غلاء الأسعار في ميزان الفقه الاسلامي 1. الآثار السيئة لغلاء الأسعار 2. وباء الغلاء تاريخ له قدم ...
غلاء الأسعار في ميزان الفقه الاسلامي
1. الآثار السيئة لغلاء الأسعار
2. وباء الغلاء تاريخ له قدم
3. دور التاجر المسلم في معالجة الظاهرة
4. توجيهات للمستهلكين حال الغلاء
5. أثر التوبة والاستغفار في الفكاك من الأزمة
6. تدابير اتخذها عمر في أزمة عام الرمادة
7. علاج الظاهرة والموقف الشرعي من تحديد الأسعار
الآثار السيئة لغلاء الأسعار
إن غلاء الأسعار مما عم به البلاء، وما يقع في الناس أولاً بسبب ذنوبهم، وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ سورة النساء:79، ولكن هذا الداء لا بد من النظر إليه من منظار الشريعة؛ لأن مثل هذه الظواهر الخطيرة، إذا لم تُعالج أدت إلى كوارث ونتائج سيئة:
انتشار الفقر في المجتمعات، وظهور الأمراض الخطيرة الاجتماعية من البطالة والسرقة والإجرام، وكثرة المتضرّرين، واتساع الطبقة الفقيرة، وإلحاق كثير من أفراد الطبقة المتوسطة بالفقراء، أن يشيع العنت، و يحدث التأثر المباشر لتمس الظاهرة دخول الأسر، وهذا الدخل المسكين، الذي ينتف من هنا ويؤخذ من هنا إذا حصل لحوق الضرر به، عم الغم والهم والحزن. والغني ربما لا يشعر، فيقول لمن يرسله لشراء شيء له: اشتره بأي ثمن كان!
فقير في المجاعة لا ينام ومسكين ببؤس مستهام
ومبخوس المعيشة فهو صبٌّ على علاته أبداً يلام
ويفترش الثرى والناس ناموا على ريش الأسرة قد أقاموا
وهنا موجة من الغلاء تجتاح أسواق العديد من البلاد العربية والإسلامية، ارتفعت فيها أسعار المواد الغذائية حتى الأساسية ارتفاعاً فاحشاً، مما أدى إلى إنهاك جيوب الشرائح الاجتماعية من ذات الدخل المحدود.
ولا شك أن مثل هذا يؤدي بتسلسله إلى نتائج ذات آثار أخرى كعزوف الأفراد عن الشراء، وانخفاض حركة البيع والشراء، مما يؤدي إلى الركود الاقتصادي، وهذا سيعم ضرره الكثير.
تضاعفت أسعار الخضروات في بعض الحالات إلى 200% أو 300%، وهكذا مسّ هذا الارتفاع حليب الأطفال، ومواد البناء، وأسلاك الكهرباء، والحديد، والإسمنت، ثم الأراضي والعقارات وارتفاع الإيجارات وفواتير الخدمات والنواحي الصحية وتكاليف التعليم والنقل ونحوها، وهكذا من الأمور التي تضرب القوة الشرائية للفرد.
والله قد أخبرنا أنه لا تصيبنا مصيبة إلا بما كسبت أيدينا، ولكن هذا يُدفع بالتوبة، ويدفع كذلك بمعرفة الأسباب وعلاجها.
فإذا وُجد الجشع والطمع من بعض التجار فلا بد من علاجه
وإذا ضعفت المراقبة فلا بد من تعزيزها
وإذا تقلّص دعم المواد الأساسية فلا بد من زيادته
وإذا كانت الخصخصة في بعض القطاعات هي السبب فلا بد من مراجعة وإعادة النظر فيها.
وهذه العولمة التي أكلت الأخضر واليابس لها آثارٌ بشعة في غلاء الأسعار
وتدخل الشركات الأجنبية الغنية التي تقوم بشراء المنشآت المحلية باسم تحرير التجارة وإلغاء القيود، كلها في الحقيقة خسائر الاقتصاد المحلي؛ لأن هؤلاء سيقومون بتحويل أرباحهم أولاً بأول إلى الخارج.
وفي بعض البلدان العربية بيعت شركات الإسمنت، وهي الصناعة الحاكمة في قطاعات البناء والإنشاءات إلى شركات أجنبية، وخلال 15 شهراً فقط ارتفعت الأسعار 3 أضعاف.
وكذلك تحولت صناعات أساسية في البلد كالنسيج، إلى صناعات خاسرة بعد أن كانت رابحة، وإلى استيراد بعد أن كانت تصديراً، وطرد للعمالة الكثيفة المدربة والخبيرة، وإخراج نحو من 150 ألف فني وخبير في هذه الصناعة العريقة إلى سوق البطالة.
ولما بيعت بعض مصانع الأدوية المحلية إلى شركات أجنبية تضاعفت الأسعار، واشترط المشترون الأجانب ألا يقوم المحليون الذين باعوهم ببناء مصانع أخرى. عجباً لهذا!
وهكذا تمضي العجلة في هذه العولمة التجارية التي تأكل الأخضر واليابس.
وباء الغلاء تاريخ له قدم
وقد كان غلاء الأسعار في تاريخ هذه الأمة حاصلاً في بعض مراحلها، فقد حكى صاحب "النجوم الزاهرة" في أواخر عهد بني العباس عظم الغلاء ببغداد في شعبان، حتى أكلوا الجيف والروث، وماتوا على الطرق، وأكلت الكلاب، وبيع العقار بالرغفان -أرغفة الخبز-، وهرب الناس إلى بلدان أخرى، فماتوا في الطريق.
وضرب الغلاء أيضاً في القرن الخامس بعض بلدان المسلمين كمصر، وحصل بذلك هلاك كثير، وأُكلت الدواب التي لا تؤكل، وكانت الأقوات في غاية القِلة والغلاء، ومات كثير من الناس حتى مات في شهر صفر وحده مئة وثلاثون ألفاً.
وهكذا من المصائب التي تبتلى بها هذه الأمة، وهي أمة مرحومة، جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وفتنة كما أخبر النبي ﷺ.
دور التاجر المسلم في معالجة الظاهرة
ونظرة إلى الواقع الإسلامي لحال التجار في عهد السلف، تُبيّن لنا كيف ينبغي أن يكون موقف التاجر المسلم في مثل هذه الأحوال.
