الاجتماع الأول لشيوخ بني إسرائيل استدعى هارون سِراً رءوس العائلات من بني إسرائيل في بيت رجل منهم، ...

منذ 2017-08-12
الاجتماع الأول لشيوخ بني إسرائيل
استدعى هارون سِراً رءوس العائلات من بني إسرائيل في بيت رجل منهم، تذمروا من الانتظار حتى دخل عليهم موسى، كشف وجهه فقطبوا جبينهم في اندهاش وتشاؤم، جلس بينهم فساد الصمت قبل أن يتساءلوا عن سبب عودته، حكى لهم عن رحلته إلى مدين ثم عن الرسالة التي حُمِّل بظهره بها، عبست الوجوه وتمشَّى في ملامحها الاستهزاء والاستنكار والوجل.
ثم قال كبيرهم: كلماتك لا تحمل إلا الهلاك لنا يا ربيب القصور، أتريد أن نخرج معك من ديارنا – التي تربيت بعيداً عنها - إلى الصحراء فنعود بدواً رُحلاً لا أرض لنا ولا زرع ؟.
فرد موسى بلسان الحال:
وعَبْدُ النَّفْسِ - مَهْمَا عاشَ- عَبْدٌ ........ ويَأبَى العَبْدُ يَوْماً أنْ يَسودَا
يُحِبُّ القَيْدَ يُدْمي مِعْصَمَيْهِ .................وَيَكْرَهُ أَنْ تَفُكَّ لَهُ القُيودا
ثم قال لهم: إن الله ابتعثني لأخرجكم من الظلمات إلى النور، ومن المهانة والعبودية إلى السعادة والحرية.
ثم نظر إليهم مستنكراً فقال: مالكم تتكلمون كأنكم تعيشون في مصر أسياد مكرمون ؟!
فقال أحدهم: وهل يصدِّق عقلك أن فرعون سيتركنا نخرج مصر أحياء ؟
فقال موسى: عليَّ وأخي إقناعه، تلك مهمّتنا.
فقالوا: إن طلبت منه هذا الطلب سيُنكِّل بنا ويصلبنا في جذوع النخل.
فرد عليهم هارون: وكأن هذا لا يحدث لكم من قبل مجيء موسى لأتفه الأسباب !
فتأهب القوم للقيام وقالوا: سنؤيدكما فيما تقولان إن عدتما من عند فرعون على قيد الحياة، ثم تركوهما وانصرفوا بلا سلام !..
الخوف يدب في قلبيهما !
ولما أرادا - موسى وهارون - أن يذهبا إلى قصر فرعون ليطلبان موعداً للقائه، دب الخوف في قلبيهما – فهما بشر والمكان له هيبة - حتى وإن كانت مصطنعة، وحياتهما بعد هذا اللقاء ستكون مهددة بالخطر، فقالا: ﴿ رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ علينا أَوْ أَنْ يَطْغى ﴾ طه:45.
ولا تعجب من خوفهما ..
فلكم كان فرعون باغياً متسلطاً، وجباراً عنيداً، وكم أوقع في قلوب الناس – لهيبته المصطنعة - من فزع ورعب، حتى كاد يكون ذلك طبيعة متمكنة فيهم يصعب علاجها، وإلّا فما بال موسى، وقد رأى من آيات ربّه ما رأى، في كل مرحلة من مراحل حياته، ثم أُمدّ من السماء بهذه الأسلحة من المعجزات القاهرة المتحدية، ثم كان إلى جانبه أخوه هارون، ما باله لا يزال مع هذا كلّه يخشى فرعون، ويرهبه ويخاف من لقائه؟
إن ذلك ليس إلا لما كان عليه فرعون من جبروت أوقع به في قلوب الناس هذا الخوف الرهيب، الذي اندسّ في كيان موسى(1) القوي صاحب المعجزات، فما بالكم بالضعفاء ؟!
نجدة السماء
فقال الله لهما: ﴿ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى ﴾ فنزل هذا الوعد الرباني على قلبيهما فهدئ من روعهما، وسكّن من خوفهما، فمن فوت على فرعون فرصتين سانحتين لقتل موسى إحداهما حين كان فرعون يطلبه وليداً، والأخرى حين كان يطلبه قاتلاً؛ قادر على أن يحميهما منه.
ثم لقنهما الله عز وجل وصيتين جديدتين
الأولى: أن يؤكد موسى لمن سيلتقي به من فرعون وآله، أن هارون مرسل أيضا من لدن الله بنفس الرسالة ﴿ إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ ﴾ سورة طه: 47، ولعل السبب في ذلك التأكيد هو أن فرعون كان متعالياً سَمْجاً رَذْل الخُلُق، فإن تكلم هارون ليشد أزر أخيه، فقد يقول له فرعون: وما دخلك أنت؟
ولكن حين يدخل عليه الاثنان، ويعلنان أنهما رسولان من عند رب العالمين، ويَرُد فرعون هارون، فكأنه يرد موسى أيضاً.
أما الوصية الثانية فهي إيجاز الرسالة واختصارها في العرض على هذا النحو ﴿ إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسرائيل وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ﴾ طه:47، فإن فرعون لا يصبر على الاستماع، وإنّ أحداً لا يجرؤ على أن يجري معه حديثا أو حواراً ممتداً؛ فما اعتادت أذنه أن تسمع كلاماً من أحد، وإنما هو الذي يتكلم فقط - بل - وسرعان ما تتحول كلماته إلى أفعال، وأحلامه إلى أوامر !
إذاً فقولا له بإيجاز ووضوح: ﴿ إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسرائيل وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ﴾ طه:47.
فيا ترى ..
- لماذا لم يسعى فرعون لقتل موسى فور علمه بوصوله إلى مصر، وقَبِلَ باستقباله في القصر ؟
- كيف استطاع موسى أن يبهر الملأ ببراعة أسلوبه، وقوة منطقه ؟
- ما هي أحداث يوم الزينة، ولماذا اختار فرعون تلك القتلة الشنيعة لإنهاء حياة السحرة ؟
- كيف تناولت الأذرع الإعلامية لفرعون أحداث مذبحة السحرة، وما هو رد فعل الجماهير التي شاهدت المذبحة ؟
- ما هي القرارات الاستثنائية الجديدة التي أصدرها فرعون ضد كل من يؤمن بدين موسى نزولاً على رغبة الملأ ؟
هذا ما سنشاهده عن قرب في أحداث الفصل الثالث - بمشيئة الله - بالإضافة إلى جولة حصرية داخل سجون فرعون، سنشاهد خلالها كيف كان يعذب المعارضين.
هيا بنا نشاهد ..

5790110a908f2

  • 0
  • 0
  • 33

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً