طوبى لكم أيها الغرباء إن القابض على دينه في زمان تشتد فيه غربة الإسلام كالقابض على الجمر، كما ...

طوبى لكم أيها الغرباء

إن القابض على دينه في زمان تشتد فيه غربة الإسلام كالقابض على الجمر، كما جاء في الحديث النبوي الشريف، وهؤلاء القابضون على دينهم اليوم يعيشون الغربة كما عاشها المسلمون الأوائل، وكيف لا يعيشون الغربة وهم يعيشون زمانا ابتعد أهله عن نور الوحيين، واستطالت فيه أعناق أهل الباطل وانقلبت الموازين وظهرت فيه السنوات الخدّاعات التي أخبرنا بها النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (سيأتي على الناس سنوات خدّاعات يُصدّق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه في أمر العامة) [أحمد].

وفي الحديث عن الغربة في الدّين سلوى وبلسم وتثبيت لأهلها، الذين يواجهون أشد البلاء، فلعل حديثنا اليوم في هذا المقال يكون مؤنسا لهم ومذكرا، وقد قال ربنا سبحانه: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات].

◾️ من الغرباء وما صفتهم؟

وردت أوصاف هؤلاء الغرباء في عدة أحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي هريرة عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء) [مسلم]، وفي رواية أخرى قيل: "يا رسول الله، من الغرباء؟" قال: (الذين يصلحون إذا فسد الناس)، وفي لفظ آخر: (يصلحون ما أفسد الناس من سنتي)، وفي لفظ آخر: (هم النزّاع من القبائل)، وفي لفظ: (هم أناس صالحون قليل في أناس سوء كثير).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومن صفات هؤلاء الغرباء الّذين غبطهم النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- التّمسّك بالسّنّة، إذا رغب عنها النّاس، وترك ما أحدثوه، وإن كان هو المعروف عندهم وتجريد التّوحيد، وإن أنكر ذلك أكثر النّاس، وترك الانتساب إلى أحد غير اللّه ورسوله، لا شيخ ولا طريقة ولا مذهب ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى اللّه بالعبوديّة له وحده، وإلى رسوله بالاتّباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقّا، وأكثر النّاس بل كلّهم لائم لهم، فلغربتهم بين هذا الخلق: يعدّونهم أهل شذوذ وبدعة، ومفارقة للسّواد الأعظمِ". [مدارج السالكين]


مقالات النبأ طوبى لكم أيها الغرباء