- إن محبّة الخير للمسلمين أمرٌ أساس، وقد كان الواحد يحذر أن يزداد ربحه على حساب معاناة الآخرين.
- والتاجر المسلم يتحلّى بحسن النية، والرفق بالمسلمين، وتوفير الجيد لهم بالثمن المناسب لهم، وأن يكون أميناً.
وقد خرج النبي ﷺ إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: ( يا معشر التجار. فاستجابوا لرسول الله ﷺ، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه. فقال: ( إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً، إلا من اتقى الله وبر وصدق ).
وللحديث شاهد يرتقي به إلى درجة الحسن إن شاء الله، ولفظه: ( إن التجار هم الفجار ). قالوا: يا رسول الله، أليس قد أحل الله البيع؟ قال: بلى، ( ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون ).
- إنهم يجتنبون أكل أموال الناس بالباطل، ( ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ).
- ولا يغشون، وقد مرّ النبي ﷺ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس؟، ( من غش فليس مني ).
- التاجر المسلم لا يكذب ولا يحتال، وهذا اللحن في الكلام، وأنواع المخادعة في الدعايات والإعلانات والمسابقات التجارية، فيها كثير من الخداع للناس، وأكل أموالهم بالزور، ودفعهم إلى شراء ما لا يحتاجون.
ويكون هذا المشتري المسكين في النهاية هو الخاسر.
- ولا بد من التفقه قبل البيع والشراء كما قال عمر: "لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقّه في الدين".
- وينبغي أن يكون سمحاً في المعاملة، سمحاً في القضاء والاقتضاء، سمحاً في البيع والشراء. وقد قال ﷺ: رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى .
- وأن يكون سخياً بالصدقات.
قحط الناس في زمن أبي بكر فقدمت لعثمان بن عفان رضي الله عنه قافلة من ألف راحلة من البُر والطعام. فغدا التجار عليه، فخرج إليهم فقال: ماذا تريدون؟ قالوا: بلغنا أنه قدم لك ألف راحلة بُراً وطعاماً، بعنا حتى نوسع على فقراء المدينة. فقال لهم: ادخلوا فدخلوا. فقال: كم تربحوني على شرائي؟ قالوا: العشرة اثنا عشر. قال: قد زادوني. قالوا: العشرة أربعة عشر. قال: قد زادوني. قالوا: العشر خمسة عشر. قال: قد زادوني. قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة؟ قال: زادني بكل درهم عَشرة ، عندكم زيادة؟ قالوا: لا. قال: فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة.
هكذا كان عثمان وابن عوف، وغيرهم من أغنياء التجار، يجودون على فقراء المسلمين، ولا يستغلّون مثل هذه الفرص؛ لكي يرفعوا الأسعار، ويحتكروا الأطعمة؛ ليبيعوا على الناس بالغلاء.
إن الرفق بالمسلمين أمرٌ جدّ طيب، وإن الحرص على مصلحتهم أمرٌ جد حسن.
أين أخلاق الأمانة؟
1- جاء عن محمد بن المنكدر رحمه الله أنه كان له سِلعٌ تباع بخمس وأخرى بعشرة، فباع غلامه في غيبته شيئاً من الخمسيات بعشرة، فلما عرف لم يزل يطلب ذلك المشتري طول النهار حتى وجده، فقال له: إن الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة. فقال: يا هذا قد رضيت. قال: وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا، فاختر إحدى ثلاث: إما أن تستعيد مالك وتعيد السلعة، وإما أن نرد إليك خمسة، وإما أن تأخذ بدلاً من سلعة الخمس سلعة العشر. فقال: أعطني خمسة. فرد عليه خمسة، وانصرف الأعرابي المشتري يسأل ويقول: من هذا الشيخ؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر. فقال: لا إله إلا الله، هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا.
يا ليتني أبيع الشيء يكسب فيـ ـه المشتري الربح ديناراً بعشرينا
أحب شيء إلى نفسي معاملةٌ كسب العميل فنأتيه ويأتينا
2- وكان أبو حنيفة رحمه الله بزازاً يبيع القماش
وكان عنده ثوبٌ فيه عيب، فجعله جانباً، فجاء خادمه في غيبته فباع الثوب المعيب بقيمته كما لو كان سليماً، فلما جاء الإمام إلى محله وسأل عن ذلك الثوب قال الغلام: بعته. قال: بكم؟ قال: بكذا، أي: بسعر السليم. قال: هل أطلعت المشتري على العيب الذي فيه؟ قال: لا. فتصدق بقيمة الثوب كله.
توجيهات للمستهلكين حال الغلاء
في حالات ارتفاع أسعار الغلاء لا بد للمستهلكين والمشترين من توجيهات:
- فمن ذلك عدم التوسع في الشراء، وجعله هوايةً كما هو عند الغرب؛ بعض الغربيين يجعلون من هواياتهم التسوّق، النزول إلى الأسواق، الطواف بالأسواق.
الشراء صار لذة وشهوة نفس، ليست بحسب الحاجة، لكن شهوة ولذة وهواية.
فنقول: هذا المال محاسب عليه الإنسان، فيم اكتسبه، وفيم أنفقه؟، فلا تجعلنّ الأمر الذي عليه مناط حسابك يوم الدين شهوة نفس، والمهم أن تشتري بغض النظر عما تنفق.
وليس المسلم الحكيم بالذي يرهق نفسه بكثرة الشراء، ويهدر الأوقات والأموال والأعمار، وفي كثير من الأحيان يكون مصير شراء ما لا حاجة له من الأطعمة براميل القمامة.
وقد قال تعالى: ( وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ) سورة الأعراف: 31. وقال: ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) سورة الأنعام:141.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " فالذين يقتصدون في المآكل نعيمهم بها أكثر من المسرفين فيها، فإن أولئك إذا أدمنوها وألفوها لا يبقى لها عندهم كبير لذة، مع أنهم قد لا يصبرون عنها، وتكثر أمراضهم بسببها ".
- مرّ جابر بن عبد الله ومعه لحم على عمر رضي الله عنهما فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: هذا لحمٌ اشتهيته فاشتريته. قال: أو كلما اشتهيت شيئاً اشتريته، أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية: ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ) سورة الأحقاف:20 .
ولا بد من تربية الأولاد على هذا المبدأ لتكون الأسرة متحدة في هذه السياسة في الشراء.
- ثم مراعاة الأولوية في الإنفاق، وقد جاءت الشريعة بالحكمة، والحكمة وضع الأشياء في مواضعها، ونهت عن الظلم، وفي عدم وضع الشيء في موضعه في الشراء ظلم للنفس.
وقد وجد في بعض الدراسات أن الكماليات هي ثلثا المشتريات، ووجد أن العربة التي تملؤها ربة البيت في البقالات والمحلات الكبيرة غالبها من هذا الجنس الذي يمكن الاستغناء عنه.
يقول أحد المستهلكين: هذه المعلبات في الأسواق الكبيرة خربت بيتي، كلما أذهب إليها لأشتري أدفع حوالي 500، وأحس أني لم أشتر شيئاً مفيداً.
- ثالثاً: لا بد من ترشيد الاستهلاك، والحرص على أن يصرف المال في محله، وإذا صارت القضية إنفاقاً في سبيل الله جادت النفس.
وأما بالنسبة لما يشتريه الإنسان في العادة فالسياسة فيه قوله تعالى: ( وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ) سورة الإسراء: 29.
- رابعاً: التحلي بخلق القناعة، والغنى في الحقيقة غنى النفس، والنبي ﷺ أوصانا في أمور الدنيا أن ننظر إلى من هو دوننا، وليس إلى من هو فوقنا؛ فقال: انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله.. وقال ﷺ: ( قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه ).
إذا نظرت إلى من هو دونك في المعيشة، حمدت الله على النعمة، أما إذا كنت ترمق من هو فوقك دائماً لا تستريح.
هي القناعة فالزمها تعش ملكاً لو لم يكن منك إلا راحة البدن
وانظر إلى مالك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن
- وخامساً: الفطنة وعدم الاغترار بالعروض والإعلانات والدعايات، نحن في عصر الإعلام والإعلان؛ وهذه الإعلانات تحوي كثيراً من المبالغات والكذب، وعلى العاقل ألا ينساق وراءها، وحتى لا يتزايد الشعور بالحرمان أيضاً إذا لم يستطع فيبقى في ألم وحسرة، أو يلجأ إلى الاستدانة.
وهذه البطاقات الائتمانية التي كان في ترويجها خداع من أكبر الخداع للمسلمين، وغش من أعظم الغش للمسلمين، وإيقاع في الربا الذي هو من أكبر الآثام في حياة المسلمين، ولذلك لا بد من الحذر الشديد في قضية الشراء المسبق، ولا يشعر الإنسان ماذا يدفع؛ لأنه من مال الغير، ثم بعد ذلك سيشعر به آلاماً منغصةً أضعافاً مضاعفة.
- وسادساً: الحذر من إنفاق المال في المحرمات، والنبي ﷺ قد أخبرنا أن السؤال من أين اكتسبه وفيم أنفقه، والإنفاق في الحرام تبذير. وقد قال الله: ( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ) سورة الإسراء:27.
أثر التوبة والاستغفار في الفكاك من الأزمة
والعلاج العام للقضية التوبة والرجوع إلى الله. قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) سورة الروم:41.
فإذا ظهرت المنكرات في المجتمع، وعم الفساد والخنا والفجور والربا والزنا أتاهم الله بأنواع البلاء: يحبس الغيث، يغلي السعر، وهكذا ما من مصيبةٍ إلا وسببها الذنوب والمعاصي
قال تعالى ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) سورة الشورى:30.
( ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة )
والاستغفار من أسباب الازدهار
قال تعالى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ) سورة نوح:12.
- ثم عدم نسيان الفقراء، تقوم الجمعيات والمؤسسات الخيرية والأفراد بإيجاد الحلول على جميع المستويات لهؤلاء المساكين. ( وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) سورة البقرة: 272.
وفي الحديث القدسي ( يا ابن آدم أَنفق أُنفق عليك ).
تدابير اتخذها عمر في أزمة عام الرمادة
لقد كان في تاريخنا المشرق من أنواع إدارة الأزمات قبل أن يعرفه أهل الإدارة في العصر الحديث، ولما قامت الأزمة في عهد عمر في عام الرمادة، وحصل قحطٌ شديد وقل الطعام، ودام 9 أشهر. وسمي عام الرمادة؛ لأن الريح كانت تسفي تراباً كالرماد، وقيل: لأن الأرض كانت سوداء مثل الرماد.
فما هي التدابير التي اتخذها عمر في هذه الأزمة؟
أولاً: حث الناس على كثرة الصلاة، والدعاء ، واللجوء إلى الله تعالى.
فكان يصلي بالناس العشاء، ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب – أطراف المدينة – فيطوف عليها ويقول في السحر: ( اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي ).
ويقول: ( اللهم لا تهلكنا بالسنين يعني القحط وارفع عنا البلاء) يردد هذه الكلمة.
ثانياً: مواساة المسلمين لبعضهم كتب إلى عماله على الأمصار طالباً الإغاثة.
وفي رسالته إلى عمرو بن العاص - والي مصر-، بعث إليه: "يا غوثاه! يا غوثاه! أنت ومن معك ومن قبلك فيما أنت فيه، ونحن فيما نحن فيه". فأرسل إليه عمرو بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيق والدهن، وبعث إليه بخمسة آلاف كساء.
وهكذا أرسل إلى سعد بن أبي وقاص، فأرسل له بثلاثة آلاف بعير تحمل الدقيق، وبعث إليه بثلاثة آلاف عباءة.
وإلى والي الشام، فأرسل إليه بألفي بعير تحمل الدقيق.
ونحو ذلك مما حصل من مواساة المسلمين لبعضهم.
لأن هذه الأمة واحدة. فإذا مسّ بعضها شدّة، تداعى الباقي لها، جسدٌ واحد.
ثالثاً: مشاركة عمر معاناة الناس.
قال أنس: كان بطن عمر يقرقر عام الرمادة، وكان يأكل الزيت، ولا يأكل السمن. فقرقر بطنه فنقرها بأصبعيه، وقال: تقرقر، إنه ليس لكِ عندنا غيره حتى يُحيا الناس -أي: يأتي الله بالحياة والمطر الذي يغيث به الأرض.
وقال أسلم: كنا نقول: لو لم يرفع الله المَحْلَ عام الرمادة؛ لظننّا أن عمر يموت هماً بأمر المسلمين. ثم يقوم بوعظ الناس وينادي: أيها الناس، استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، وسلوه من فضله، واستسقوا سقيا رحمة.
وطلب الناس من العباس عم النبي ﷺ الرجل الصالح، وأقرب الحاضرين إلى النبي ﷺ أن يخرج؛ ليستسقي لهم؛ استشفاعاً بدعاء الرجل الصالح من آل البيت، وكان العباس حياً، فلم يطلبوا من ميت ولم يطلبوا شيئاً لا يقدر عليه الحي، وخرج العباس يدعو الله، فدعا ودعا، وبكى، فاستجاب الله ونزل الغيث.
علاج الظاهرة والموقف الشرعي من تحديد الأسعار
هذه عدة إجراءات لمن ولاه الله أمر المسلمين أن يقوم بها :
1. العمل على زيادة الإنتاج .
2. توفير السلع بأنسب الأثمان .
3. دعم السلع للمواد الأساسية .
4. انتشار المؤسسات الخيرية .
5. القضاء على الرِبا الذي هو السبب الرئيس للتضخم المؤدي إلى غلاء الأسعار.
6. منع الاحتكار.
7. يجوز لولي الأمر أن يسعّر للناس إذا دعت الحاجة كما بين الفقهاء.
والنبي ﷺ لما قالوا له: سَعّر لنا. غلا السِعر في عهده ﷺ. فقال: ( إن الله هو المسَعّر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال ).
هذا الترك للتسعير؛ لأن المسألة لم تصل إلى حد الضرورة، والنبي ﷺ كان يرجو التفريج ، وهذا ما حصل.
إذا كان الغلاء ناتجاً عن مؤامرةٍ واتفاقٍ وحبسٍ
2- وأما إذا وصلت القضية إلى تواطؤٍ من التجار، وتلاعب بالأسعار، وحبس للمواد حتى يرتفع سعرها، ويكثر الطلب، والعرض قليل عن مؤامرة، فلا بد من فك هذا الظلم كما قال العلماء.
ويكون في هذه الحالة التسعير جائزاً.
وإن طبيعة الاستغلال والجشع التي تدفع إلى رفع أسعار الأدوية التي يحتاجها المرضى من غير اهتمام ولا نظر في حالهم. والأصل أنه لا يحدد سعرٌ للبيع، والسوق يحدد السعر بنفسه.
ولكن إذا كان الغلاء ناتجاً عن مؤامرةٍ واتفاقٍ وحبسٍ؛ فإن التدخل بالتسعير صحيحٌ تماماً من الجهة الشرعية.
3- وأما إذا ارتفعت الأسعار؛ نتيجةً لقلة العرض، وكثرة الطلب، دون أن يكون للتجار دخل في ذلك فلا يجوز التسعير حينئذ.
4- وكذلك إذا كانت السلعة ليست من ضرورات الناس فلا يجوز التسعير.
5- وإذا كان للسلعة بدائل يمكن اللجوء إليها بدون ضرر، فلا يُتَحكَّم بالسعر ويفرض أيضاً.
ولكن إذا صارت السلع مما يحتاجه الناس حاجةً ماسة، وحصل الاتفاق والاستغلال من التجار
فقال شيخ الإسلام رحمه الله: "ما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس، فإنه يجب ألا يباع إلا بثمن المثل، إذا كانت الحاجة إلى بيعه وشرائه عامة، وإن ما احتاج إليه الناس حاجة عامة فالحق فيه لله تعالى".
والاحتكار ليس خاصاً بالأقوات، بل كل ما يحتاج إليه الناس، ويقعون بسبب غلائه أو فقده في حرج وضيق: كالطعام، واللباس، والدواء، والعقار للسكن، ووسائل النقل الآن والمكيفات في البلاد الحارة والثلاجات، بل بعض البرامج في الأجهزة.
والنبي ﷺ قال: ( لا يحتكر إلا خاطئ ) ، الخاطئ: هنا العاصي الآثم. وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار، والاحتكار فيما يحتاجه الناس كالأقوات محرم ولا يجوز، وإذا صار هناك من يحتكر الأقوات، وهناك من يحتكر العقار، وهناك من يحتكر الدواء، لا شك أن الناس يقعون في حرج عظيم.
قال العلماء: فإذا صار التسعير لا بد منه، جمع الإمام التجار، واستشار أهل الرأي والبصيرة، وكان في المجلس من يمثل المستهلكين والمشترين، ويحدّد السِعر المناسب للجميع.
وليس للربح في الشريعة أصلاً حدٌ معين، ولكن إذا كان للسلعة سعر معروف في السوق، فلا يجوز للبائع أن يخدع مشترياً جاهلاً أو مغفلاً ونحو ذلك، فيرفع السعر ليظنها أصلية، أو لأنه لا يعرف سعر السوق أصلاً إذا رفع عليه رفعاً فاحشاً؛ فهذا خيار الغبن الذي يجوز بموجبه للمشتري رد السلعة رغماً عن البائع وأخذ الثمن.
ولو كانت السلعة سعرها في السوق بمئة فباعها بمئة وواحد، أو اثنين، أو ثلاثة، أو خمسة مثلاً، فهذه زيادةٌ يسيرة يتغابن فيها الناس عادةً، وأما إذا باعها بمئة وخمسين مثلاً فإن هذا غبن واضح.
ولماذا نُهي عن تلقي الجلب، وبيع الحاضر للبادي، ونحو ذلك من الحالات؟ لأجل ألاّ يحدث مثل هذا الغبن أو الخداع.
وفي هذا النهي من الشريعة تقديم للمصلحة العامة على المصلحة الفردية، ومصلحة الفرد تحترم إلا إذا تعارضت مع مصلحة الأمة فعندئذ تقدم مصلحة الأمة على المصلحة الفردية، والضرر العام يُدفع بالضرر الخاص، وهذا الحديث نصٌّ في هذا.
الشيخ محمد بن صال المنجد
1. الآثار السيئة لغلاء الأسعار
2. وباء الغلاء تاريخ له قدم
3. دور التاجر المسلم في معالجة الظاهرة
4. توجيهات للمستهلكين حال الغلاء
5. أثر التوبة والاستغفار في الفكاك من الأزمة
6. تدابير اتخذها عمر في أزمة عام الرمادة
7. علاج الظاهرة والموقف الشرعي من تحديد الأسعار
الآثار السيئة لغلاء الأسعار
إن غلاء الأسعار مما عم به البلاء، وما يقع في الناس أولاً بسبب ذنوبهم، وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ سورة النساء:79، ولكن هذا الداء لا بد من النظر إليه من منظار الشريعة؛ لأن مثل هذه الظواهر الخطيرة، إذا لم تُعالج أدت إلى كوارث ونتائج سيئة:
انتشار الفقر في المجتمعات، وظهور الأمراض الخطيرة الاجتماعية من البطالة والسرقة والإجرام، وكثرة المتضرّرين، واتساع الطبقة الفقيرة، وإلحاق كثير من أفراد الطبقة المتوسطة بالفقراء، أن يشيع العنت، و يحدث التأثر المباشر لتمس الظاهرة دخول الأسر، وهذا الدخل المسكين، الذي ينتف من هنا ويؤخذ من هنا إذا حصل لحوق الضرر به، عم الغم والهم والحزن. والغني ربما لا يشعر، فيقول لمن يرسله لشراء شيء له: اشتره بأي ثمن كان!
فقير في المجاعة لا ينام ومسكين ببؤس مستهام
ومبخوس المعيشة فهو صبٌّ على علاته أبداً يلام
ويفترش الثرى والناس ناموا على ريش الأسرة قد أقاموا
وهنا موجة من الغلاء تجتاح أسواق العديد من البلاد العربية والإسلامية، ارتفعت فيها أسعار المواد الغذائية حتى الأساسية ارتفاعاً فاحشاً، مما أدى إلى إنهاك جيوب الشرائح الاجتماعية من ذات الدخل المحدود.
ولا شك أن مثل هذا يؤدي بتسلسله إلى نتائج ذات آثار أخرى كعزوف الأفراد عن الشراء، وانخفاض حركة البيع والشراء، مما يؤدي إلى الركود الاقتصادي، وهذا سيعم ضرره الكثير.
تضاعفت أسعار الخضروات في بعض الحالات إلى 200% أو 300%، وهكذا مسّ هذا الارتفاع حليب الأطفال، ومواد البناء، وأسلاك الكهرباء، والحديد، والإسمنت، ثم الأراضي والعقارات وارتفاع الإيجارات وفواتير الخدمات والنواحي الصحية وتكاليف التعليم والنقل ونحوها، وهكذا من الأمور التي تضرب القوة الشرائية للفرد.
والله قد أخبرنا أنه لا تصيبنا مصيبة إلا بما كسبت أيدينا، ولكن هذا يُدفع بالتوبة، ويدفع كذلك بمعرفة الأسباب وعلاجها.
فإذا وُجد الجشع والطمع من بعض التجار فلا بد من علاجه
وإذا ضعفت المراقبة فلا بد من تعزيزها
وإذا تقلّص دعم المواد الأساسية فلا بد من زيادته
وإذا كانت الخصخصة في بعض القطاعات هي السبب فلا بد من مراجعة وإعادة النظر فيها.
وهذه العولمة التي أكلت الأخضر واليابس لها آثارٌ بشعة في غلاء الأسعار
وتدخل الشركات الأجنبية الغنية التي تقوم بشراء المنشآت المحلية باسم تحرير التجارة وإلغاء القيود، كلها في الحقيقة خسائر الاقتصاد المحلي؛ لأن هؤلاء سيقومون بتحويل أرباحهم أولاً بأول إلى الخارج.
وفي بعض البلدان العربية بيعت شركات الإسمنت، وهي الصناعة الحاكمة في قطاعات البناء والإنشاءات إلى شركات أجنبية، وخلال 15 شهراً فقط ارتفعت الأسعار 3 أضعاف.
وكذلك تحولت صناعات أساسية في البلد كالنسيج، إلى صناعات خاسرة بعد أن كانت رابحة، وإلى استيراد بعد أن كانت تصديراً، وطرد للعمالة الكثيفة المدربة والخبيرة، وإخراج نحو من 150 ألف فني وخبير في هذه الصناعة العريقة إلى سوق البطالة.
ولما بيعت بعض مصانع الأدوية المحلية إلى شركات أجنبية تضاعفت الأسعار، واشترط المشترون الأجانب ألا يقوم المحليون الذين باعوهم ببناء مصانع أخرى. عجباً لهذا!
وهكذا تمضي العجلة في هذه العولمة التجارية التي تأكل الأخضر واليابس.
وباء الغلاء تاريخ له قدم
وقد كان غلاء الأسعار في تاريخ هذه الأمة حاصلاً في بعض مراحلها، فقد حكى صاحب "النجوم الزاهرة" في أواخر عهد بني العباس عظم الغلاء ببغداد في شعبان، حتى أكلوا الجيف والروث، وماتوا على الطرق، وأكلت الكلاب، وبيع العقار بالرغفان -أرغفة الخبز-، وهرب الناس إلى بلدان أخرى، فماتوا في الطريق.
وضرب الغلاء أيضاً في القرن الخامس بعض بلدان المسلمين كمصر، وحصل بذلك هلاك كثير، وأُكلت الدواب التي لا تؤكل، وكانت الأقوات في غاية القِلة والغلاء، ومات كثير من الناس حتى مات في شهر صفر وحده مئة وثلاثون ألفاً.
وهكذا من المصائب التي تبتلى بها هذه الأمة، وهي أمة مرحومة، جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وفتنة كما أخبر النبي ﷺ.
دور التاجر المسلم في معالجة الظاهرة
ونظرة إلى الواقع الإسلامي لحال التجار في عهد السلف، تُبيّن لنا كيف ينبغي أن يكون موقف التاجر المسلم في مثل هذه الأحوال.
- إن محبّة الخير للمسلمين أمرٌ أساس، وقد كان الواحد يحذر أن يزداد ربحه على حساب معاناة الآخرين.
- والتاجر المسلم يتحلّى بحسن النية، والرفق بالمسلمين، وتوفير الجيد لهم بالثمن المناسب لهم، وأن يكون أميناً.
وقد خرج النبي ﷺ إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: ( يا معشر التجار. فاستجابوا لرسول الله ﷺ، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه. فقال: ( إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً، إلا من اتقى الله وبر وصدق ).
وللحديث شاهد يرتقي به إلى درجة الحسن إن شاء الله، ولفظه: ( إن التجار هم الفجار ). قالوا: يا رسول الله، أليس قد أحل الله البيع؟ قال: بلى، ( ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون ).
- إنهم يجتنبون أكل أموال الناس بالباطل، ( ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ).
- ولا يغشون، وقد مرّ النبي ﷺ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس؟، ( من غش فليس مني ).
- التاجر المسلم لا يكذب ولا يحتال، وهذا اللحن في الكلام، وأنواع المخادعة في الدعايات والإعلانات والمسابقات التجارية، فيها كثير من الخداع للناس، وأكل أموالهم بالزور، ودفعهم إلى شراء ما لا يحتاجون.
ويكون هذا المشتري المسكين في النهاية هو الخاسر.
- ولا بد من التفقه قبل البيع والشراء كما قال عمر: "لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقّه في الدين".
- وينبغي أن يكون سمحاً في المعاملة، سمحاً في القضاء والاقتضاء، سمحاً في البيع والشراء. وقد قال ﷺ: رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى .
- وأن يكون سخياً بالصدقات.
قحط الناس في زمن أبي بكر فقدمت لعثمان بن عفان رضي الله عنه قافلة من ألف راحلة من البُر والطعام. فغدا التجار عليه، فخرج إليهم فقال: ماذا تريدون؟ قالوا: بلغنا أنه قدم لك ألف راحلة بُراً وطعاماً، بعنا حتى نوسع على فقراء المدينة. فقال لهم: ادخلوا فدخلوا. فقال: كم تربحوني على شرائي؟ قالوا: العشرة اثنا عشر. قال: قد زادوني. قالوا: العشرة أربعة عشر. قال: قد زادوني. قالوا: العشر خمسة عشر. قال: قد زادوني. قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة؟ قال: زادني بكل درهم عَشرة ، عندكم زيادة؟ قالوا: لا. قال: فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة.
هكذا كان عثمان وابن عوف، وغيرهم من أغنياء التجار، يجودون على فقراء المسلمين، ولا يستغلّون مثل هذه الفرص؛ لكي يرفعوا الأسعار، ويحتكروا الأطعمة؛ ليبيعوا على الناس بالغلاء.
إن الرفق بالمسلمين أمرٌ جدّ طيب، وإن الحرص على مصلحتهم أمرٌ جد حسن.
أين أخلاق الأمانة؟
1- جاء عن محمد بن المنكدر رحمه الله أنه كان له سِلعٌ تباع بخمس وأخرى بعشرة، فباع غلامه في غيبته شيئاً من الخمسيات بعشرة، فلما عرف لم يزل يطلب ذلك المشتري طول النهار حتى وجده، فقال له: إن الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة. فقال: يا هذا قد رضيت. قال: وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا، فاختر إحدى ثلاث: إما أن تستعيد مالك وتعيد السلعة، وإما أن نرد إليك خمسة، وإما أن تأخذ بدلاً من سلعة الخمس سلعة العشر. فقال: أعطني خمسة. فرد عليه خمسة، وانصرف الأعرابي المشتري يسأل ويقول: من هذا الشيخ؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر. فقال: لا إله إلا الله، هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا.
يا ليتني أبيع الشيء يكسب فيـ ـه المشتري الربح ديناراً بعشرينا
أحب شيء إلى نفسي معاملةٌ كسب العميل فنأتيه ويأتينا
2- وكان أبو حنيفة رحمه الله بزازاً يبيع القماش
وكان عنده ثوبٌ فيه عيب، فجعله جانباً، فجاء خادمه في غيبته فباع الثوب المعيب بقيمته كما لو كان سليماً، فلما جاء الإمام إلى محله وسأل عن ذلك الثوب قال الغلام: بعته. قال: بكم؟ قال: بكذا، أي: بسعر السليم. قال: هل أطلعت المشتري على العيب الذي فيه؟ قال: لا. فتصدق بقيمة الثوب كله.
توجيهات للمستهلكين حال الغلاء
في حالات ارتفاع أسعار الغلاء لا بد للمستهلكين والمشترين من توجيهات:
- فمن ذلك عدم التوسع في الشراء، وجعله هوايةً كما هو عند الغرب؛ بعض الغربيين يجعلون من هواياتهم التسوّق، النزول إلى الأسواق، الطواف بالأسواق.
الشراء صار لذة وشهوة نفس، ليست بحسب الحاجة، لكن شهوة ولذة وهواية.
فنقول: هذا المال محاسب عليه الإنسان، فيم اكتسبه، وفيم أنفقه؟، فلا تجعلنّ الأمر الذي عليه مناط حسابك يوم الدين شهوة نفس، والمهم أن تشتري بغض النظر عما تنفق.
وليس المسلم الحكيم بالذي يرهق نفسه بكثرة الشراء، ويهدر الأوقات والأموال والأعمار، وفي كثير من الأحيان يكون مصير شراء ما لا حاجة له من الأطعمة براميل القمامة.
وقد قال تعالى: ( وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ) سورة الأعراف: 31. وقال: ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) سورة الأنعام:141.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " فالذين يقتصدون في المآكل نعيمهم بها أكثر من المسرفين فيها، فإن أولئك إذا أدمنوها وألفوها لا يبقى لها عندهم كبير لذة، مع أنهم قد لا يصبرون عنها، وتكثر أمراضهم بسببها ".
- مرّ جابر بن عبد الله ومعه لحم على عمر رضي الله عنهما فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: هذا لحمٌ اشتهيته فاشتريته. قال: أو كلما اشتهيت شيئاً اشتريته، أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية: ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ) سورة الأحقاف:20 .
