علمني رسول الله : سبحانه يدبر الأمر فكن لربك عابدٌ وثق به سبحانه الحمد لله الذي أضحك وأبكى، ...
علمني رسول الله :
سبحانه يدبر الأمر فكن لربك عابدٌ وثق به سبحانه
الحمد لله الذي
أضحك وأبكى،
وأمات وأحيا،
وأسعد وأشقى،
وأوجد وأبلى،
ورفع وخفض،
وأعز وأذل،
وأعطى ومنع.
سبحانه
هدى نوحاً وأضل ابنه،
واختار إبراهيم وأبعد أباه،
وأنقذ لوطاً وأهلك امرأته،
ولعن فرعون وهدى زوجته،
واصطفى محمد ومقت عمه
وجعل من أنصار دعوته أبناء ألد خصومه،
كخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل،
فسبحانه عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
أزال الكرب عن أيوب
وألان الحديد لداود
وسخر الريح لسليمان،
وفلق البحر لموسى،
ورفع إليه عيسى،
ونجّا هوداً وأهلك قومه،
ونجّا صالحاً من الظالمين فأصبح قومه في دارهم جاثمين،
وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم،
وفداء إسماعيل بذبح عظيم،
وجعل عيسى وأمه آية للعالمين.
الله الذي أغرق فرعون وقومه ونجّاه ببدنه ليكون لمن خلقه آية،
وخسف بقارون وداره الأرض،
ونجّا يوسف من غيابات الجب وجعله على خزائن الأرض،
ونصر نوحاً على القوم الكافرين ونجّاه وأهله من الكرب العظيم.
واشهد أن سيدنا محمد عبدالله ورسوله
فهو النبي العربي القرشي الأمي الذي لم تنجب مثله القبائل
رفع الله له ذكره وشرح الله صدره ووضع الله عنه وزره
وزكاه ربه على جميع خلقه ومع ذلك خاطبه بقوله (إنك ميت وإنهم ميتون) [الزمر: الآية ]
بأبي وأمي يا رسول الله
يا رافعًا للدين خير لواء فلقد بعثت إلى الخلائق رحمة برسالة من أحكم الحكماء
يا صاحب الخلق العظيم كما حكى رب الوجود بذكره الوضاء
فأحسنوا نياتكم فعليها ترزقون....
واعلموا لماذا خلقنا في هذه الدنيا ، قال سبحانه (وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )
ولتعلموا أنه لم يٌكتب على إنسان الشقاء.. إلا اذا تخلى يوما عن المنهج الوضاء
أيها الأحبة :
لإيقاظ النائمين من أهل المعاصي ، و الغافلين من أصحاب الذنوب من أمثالي أقول والله المستعان استمعوا معي إلى قول الكريم المنان
وهو يقول محذرا جميع الأنام : قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) [ الفجر: 6- 14]
يقول الحسن البصرى رحمه الله ربيب بيت النبوة يومك .... يومك إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ،
اليوم فحسب ستعيش ، فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره ، ولا الغد الذي لم يأت إلى الآن .
اليوم الذي أظلتك شمسه ، وأدركك نهاره هو يومك فحسب ، فالأمس عشناه ولن يعود واليوم نحياه ولن يدوم وغدا لا ندري أين نكون عمرك يوم واحد ، فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه ،
ولذا يقول الامام زين العابدينَ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ "مسكين ابن آدم، يصاب باليوم و الليلة بثلاث مصائب، فلا يتعظ بمصيبة واحدة منها".
المصيبة الأولى عمره كل يومٍ يتناقص، واليوم الذي ينقص من عمره، لا يهتم له
وإذا نقص من امواله شيء، اهتم له؛ و المال يعوض .. والعمر لا يعوض
المصيبة الثانية في كل يومٍ يأكل من رزق الله؛ إن كان حلالاً، سئِل عليه ...
إن كان حراماً عوقب عليه ... ولا يدرى عاقبة الحساب
المصيبة الثالثة في كل يومٍ يدنوا من الآخرة قدراً، ويبتعد من الدنيا قدراً، ورغم ذلك لا يهتم بالأخرة الباقية: قدر اهتمامه بالدنيا الفانية!!! ولا يدري هل مصيره إلى الجنة عالية، أم إلى نار هاوية
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا ، واجعل جنة الفردوس هِيَ دارَنا، بلا حساب، ولا سابق عذاب، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّاب
يقول الله تعالى في سورة الرعد ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ 2)
فلنعلم جميعا أن الله المدبر لهذا الكون المصرف له العليم به ، العليم بحالنا وأحوالنا العليم بما يفعل الظالمون المفسدون الباغون .
انه الله فلا تحزن على شيء حدث ولا شيء سيحدث
لأنه من تدبيره وتصريفه
فأنت تعمل لكي تؤجر
فهل أنت مطمئن بعدل الله ؟
فهل أنت مطمئن بقدر الله ؟
فإذا كنت مطمئن بعدله وقدرته وقدره فلا يضيرك ولا يخذلك أي شيء فاهدأ واستقر واطمئن
فأنت إلهك المدبر المصرف لهذا الكون وهو خير الماكرين .
علمني رسول الله أن يد الله تعمل في الخفاء فلا تستعجلوها
ولا تستعجلوا نصرا قبل استكمال أسبابه الواقعية والربانية معا
ولا تطمحوا إلى نيل المكاسب قبل أن تتكامل الأدوات والأسباب ، ولذا قال الكريم سبحانه لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم (و اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا)
كيف تعمل يد الله سبحانه وتعالى
وهنا وقفات سريعة يوسف عليه السلام أجمل القصص (قصة يوسف )
لأنها بدأت بحلم وانتهت بحقيقة.
من يقول أن الأحلام مستحيلة قال تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كُن فيكُون )
الوقفة الثانية لا تخف أبدا من كيد الكائد
يوسف رموه في الجب طفلا أعزلاً
ثم سجدوا له ملكاً
من أعاجيب الحياة أن الكيد
غالباً ينقلب لمصلحتك
الوقفة الثالثة أراد الله خروج يوسف من السجن
لم يرسل صاعقة تخلع باب السجن بل رؤيا تتسلل ليلاً لخيال الملك وهو نائم
ثق بربك وأحسن الظن به
الوقفة الرابعة عندما يقال لك قميص يوسف، هل ستذكر أنها ثلاثة؟
قميص المؤامرة والدم المزيف
قميص الشهوة الذي مزقته امرأة
وقميص النصر الذي أعاد البصر ليعقوب
الوقفة الخامسة فأسرّها يوسف في نفسه ولم يُبْدِها لهم"
نفوس كبيرة تتغافل لبقاء الود نفوس معلقة بالسماء
فالتغافل ليس عجزا والتسامح ليس ضعفاً
والصمت ليس انطواءً، بل سمو لا يعرفه الوضيع
لا تواجه أخاك بكل ما في قلبك اترك ما استطعت إرضاء لله وحفاظا على أخيك
الوقفة السادسة
قال تعالى ﴿إني لأجد ريح يوسف﴾ محسنوا الظن بالله يشمون رائحة الفرج رغم بعد المسافات تعلقت حبالهم بربهم فقويت عزائمهم وحسنت ظنونهم.
كيف تعمل يد الله سبحانه وتعالى
قصة سيدنا نوح
1- إله قادر عالم يأمر عبدا مؤمنا مطيعا ليصنع فلكا في صحراء لا زرع فيها ولا ماء
قال تعالى " وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ " (هود : 37 )
2- يعمل علمانيو عصره عقولهم في موضع لا يعمل فيه العقل فهو امر الله فيستهزؤوا بما يفعل .. كيف يصنع الفلك في صحراء لا زرع فيها ولا ماء " وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ " (هود : 38 )
3- كونٌ عابدٌ يسخره الله سبحانه وتعالي لعباده المؤمنين
قال تعالى " فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ(11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ( 12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ( 13 ) تجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ ). ( القمر: 14 )
4- كُفر الكافرين رغم الآيات والاعتصام بغير الله
قال تعالى " وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ( 42 ) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ) ( هود : 43 )
5- ثم عودة للكون الطائع العابد
قال تعالى " وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( هود : 44 )
6- ثم ينجى الله المؤمنين
قال تعالى " قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ " ( هود : 48 )
وتبقي يد الله ممدودة تنتظر من يتشبث بها لتنتشله من وحل الباطل الي سمو الإيمان .. فهل من مجيب ؟
ومن اعظم الدروس النبوية التي يطمئن بها قلب المؤمن وتعطية جرعات من الامل
صلح الحديبة
صلح الحديبية عهد واتفاق، تم بين المسلمين وقريش في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة قرب موضع يقال له الحديبية قبيل مكة.
ففي ذلك العام رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه
أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأنهم يطوفون بالبيت،
فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، ففرحوا فرحا شديدا، فرؤيا الأنبياء حق،
وقد اشتد بهم الحنين إلى تأدية النسك والطواف بالكعبة ودخول مكة، موطنهم الأول ومسقط رأسهم .
خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زوجه أم سلمة في ألف وأربعمائة مسلم، متجهين إلى مكة لقضاء أول عمرة لهم بعد الهجرة، وحملوا معهم السلاح توقعا لشر قريش، فلما وصل إلى ذي الحليفة أهل مُحْرما هو ومن معه، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بُسر بن سفيان إلى مكة ليأتيه بأخبار قريش وردود أفعالهم.
وحين وصل المسلمون إلى عسفان(مكان بين مكة والمدينة)، جاءهم بسر بأخبار استعدادات قريش لصد ومنع المسلمين من دخول مكة..
فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فأشار أبو بكر رضي الله عنه بالتوجه إلى مكة لأداء العمرة والطواف بالبيت، وقال: ( فمن صدنا عنه قاتلناه، فقال صلى الله عليه وسلم : امضوا على اسم الله ) ( البخاري ).
وصلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه في عسفان صلاة الخوف، ثم سلك بهم طريقا وعرة، متجنبا الاصطدام بخالد بن الوليد وكان لا زال على الشرك حيث خرج من مكة بجنود ليمنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخولها..
فمضى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه باتجاه مكة حتى إذا اقتربوا من الحديبية بركت ناقته، فقالوا: خلأت القصواء (امتنعت عن المشي)؟، فقال صلى الله عليه وسلم : ( ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل ) ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ) ( البخاري )
فلما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية أرسل عثمان رضي الله عنه إلى قريش وقال له: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عماراً، وادعهم إلى الإسلام، وأَمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، وأن الله عز وجل مظهر دينه بمكة..
فانطلق عثمان فمر على قريش، فقالوا: إلى أين؟، فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ويخبركم : أنه لم يأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً..
ولكن عثمان احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين ، فخاف الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل، فدعا إلى البيعة، فتبادروا إليه، وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على أن لا يفروا، وهذه هي بيعة الرضوان التي نزل فيها قول الله تعالى: ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) (الفتح:18).
وأرسلت قريش عروة بن مسعود للتفاوض مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم أرسلت سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل.
فتكلم سهيل طويلاً ثم اتفقا على قواعد الصلح.
وقد روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ يُمْلي شروط الصلح، و علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكتب، فأملاه النبي صلى الله عليه وسلم : ( بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل : أما الرحمن فوالله لا ندري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا فكتبها كذلك، ثم أملى صلى الله عليه وسلم : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال سهيل : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: والله ، إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله ).
وأسفرت المفاوضات عن اتفاق سُمِّيَ في التاريخ والسيرة صلحا، يقضي بأن تكون هناك هدنة بين الطرفين لمدة عشر سنوات، وأن يرجع المسلمون إلى المدينة هذا العام فلا يقضوا العمرة إلا العام القادم، وأن يرد محمد صلى الله عليه وسلم من يأتي إليه من قريش مسلما دون علم أهله، وألا ترد قريش من يأتيها مرتدا، وأن من أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه، ومن أراد أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم من غير قريش دخل فيه..
وبينما هم كذلك إذ دخل عليهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو في قيوده وألقى بنفسه بين المسلمين،
فقال سهيل : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي، فأعاده النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين،
فقال أبو جندل : يا معشر المسلمين أَأُرَد إلى المشركين يفتنونني في ديني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
( إنا عقدنا بيننا وبين القوم عهدا، وإنا لا نغدر بهم )، ثم طمأنه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا:
( يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجا ومخرجا ) ( أحمد ).
وافق الرسول صلى الله عليه وسلم على شروط المعاهدة، التي بدا للبعض أن فيها إجحافا وذلاً للمسلمين،
ومنهم عمر رضي الله عنه الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟،
قال صلى الله عليه وسلم بلى، فقال: فَلِمَ نعط الدنية في ديننا إذاً ؟ ) ( البخاري )
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مدركا وموقنا أن هذا الصلح سيكون فاتحة خير وبركة على المسلمين بعد ذلك.
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا المدينة..
ومن خلال صلح الحديبية وأحداثه، يمكن استخلاص العديد من الدروس والحِكَم، ومنها:
وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والانقياد والتسليم لأمره، فعمر رضي الله عنه وبعض الصحابة كرهوا هذا الصلح، ورأوا في شروطه الظلم والإجحاف بالمسلمين، لكنهم ندموا على ذلك، وظلت تلك الحادثة درسا لهم فيما استقبلوا من حياتهم، فكان سهل بن حنيف رضي الله عنه يقول: " اتهموا رأيكم ، رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته "..
وبقي عمر رضي الله عنه زمنا طويلا متخوفا أن ينزل الله به عقابا لما قاله يوم الحديبية، وكان يقول: فما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت، مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ .
وهو القائل رضي الله عنه بعد ذلك وهو يقبل الحجر الأسود : ( إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) ( البخاري ).
فتعلم الصحابة من صلح الحديبية وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره وإن خالف ذلك العقول والنفوس، ففي طاعته صلى الله عليه وسلم الصلاح المتضمن لسعادة الدنيا والآخرة، وإن قصر العقل عن إدراك غايته وعاقبة أمره ..
وفي هذا الصلح المبارك ظهرت أهمية الشورى، ومكانة المرأة في الإسلام، وأهمية القدوة العملية في موقف واحد.
روى الإمام أحمد بسنده من طريق المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما
قصة صلح الحديبية في حديث طويل، ذكر فيه أنه لما تم الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم ومشركي قريش
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا أيها الناس انحروا واحلقوا )، قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة فقال: ( يا أم سلمة ! ما شأن الناس؟ قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنساناً، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق فلو قد فعلت ذلك، فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره ثم جلس فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون ).
فكان رأي أم سلمة رضي الله عنها رأياً موفقا ومشورة مباركة، وفي ذلك دليل على استحسان مشاورة المرأة الفاضلة مادامت ذات فكر صائب ورأي سديد، كما أنه لا فرق في الإسلام بين أن تأتي المشورة من رجل أو امرأة، طالما أنها مشورة صائبة، فالشورى سلوك ينظم الحياة والأسرة في كل شؤونها، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) (الشورى:38).
وفي قبول النبي صلى الله عليه وسلم لمشورة زوجته أم سلمة تكريم للمرأة، التي يزعم أعداء الإسلام أن الإسلام لم يعطها حقها وتجاهل وجودها، وهل هناك اعتراف واحترام لرأي المرأة أكثر من أن تشير على نبي مرسل، ويعمل النبي صلى الله عليه وسلم بمشورتها لحل مشكلة واجهته في حياته .
وفي هذا الموقف أيضا التأكيد على أهمية القدوة العملية، فقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمر وكرره، ومع ذلك لم يستجب أحد لدعوته، فلما أقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخطوة العملية التي أشارت بها أم سلمة رضي الله عنها تحقق المراد، فالقدوة العملية أجدى وأنفع، خاصة في مثل هذه المواقف ..
وظهر في صلح الحديبية مدى حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ، يعبر عن ذلك عروة في قوله لقومه: ( أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا، والله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ) ( البخاري ).
ومن الحكم الباهرة من صلح الحديبية أنه كان بابا ومفتاحا لفتح مكة .
ولئن لم ينتبه المسلمون لهذا في حينه، فذلك لأن المستقبل غائب عنهم، فقد اختلط المسلمون بالكفار بعد عقد الصلح وهم في أمان، ودعوهم إلى الله، وأسمعوهم القرآن، ولم يُكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه،
ودخل في سنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك، بل أكثر ..
فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج عام فتح مكة بعد عامين في عشرة آلاف، وهذا ما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أثناء رجوعه إلى المدينة بعد عقد المعاهدة والصلح، حينما قال: ( أنزلت عليَّ الليلة سورة لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس.
ثم قرأ: ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) (الفتح:1 ) ( البخاري ) .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : " إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية " .
إن عرض الإسلام والدعوة إليه في جو من الهدوء والأمان، وحرية الحوار بالحجة والكلمة الطيبة،
كان له أبلغ الأثر، وذلك لأن الحق له قوة يظهر بها على الباطل، فإذا أحسن العرض والدعوة إليه، واختير القول والوقت المناسب، وكان الداعية عالما بما يدعو له، حكيما في دعوته، كانت النتائج أعظم ..
لقد كان صلح الحديبية غنيا بالدروس والحِكَم، التي ينبغي الوقوف معها والاستفادة منها في واقعنا ومستقبلنا كأفراد ومجتمعات ...
وأنت، كم من مصيبة كنت تظنها ستكون القاضية، وكم من حزن ظننت أن الدنيا لن تحلو بعده، وكم من عزيز فقدته فتوهمت أنه لم يعد بعده شيء يستحق الحياة، كم وكم؟!
لكن الحياة عادت كما كانت، ولربما بطعم أحلى وأقدار أجمل، فلا تتضايق وانتظر الفرج، فثقوا بالله وتوكلوا عليه
تصلح أحوالكم وتطيب نفوسكم، وقدموا بين يدي ربكم عبادة خالصة وعملاً صالحًا وخلقًا حسنًا وسلوكًا سويًا.
إننا بحاجة إلى هذا الإيمان بالله وهذا اليقين وهذه العقيدة في زمن فسدت فيه القيم والأخلاق، وتجرّأ الناس فيه على المعاصي والسيئات، وارتكبت المحرمات وسفكت الدماء وانتهكت الأعراض، وتعدى المسلم على أخيه المسلم، إننا بحاجة إلى هذا الإيمان لنتجاوز المحن والفتن والابتلاءات وقد حفظنا ديننا وأخوتنا وأوطاننا ومجتمعاتنا، إننا بحاجة إلى تقوية هذا الإيمان في قلوبنا حتى نشعر بمعية الله وتوفيقه، وحتى لا تطول تعاستنا ويزداد شقاؤنا وتكثر همومنا ومشاكلنا.
عباد الله: إن بعد العسر يسرًا، وإن بعد الشدة فرجاً ومخرجاً، وإنها لسنة من سنن الله الذي بيده كل شيء، وأمره بين الكاف والنون، وإرادته فوق كل شيء مهما كانت قوة البشر ومهما أحكمت خططهم ومهما كثرت عدتهم وأعدادهم، ومهما بلغ كيدهم وبطشهم وجبروتهم، اللهم اجعلنا ممن يتوكلون على ربهم حق التوكل واحفظنا بالإسلام وأدم علينا نعمة الإيمان، احفظنا واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل شر وبلاء، اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ما فسد من أحوالنا، واهدنا صراطك المستقيم، وتولنا في عبادك الصالحين.
هذا؛ وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحانه يدبر الأمر فكن لربك عابدٌ وثق به سبحانه
الحمد لله الذي
أضحك وأبكى،
وأمات وأحيا،
وأسعد وأشقى،
وأوجد وأبلى،
ورفع وخفض،
وأعز وأذل،
وأعطى ومنع.
سبحانه
هدى نوحاً وأضل ابنه،
واختار إبراهيم وأبعد أباه،
وأنقذ لوطاً وأهلك امرأته،
ولعن فرعون وهدى زوجته،
واصطفى محمد ومقت عمه
وجعل من أنصار دعوته أبناء ألد خصومه،
كخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل،
فسبحانه عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
أزال الكرب عن أيوب
وألان الحديد لداود
وسخر الريح لسليمان،
وفلق البحر لموسى،
ورفع إليه عيسى،
ونجّا هوداً وأهلك قومه،
ونجّا صالحاً من الظالمين فأصبح قومه في دارهم جاثمين،
وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم،
وفداء إسماعيل بذبح عظيم،
وجعل عيسى وأمه آية للعالمين.
الله الذي أغرق فرعون وقومه ونجّاه ببدنه ليكون لمن خلقه آية،
وخسف بقارون وداره الأرض،
ونجّا يوسف من غيابات الجب وجعله على خزائن الأرض،
ونصر نوحاً على القوم الكافرين ونجّاه وأهله من الكرب العظيم.
واشهد أن سيدنا محمد عبدالله ورسوله
فهو النبي العربي القرشي الأمي الذي لم تنجب مثله القبائل
رفع الله له ذكره وشرح الله صدره ووضع الله عنه وزره
وزكاه ربه على جميع خلقه ومع ذلك خاطبه بقوله (إنك ميت وإنهم ميتون) [الزمر: الآية ]
بأبي وأمي يا رسول الله
يا رافعًا للدين خير لواء فلقد بعثت إلى الخلائق رحمة برسالة من أحكم الحكماء
يا صاحب الخلق العظيم كما حكى رب الوجود بذكره الوضاء
فأحسنوا نياتكم فعليها ترزقون....
واعلموا لماذا خلقنا في هذه الدنيا ، قال سبحانه (وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )
ولتعلموا أنه لم يٌكتب على إنسان الشقاء.. إلا اذا تخلى يوما عن المنهج الوضاء
أيها الأحبة :
لإيقاظ النائمين من أهل المعاصي ، و الغافلين من أصحاب الذنوب من أمثالي أقول والله المستعان استمعوا معي إلى قول الكريم المنان
وهو يقول محذرا جميع الأنام : قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) [ الفجر: 6- 14]
يقول الحسن البصرى رحمه الله ربيب بيت النبوة يومك .... يومك إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ،
اليوم فحسب ستعيش ، فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره ، ولا الغد الذي لم يأت إلى الآن .
اليوم الذي أظلتك شمسه ، وأدركك نهاره هو يومك فحسب ، فالأمس عشناه ولن يعود واليوم نحياه ولن يدوم وغدا لا ندري أين نكون عمرك يوم واحد ، فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه ،
ولذا يقول الامام زين العابدينَ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ "مسكين ابن آدم، يصاب باليوم و الليلة بثلاث مصائب، فلا يتعظ بمصيبة واحدة منها".
المصيبة الأولى عمره كل يومٍ يتناقص، واليوم الذي ينقص من عمره، لا يهتم له
وإذا نقص من امواله شيء، اهتم له؛ و المال يعوض .. والعمر لا يعوض
المصيبة الثانية في كل يومٍ يأكل من رزق الله؛ إن كان حلالاً، سئِل عليه ...
إن كان حراماً عوقب عليه ... ولا يدرى عاقبة الحساب
المصيبة الثالثة في كل يومٍ يدنوا من الآخرة قدراً، ويبتعد من الدنيا قدراً، ورغم ذلك لا يهتم بالأخرة الباقية: قدر اهتمامه بالدنيا الفانية!!! ولا يدري هل مصيره إلى الجنة عالية، أم إلى نار هاوية
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا ، واجعل جنة الفردوس هِيَ دارَنا، بلا حساب، ولا سابق عذاب، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّاب
يقول الله تعالى في سورة الرعد ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ 2)
فلنعلم جميعا أن الله المدبر لهذا الكون المصرف له العليم به ، العليم بحالنا وأحوالنا العليم بما يفعل الظالمون المفسدون الباغون .
انه الله فلا تحزن على شيء حدث ولا شيء سيحدث
لأنه من تدبيره وتصريفه
فأنت تعمل لكي تؤجر
فهل أنت مطمئن بعدل الله ؟
فهل أنت مطمئن بقدر الله ؟
فإذا كنت مطمئن بعدله وقدرته وقدره فلا يضيرك ولا يخذلك أي شيء فاهدأ واستقر واطمئن
فأنت إلهك المدبر المصرف لهذا الكون وهو خير الماكرين .
علمني رسول الله أن يد الله تعمل في الخفاء فلا تستعجلوها
ولا تستعجلوا نصرا قبل استكمال أسبابه الواقعية والربانية معا
ولا تطمحوا إلى نيل المكاسب قبل أن تتكامل الأدوات والأسباب ، ولذا قال الكريم سبحانه لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم (و اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا)
كيف تعمل يد الله سبحانه وتعالى
وهنا وقفات سريعة يوسف عليه السلام أجمل القصص (قصة يوسف )
لأنها بدأت بحلم وانتهت بحقيقة.
من يقول أن الأحلام مستحيلة قال تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كُن فيكُون )
الوقفة الثانية لا تخف أبدا من كيد الكائد
يوسف رموه في الجب طفلا أعزلاً
ثم سجدوا له ملكاً
من أعاجيب الحياة أن الكيد
غالباً ينقلب لمصلحتك
الوقفة الثالثة أراد الله خروج يوسف من السجن
لم يرسل صاعقة تخلع باب السجن بل رؤيا تتسلل ليلاً لخيال الملك وهو نائم
ثق بربك وأحسن الظن به
الوقفة الرابعة عندما يقال لك قميص يوسف، هل ستذكر أنها ثلاثة؟
قميص المؤامرة والدم المزيف
قميص الشهوة الذي مزقته امرأة
وقميص النصر الذي أعاد البصر ليعقوب
الوقفة الخامسة فأسرّها يوسف في نفسه ولم يُبْدِها لهم"
نفوس كبيرة تتغافل لبقاء الود نفوس معلقة بالسماء
فالتغافل ليس عجزا والتسامح ليس ضعفاً
والصمت ليس انطواءً، بل سمو لا يعرفه الوضيع
لا تواجه أخاك بكل ما في قلبك اترك ما استطعت إرضاء لله وحفاظا على أخيك
الوقفة السادسة
قال تعالى ﴿إني لأجد ريح يوسف﴾ محسنوا الظن بالله يشمون رائحة الفرج رغم بعد المسافات تعلقت حبالهم بربهم فقويت عزائمهم وحسنت ظنونهم.
كيف تعمل يد الله سبحانه وتعالى
قصة سيدنا نوح
1- إله قادر عالم يأمر عبدا مؤمنا مطيعا ليصنع فلكا في صحراء لا زرع فيها ولا ماء
قال تعالى " وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ " (هود : 37 )
2- يعمل علمانيو عصره عقولهم في موضع لا يعمل فيه العقل فهو امر الله فيستهزؤوا بما يفعل .. كيف يصنع الفلك في صحراء لا زرع فيها ولا ماء " وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ " (هود : 38 )
3- كونٌ عابدٌ يسخره الله سبحانه وتعالي لعباده المؤمنين
قال تعالى " فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ(11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ( 12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ( 13 ) تجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ ). ( القمر: 14 )
4- كُفر الكافرين رغم الآيات والاعتصام بغير الله
قال تعالى " وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ( 42 ) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ) ( هود : 43 )
5- ثم عودة للكون الطائع العابد
قال تعالى " وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( هود : 44 )
6- ثم ينجى الله المؤمنين
قال تعالى " قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ " ( هود : 48 )
وتبقي يد الله ممدودة تنتظر من يتشبث بها لتنتشله من وحل الباطل الي سمو الإيمان .. فهل من مجيب ؟
ومن اعظم الدروس النبوية التي يطمئن بها قلب المؤمن وتعطية جرعات من الامل
صلح الحديبة
صلح الحديبية عهد واتفاق، تم بين المسلمين وقريش في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة قرب موضع يقال له الحديبية قبيل مكة.
ففي ذلك العام رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه
أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأنهم يطوفون بالبيت،
فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، ففرحوا فرحا شديدا، فرؤيا الأنبياء حق،
وقد اشتد بهم الحنين إلى تأدية النسك والطواف بالكعبة ودخول مكة، موطنهم الأول ومسقط رأسهم .
خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زوجه أم سلمة في ألف وأربعمائة مسلم، متجهين إلى مكة لقضاء أول عمرة لهم بعد الهجرة، وحملوا معهم السلاح توقعا لشر قريش، فلما وصل إلى ذي الحليفة أهل مُحْرما هو ومن معه، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بُسر بن سفيان إلى مكة ليأتيه بأخبار قريش وردود أفعالهم.
وحين وصل المسلمون إلى عسفان(مكان بين مكة والمدينة)، جاءهم بسر بأخبار استعدادات قريش لصد ومنع المسلمين من دخول مكة..
فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فأشار أبو بكر رضي الله عنه بالتوجه إلى مكة لأداء العمرة والطواف بالبيت، وقال: ( فمن صدنا عنه قاتلناه، فقال صلى الله عليه وسلم : امضوا على اسم الله ) ( البخاري ).
وصلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه في عسفان صلاة الخوف، ثم سلك بهم طريقا وعرة، متجنبا الاصطدام بخالد بن الوليد وكان لا زال على الشرك حيث خرج من مكة بجنود ليمنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخولها..
فمضى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه باتجاه مكة حتى إذا اقتربوا من الحديبية بركت ناقته، فقالوا: خلأت القصواء (امتنعت عن المشي)؟، فقال صلى الله عليه وسلم : ( ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل ) ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ) ( البخاري )
فلما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية أرسل عثمان رضي الله عنه إلى قريش وقال له: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عماراً، وادعهم إلى الإسلام، وأَمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، وأن الله عز وجل مظهر دينه بمكة..
فانطلق عثمان فمر على قريش، فقالوا: إلى أين؟، فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ويخبركم : أنه لم يأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً..
ولكن عثمان احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين ، فخاف الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل، فدعا إلى البيعة، فتبادروا إليه، وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على أن لا يفروا، وهذه هي بيعة الرضوان التي نزل فيها قول الله تعالى: ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) (الفتح:18).
وأرسلت قريش عروة بن مسعود للتفاوض مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم أرسلت سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل.
فتكلم سهيل طويلاً ثم اتفقا على قواعد الصلح.
وقد روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ يُمْلي شروط الصلح، و علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكتب، فأملاه النبي صلى الله عليه وسلم : ( بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل : أما الرحمن فوالله لا ندري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا فكتبها كذلك، ثم أملى صلى الله عليه وسلم : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال سهيل : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: والله ، إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله ).
وأسفرت المفاوضات عن اتفاق سُمِّيَ في التاريخ والسيرة صلحا، يقضي بأن تكون هناك هدنة بين الطرفين لمدة عشر سنوات، وأن يرجع المسلمون إلى المدينة هذا العام فلا يقضوا العمرة إلا العام القادم، وأن يرد محمد صلى الله عليه وسلم من يأتي إليه من قريش مسلما دون علم أهله، وألا ترد قريش من يأتيها مرتدا، وأن من أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه، ومن أراد أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم من غير قريش دخل فيه..
وبينما هم كذلك إذ دخل عليهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو في قيوده وألقى بنفسه بين المسلمين،
فقال سهيل : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي، فأعاده النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين،
فقال أبو جندل : يا معشر المسلمين أَأُرَد إلى المشركين يفتنونني في ديني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
( إنا عقدنا بيننا وبين القوم عهدا، وإنا لا نغدر بهم )، ثم طمأنه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا:
( يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجا ومخرجا ) ( أحمد ).
وافق الرسول صلى الله عليه وسلم على شروط المعاهدة، التي بدا للبعض أن فيها إجحافا وذلاً للمسلمين،
ومنهم عمر رضي الله عنه الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟،
قال صلى الله عليه وسلم بلى، فقال: فَلِمَ نعط الدنية في ديننا إذاً ؟ ) ( البخاري )
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مدركا وموقنا أن هذا الصلح سيكون فاتحة خير وبركة على المسلمين بعد ذلك.
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا المدينة..
ومن خلال صلح الحديبية وأحداثه، يمكن استخلاص العديد من الدروس والحِكَم، ومنها:
وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والانقياد والتسليم لأمره، فعمر رضي الله عنه وبعض الصحابة كرهوا هذا الصلح، ورأوا في شروطه الظلم والإجحاف بالمسلمين، لكنهم ندموا على ذلك، وظلت تلك الحادثة درسا لهم فيما استقبلوا من حياتهم، فكان سهل بن حنيف رضي الله عنه يقول: " اتهموا رأيكم ، رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته "..
وبقي عمر رضي الله عنه زمنا طويلا متخوفا أن ينزل الله به عقابا لما قاله يوم الحديبية، وكان يقول: فما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت، مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ .
وهو القائل رضي الله عنه بعد ذلك وهو يقبل الحجر الأسود : ( إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) ( البخاري ).
فتعلم الصحابة من صلح الحديبية وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره وإن خالف ذلك العقول والنفوس، ففي طاعته صلى الله عليه وسلم الصلاح المتضمن لسعادة الدنيا والآخرة، وإن قصر العقل عن إدراك غايته وعاقبة أمره ..
وفي هذا الصلح المبارك ظهرت أهمية الشورى، ومكانة المرأة في الإسلام، وأهمية القدوة العملية في موقف واحد.
روى الإمام أحمد بسنده من طريق المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما
قصة صلح الحديبية في حديث طويل، ذكر فيه أنه لما تم الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم ومشركي قريش
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا أيها الناس انحروا واحلقوا )، قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة فقال: ( يا أم سلمة ! ما شأن الناس؟ قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنساناً، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق فلو قد فعلت ذلك، فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره ثم جلس فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون ).
فكان رأي أم سلمة رضي الله عنها رأياً موفقا ومشورة مباركة، وفي ذلك دليل على استحسان مشاورة المرأة الفاضلة مادامت ذات فكر صائب ورأي سديد، كما أنه لا فرق في الإسلام بين أن تأتي المشورة من رجل أو امرأة، طالما أنها مشورة صائبة، فالشورى سلوك ينظم الحياة والأسرة في كل شؤونها، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) (الشورى:38).
وفي قبول النبي صلى الله عليه وسلم لمشورة زوجته أم سلمة تكريم للمرأة، التي يزعم أعداء الإسلام أن الإسلام لم يعطها حقها وتجاهل وجودها، وهل هناك اعتراف واحترام لرأي المرأة أكثر من أن تشير على نبي مرسل، ويعمل النبي صلى الله عليه وسلم بمشورتها لحل مشكلة واجهته في حياته .
وفي هذا الموقف أيضا التأكيد على أهمية القدوة العملية، فقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمر وكرره، ومع ذلك لم يستجب أحد لدعوته، فلما أقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخطوة العملية التي أشارت بها أم سلمة رضي الله عنها تحقق المراد، فالقدوة العملية أجدى وأنفع، خاصة في مثل هذه المواقف ..
وظهر في صلح الحديبية مدى حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ، يعبر عن ذلك عروة في قوله لقومه: ( أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا، والله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ) ( البخاري ).
ومن الحكم الباهرة من صلح الحديبية أنه كان بابا ومفتاحا لفتح مكة .
ولئن لم ينتبه المسلمون لهذا في حينه، فذلك لأن المستقبل غائب عنهم، فقد اختلط المسلمون بالكفار بعد عقد الصلح وهم في أمان، ودعوهم إلى الله، وأسمعوهم القرآن، ولم يُكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه،
ودخل في سنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك، بل أكثر ..
فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج عام فتح مكة بعد عامين في عشرة آلاف، وهذا ما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أثناء رجوعه إلى المدينة بعد عقد المعاهدة والصلح، حينما قال: ( أنزلت عليَّ الليلة سورة لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس.
ثم قرأ: ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) (الفتح:1 ) ( البخاري ) .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : " إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية " .
إن عرض الإسلام والدعوة إليه في جو من الهدوء والأمان، وحرية الحوار بالحجة والكلمة الطيبة،
كان له أبلغ الأثر، وذلك لأن الحق له قوة يظهر بها على الباطل، فإذا أحسن العرض والدعوة إليه، واختير القول والوقت المناسب، وكان الداعية عالما بما يدعو له، حكيما في دعوته، كانت النتائج أعظم ..
لقد كان صلح الحديبية غنيا بالدروس والحِكَم، التي ينبغي الوقوف معها والاستفادة منها في واقعنا ومستقبلنا كأفراد ومجتمعات ...
وأنت، كم من مصيبة كنت تظنها ستكون القاضية، وكم من حزن ظننت أن الدنيا لن تحلو بعده، وكم من عزيز فقدته فتوهمت أنه لم يعد بعده شيء يستحق الحياة، كم وكم؟!
لكن الحياة عادت كما كانت، ولربما بطعم أحلى وأقدار أجمل، فلا تتضايق وانتظر الفرج، فثقوا بالله وتوكلوا عليه
تصلح أحوالكم وتطيب نفوسكم، وقدموا بين يدي ربكم عبادة خالصة وعملاً صالحًا وخلقًا حسنًا وسلوكًا سويًا.
إننا بحاجة إلى هذا الإيمان بالله وهذا اليقين وهذه العقيدة في زمن فسدت فيه القيم والأخلاق، وتجرّأ الناس فيه على المعاصي والسيئات، وارتكبت المحرمات وسفكت الدماء وانتهكت الأعراض، وتعدى المسلم على أخيه المسلم، إننا بحاجة إلى هذا الإيمان لنتجاوز المحن والفتن والابتلاءات وقد حفظنا ديننا وأخوتنا وأوطاننا ومجتمعاتنا، إننا بحاجة إلى تقوية هذا الإيمان في قلوبنا حتى نشعر بمعية الله وتوفيقه، وحتى لا تطول تعاستنا ويزداد شقاؤنا وتكثر همومنا ومشاكلنا.
عباد الله: إن بعد العسر يسرًا، وإن بعد الشدة فرجاً ومخرجاً، وإنها لسنة من سنن الله الذي بيده كل شيء، وأمره بين الكاف والنون، وإرادته فوق كل شيء مهما كانت قوة البشر ومهما أحكمت خططهم ومهما كثرت عدتهم وأعدادهم، ومهما بلغ كيدهم وبطشهم وجبروتهم، اللهم اجعلنا ممن يتوكلون على ربهم حق التوكل واحفظنا بالإسلام وأدم علينا نعمة الإيمان، احفظنا واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل شر وبلاء، اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ما فسد من أحوالنا، واهدنا صراطك المستقيم، وتولنا في عبادك الصالحين.
هذا؛ وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.