصة حياته منذ ولادته حتى وصل إلى ماء مدين.
﴿ فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عليهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ القصص:25، وما نطق الشيخ بهذه الكلمات المبشرة من باب طمأنة موسى وإنما من باب الجزم لما وصله عن موسى من أخبار متواترة، فقد كان الشيخ خلال هذه الأيام التي قضاها موسى عنده يتسمع أخبار مصر وحاكمها من قوافل التجار، وقد علم الشيخ منهم خبر موسى الذي سعى لقيادة بني إسرائيل نحو ثورة تحرير من قبضة فرعون المستبد، ولكن سرعان ما انكشف أمره فهرب إلى الصحراء فراراَ من ملاحقة جنود فرعون له، وأن فرعون قد يئس من طلب موسى "نصير بني إسرائيل" ظناً منه أنه هلك في صحراء مصر الشاسعة، إذ لا يعقل أن يعيش إنسان بلا دابة يركبها ولا زاد يتزود به، ولا سلاح يدفع به دواب الصحراء ووحوشها هذه الفترة داخل الصحراء حتى يخرج منها !
فتأكد الرجل من صدق ما قصه موسى عليه فساق إليه هذه البشرى ليطمئن.
فارس أحلامها
هدأت نفس موسى في منزل الشيخ الكريم وسكنت إلى صحبته، ولمَ لا ونور الإيمان يتلألأ في كلا القلبين، وفيض الإخلاص يتفجر من كلا الرجلين وكما قالوا: "شبيه الشيء منجذب إليه".
وقبل أن تنقضي الأيام الثلاث التي سيرحل موسى بعدها عن بيت الشيخ، عرضت إحدى بنات الرجل على أبيها عرضاً، يقرأ الأب الكيِّس الفطن في ثناياه إعجاب هذه الفتاة بموسى، وتمنيها أن يكون زوجاً لها؛ فحلم أي فتاة بزوج لا يتخطى موسى بحال من الأحوال.
فلقد كان موسى كريماً فتياً أثار في نفس الشيخ وابنتيه عوامل الإكبار والإعجاب، لما زانه الله به من طبع قويم وخلق كريم، فتحرك في نفس الفتاة حب الاستظهار بموسى وقوته والإبقاء عليه لطهارته وأمانته، أوليس هو الذي أقَلّ الغطاء عن البئر منفرداً مع صعوبة حمله على ما كان به من تعب وإرهاق ؟!، أوليس هو العفيف الطاهر الذي أطرق رأسه حينما بلّغته رسالة أبيها ولم تمتد عينيه إليها طيلة الطريق ؟!.
لذا قالت الفتاة ﴿ يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ﴾ ولا تدعه يمشى ويتركنا، بل اطلب منه أن يعمل عندنا بأجر؛ وبهذا الأجر نكون قد كفينا مشقة سقي الغنم كل يوم، فإنك لن تجد أبداً أفضل من موسى أجيراً تستأجره ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ القصص:26
فأطرق الأب رأسه وهو يقلب كلامها، ثم ذهب إلى موسى يعرض عليه هذا العرض الذهبي.