ولا بد من تربية الأولاد على هذا المبدأ لتكون الأسرة متحدة في هذه السياسة في الشراء.
- ثم مراعاة الأولوية في الإنفاق، وقد جاءت الشريعة بالحكمة، والحكمة وضع الأشياء في مواضعها، ونهت عن الظلم، وفي عدم وضع الشيء في موضعه في الشراء ظلم للنفس.
وقد وجد في بعض الدراسات أن الكماليات هي ثلثا المشتريات، ووجد أن العربة التي تملؤها ربة البيت في البقالات والمحلات الكبيرة غالبها من هذا الجنس الذي يمكن الاستغناء عنه.
يقول أحد المستهلكين: هذه المعلبات في الأسواق الكبيرة خربت بيتي، كلما أذهب إليها لأشتري أدفع حوالي 500، وأحس أني لم أشتر شيئاً مفيداً.
- ثالثاً: لا بد من ترشيد الاستهلاك، والحرص على أن يصرف المال في محله، وإذا صارت القضية إنفاقاً في سبيل الله جادت النفس.
وأما بالنسبة لما يشتريه الإنسان في العادة فالسياسة فيه قوله تعالى: ( وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ) سورة الإسراء: 29.
- رابعاً: التحلي بخلق القناعة، والغنى في الحقيقة غنى النفس، والنبي ﷺ أوصانا في أمور الدنيا أن ننظر إلى من هو دوننا، وليس إلى من هو فوقنا؛ فقال: انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله.. وقال ﷺ: ( قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه ).
إذا نظرت إلى من هو دونك في المعيشة، حمدت الله على النعمة، أما إذا كنت ترمق من هو فوقك دائماً لا تستريح.
هي القناعة فالزمها تعش ملكاً لو لم يكن منك إلا راحة البدن
وانظر إلى مالك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن
- وخامساً: الفطنة وعدم الاغترار بالعروض والإعلانات والدعايات، نحن في عصر الإعلام والإعلان؛ وهذه الإعلانات تحوي كثيراً من المبالغات والكذب، وعلى العاقل ألا ينساق وراءها، وحتى لا يتزايد الشعور بالحرمان أيضاً إذا لم يستطع فيبقى في ألم وحسرة، أو يلجأ إلى الاستدانة.
وهذه البطاقات الائتمانية التي كان في ترويجها خداع من أكبر الخداع للمسلمين، وغش من أعظم الغش للمسلمين، وإيقاع في الربا الذي هو من أكبر الآثام في حياة المسلمين، ولذلك لا بد من الحذر الشديد في قضية الشراء المسبق، ولا يشعر الإنسان ماذا يدفع؛ لأنه من مال الغير، ثم بعد ذلك سيشعر به آلاماً منغصةً أضعافاً مضاعفة.
- وسادساً: الحذر من إنفاق المال في المحرمات، والنبي ﷺ قد أخبرنا أن السؤال من أين اكتسبه وفيم أنفقه، والإنفاق في الحرام تبذير. وقد قال الله: ( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ) سورة الإسراء:27.
أثر التوبة والاستغفار في الفكاك من الأزمة
والعلاج العام للقضية التوبة والرجوع إلى الله. قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) سورة الروم:41.
فإذا ظهرت المنكرات في المجتمع، وعم الفساد والخنا والفجور والربا والزنا أتاهم الله بأنواع البلاء: يحبس الغيث، يغلي السعر، وهكذا ما من مصيبةٍ إلا وسببها الذنوب والمعاصي
قال تعالى ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) سورة الشورى:30.
( ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة )
والاستغفار من أسباب الازدهار
قال تعالى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ) سورة نوح:12.
- ثم عدم نسيان الفقراء، تقوم الجمعيات والمؤسسات الخيرية والأفراد بإيجاد الحلول على جميع المستويات لهؤلاء المساكين. ( وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) سورة البقرة: 272.
وفي الحديث القدسي ( يا ابن آدم أَنفق أُنفق عليك ).
تدابير اتخذها عمر في أزمة عام الرمادة
لقد كان في تاريخنا المشرق من أنواع إدارة الأزمات قبل أن يعرفه أهل الإدارة في العصر الحديث، ولما قامت الأزمة في عهد عمر في عام الرمادة، وحصل قحطٌ شديد وقل الطعام، ودام 9 أشهر. وسمي عام الرمادة؛ لأن الريح كانت تسفي تراباً كالرماد، وقيل: لأن الأرض كانت سوداء مثل الرماد.
فما هي التدابير التي اتخذها عمر في هذه الأزمة؟
أولاً: حث الناس على كثرة الصلاة، والدعاء ، واللجوء إلى الله تعالى.
فكان يصلي بالناس العشاء، ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب – أطراف المدينة – فيطوف عليها ويقول في السحر: ( اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي ).
ويقول: ( اللهم لا تهلكنا بالسنين يعني القحط وارفع عنا البلاء) يردد هذه الكلمة.
ثانياً: مواساة المسلمين لبعضهم كتب إلى عماله على الأمصار طالباً الإغاثة.
وفي رسالته إلى عمرو بن العاص - والي مصر-، بعث إليه: "يا غوثاه! يا غوثاه! أنت ومن معك ومن قبلك فيما أنت فيه، ونحن فيما نحن فيه". فأرسل إليه عمرو بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيق والدهن، وبعث إليه بخمسة آلاف كساء.
وهكذا أرسل إلى سعد بن أبي وقاص، فأرسل له بثلاثة آلاف بعير تحمل الدقيق، وبعث إليه بثلاثة آلاف عباءة.
وإلى والي الشام، فأرسل إليه بألفي بعير تحمل الدقيق.
ونحو ذلك مما حصل من مواساة المسلمين لبعضهم.
لأن هذه الأمة واحدة. فإذا مسّ بعضها شدّة، تداعى الباقي لها، جسدٌ واحد.
ثالثاً: مشاركة عمر معاناة الناس.
قال أنس: كان بطن عمر يقرقر عام الرمادة، وكان يأكل الزيت، ولا يأكل السمن. فقرقر بطنه فنقرها بأصبعيه، وقال: تقرقر، إنه ليس لكِ عندنا غيره حتى يُحيا الناس -أي: يأتي الله بالحياة والمطر الذي يغيث به الأرض.
وقال أسلم: كنا نقول: لو لم يرفع الله المَحْلَ عام الرمادة؛ لظننّا أن عمر يموت هماً بأمر المسلمين. ثم يقوم بوعظ الناس وينادي: أيها الناس، استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، وسلوه من فضله، واستسقوا سقيا رحمة.
وطلب الناس من العباس عم النبي ﷺ الرجل الصالح، وأقرب الحاضرين إلى النبي ﷺ أن يخرج؛ ليستسقي لهم؛ استشفاعاً بدعاء الرجل الصالح من آل البيت، وكان العباس حياً، فلم يطلبوا من ميت ولم يطلبوا شيئاً لا يقدر عليه الحي، وخرج العباس يدعو الله، فدعا ودعا، وبكى، فاستجاب الله ونزل الغيث.
علاج الظاهرة والموقف الشرعي من تحديد الأسعار
هذه عدة إجراءات لمن ولاه الله أمر المسلمين أن يقوم بها :
1. العمل على زيادة الإنتاج .
2. توفير السلع بأنسب الأثمان .
3. دعم السلع للمواد الأساسية .
4. انتشار المؤسسات الخيرية .
5. القضاء على الرِبا الذي هو السبب الرئيس للتضخم المؤدي إلى غلاء الأسعار.
6. منع الاحتكار.
7. يجوز لولي الأمر أن يسعّر للناس إذا دعت الحاجة كما بين الفقهاء.
والنبي ﷺ لما قالوا له: سَعّر لنا. غلا السِعر في عهده ﷺ. فقال: ( إن الله هو المسَعّر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال ).
هذا الترك للتسعير؛ لأن المسألة لم تصل إلى حد الضرورة، والنبي ﷺ كان يرجو التفريج ، وهذا ما حصل.
إذا كان الغلاء ناتجاً عن مؤامرةٍ واتفاقٍ وحبسٍ
2- وأما إذا وصلت القضية إلى تواطؤٍ من التجار، وتلاعب بالأسعار، وحبس للمواد حتى يرتفع سعرها، ويكثر الطلب، والعرض قليل عن مؤامرة، فلا بد من فك هذا الظلم كما قال العلماء.
ويكون في هذه الحالة التسعير جائزاً.
وإن طبيعة الاستغلال والجشع التي تدفع إلى رفع أسعار الأدوية التي يحتاجها المرضى من غير اهتمام ولا نظر في حالهم. والأصل أنه لا يحدد سعرٌ للبيع، والسوق يحدد السعر بنفسه.
ولكن إذا كان الغلاء ناتجاً عن مؤامرةٍ واتفاقٍ وحبسٍ؛ فإن التدخل بالتسعير صحيحٌ تماماً من الجهة الشرعية.
3- وأما إذا ارتفعت الأسعار؛ نتيجةً لقلة العرض، وكثرة الطلب، دون أن يكون للتجار دخل في ذلك فلا يجوز التسعير حينئذ.
4- وكذلك إذا كانت السلعة ليست من ضرورات الناس فلا يجوز التسعير.
5- وإذا كان للسلعة بدائل يمكن اللجوء إليها بدون ضرر، فلا يُتَحكَّم بالسعر ويفرض أيضاً.
ولكن إذا صارت السلع مما يحتاجه الناس حاجةً ماسة، وحصل الاتفاق والاستغلال من التجار
فقال شيخ الإسلام رحمه الله: "ما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس، فإنه يجب ألا يباع إلا بثمن المثل، إذا كانت الحاجة إلى بيعه وشرائه عامة، وإن ما احتاج إليه الناس حاجة عامة فالحق فيه لله تعالى".
والاحتكار ليس خاصاً بالأقوات، بل كل ما يحتاج إليه الناس، ويقعون بسبب غلائه أو فقده في حرج وضيق: كالطعام، واللباس، والدواء، والعقار للسكن، ووسائل النقل الآن والمكيفات في البلاد الحارة والثلاجات، بل بعض البرامج في الأجهزة.
والنبي ﷺ قال: ( لا يحتكر إلا خاطئ ) ، الخاطئ: هنا العاصي الآثم. وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار، والاحتكار فيما يحتاجه الناس كالأقوات محرم ولا يجوز، وإذا صار هناك من يحتكر الأقوات، وهناك من يحتكر العقار، وهناك من يحتكر الدواء، لا شك أن الناس يقعون في حرج عظيم.
قال العلماء: فإذا صار التسعير لا بد منه، جمع الإمام التجار، واستشار أهل الرأي والبصيرة، وكان في المجلس من يمثل المستهلكين والمشترين، ويحدّد السِعر المناسب للجميع.
وليس للربح في الشريعة أصلاً حدٌ معين، ولكن إذا كان للسلعة سعر معروف في السوق، فلا يجوز للبائع أن يخدع مشترياً جاهلاً أو مغفلاً ونحو ذلك، فيرفع السعر ليظنها أصلية، أو لأنه لا يعرف سعر السوق أصلاً إذا رفع عليه رفعاً فاحشاً؛ فهذا خيار الغبن الذي يجوز بموجبه للمشتري رد السلعة رغماً عن البائع وأخذ الثمن.
ولو كانت السلعة سعرها في السوق بمئة فباعها بمئة وواحد، أو اثنين، أو ثلاثة، أو خمسة مثلاً، فهذه زيادةٌ يسيرة يتغابن فيها الناس عادةً، وأما إذا باعها بمئة وخمسين مثلاً فإن هذا غبن واضح.
ولماذا نُهي عن تلقي الجلب، وبيع الحاضر للبادي، ونحو ذلك من الحالات؟ لأجل ألاّ يحدث مثل هذا الغبن أو الخداع.
وفي هذا النهي من الشريعة تقديم للمصلحة العامة على المصلحة الفردية، ومصلحة الفرد تحترم إلا إذا تعارضت مع مصلحة الأمة فعندئذ تقدم مصلحة الأمة على المصلحة الفردية، والضرر العام يُدفع بالضرر الخاص، وهذا الحديث نصٌّ في هذا.
الشيخ محمد بن صال المنجد